المقالة الأصلية من إعداد الدكتور أحمد سمرجي من جامعة فينيسيا، لبنان، ونشرت في موقع The Conversation

يبذل معظم العلماء والأطباء في ظل أزمة فيروس كورونا هذه أقصى جهودهم للحفاظ على حياة المرضى، لكن تركيز الأطباء الشرعيين ينصب على التعامل مع جثث ضحايا هذا الفيروس.

اقتُبس هذا المقال عن لقاء مع الباحث في العلوم الجنائية اللبناني أحمد سمرجي، تحدث فيه عن التحديات الاستثنائية التي تواجه الأطباء الشرعيين وعلماء الأمراض في مناطق التفشي، التي أُجبرت حكوماتها على اتخاذ قرارات «محدودة للغاية، لكنها ضرورية» لتجنب تراكم جثث ضحايا هذا الفيروس.

ما هو دور الأطباء الشرعيين في هذه الجائحة؟

يقتضي عمل الأطباء الشرعيين الدمج بين علمي القانون والطب لتحديد سبب الوفاة وآلية وقوعها ووقت حدوثها، ويلعب عملهم اليومي دورًا مهمًا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي؛ ما ينعكس إيجابًا على أفراد عائلة المتوفى وعلى المجتمع كله، في هذه الجائحة أُلقي على عاتقهم دور كبير في المساهمة في إدارة هذه الأزمة، سواء ضمن مجتمعاتهم المحلية أو عبر مشاركتهم في المهمات الإنسانية المبعوثة إلى المجتمعات النامية.

يتجلى دورهم في هذه الأوقات العصيبة في ضمان الإدارة السليمة للجثث والحد من انتشار الفيروس، وتوجيه السلطات والمشافي ومديري الجنازات حول ما يجب فعله وما يجب تجنبه عند التعامل مع هذه الجثث.

كيف يتعامل الأطباء الشرعيون مع جثث ضحايا فيروس كورونا الجديد - جثث ضحايا الفيروس - أزمة فيروس كورونا - دور الطب الشرعي في ظل انتشار المرض

يسود الاعتقاد بأن التعامل مع الجثث أخف وطأةً من التعامل مع المرضى الأحياء، وهو اعتقاد صحيح في الحالات الطبيعية، لكن في حالات الأوبئة والجائحات قد تتجاوز أعداد الجثث القدرات المحلية على الاستيعاب إذا لم تَجرِ إدارتُها بطريقة سليمة، لذا من الطبيعي في هذه الحالات أن تُسرّع الإجراءات التالية للوفاة أو حتى قد يُتجاوز بعضها، ابتداءً من فحص الجثث وتسجيلها وانتهاءً بدفنها أو حرقها.

هل تنقل جثث مرضى كوفيد- 19 العدوى؟

بالرغم من معرفتنا الواسعة عن عائلة الفيروسات التاجية، ما زال أمامنا الكثير لفهم طرق انتقال فيروس سارس- كوف- 2 وتأثيراته على الجسم، فلا نعلم حتى الآن هل جثث المرضى ناقلة للعدوى أم لا، لكن الاحتمال مرتفع؛ لذا يناشد الأطباء الشرعيون في جميع أنحاء العالم حكوماتهم لمنع عرض الجثث على أهل المتوفى وعدم تسليمهم إياها بعد اكتمال الفحص، وتجنب زج الأفراد غير المؤهلين للتعامل مع الجثث في هذا الميدان، اقتداءً بما تعلمناه سابقًا من وباء إيبولا، الذي أودى بحياة 11300 شخص غرب إفريقيا بين عامي 2014 و 2015، فقد كان سوء التعامل مع الجثث سببًا مهمًا في انتشار المرض.

هل المدن التي اجتاحها الفيروس قادرة على التعامل مع الجثث تعاملًا آمنًا؟

لا شك أن الحكومات في حالة تخبط واضطراب في ظل هذه الجائحة، خاصةً مع توقع تجاوز عدد ضحايا هذا المرض مئات الآلاف حول العالم، لكن الأنظمة الصحية المهيأة للتعامل مع الأوبئة المخصصة موارد كافية لإدارتها تبدو على ما يرام.

يصف زميلي الطبيب الشرعي رالف بو حيدر من جامعة إدينبيرغ كيفية تعامل الأطباء الشرعيين في اسكتلندا مع هذه الأزمة، إذ يقضون ساعات طويلة في المشرحة، ويتعاونون تعاونًا وثيقًا مع الشرطة ومديري الجنازات والمستشفيات؛ لمراجعة الإجراءات الحالية المتبعة لإدارة أعداد الوفيات المتزايدة وتقييمها وتحديثها.

وقد نوّه بو حيدر إلى أن الاستجابة السليمة لهذا المرض لم تنبثق من فراغ، بل كانت نتيجة العمل المتراكم والتخطيط القائم على فهم القدرات المحلية والاطلاع على كافة المستجدات المحلية والعالمية وتبادل المعارف والخبرات؛ فنتج عن ذلك استمرار كفاءة المستشفيات في اسكتلندا مع وصول عدد الإصابات إلى 4565 وحدوث 366 وفاة.

عندما تكون الخطط الوطنية للتعامل مع الجثث غير مدروسة جيدًا، ستتراكم الجثث بكثرة، وتقود إلى مشاكل في تخزينها وتبريدها وتحللها، ما يزيد خطر العدوى في المجتمع.

في مثل هذه الحالات ستُجبر الحكومات على اتخاذ إجراءات محدودة، لكنها ضرورية للتعامل مع أعداد الجثث المتراكمة. على سبيل المثال، يجب السماح للطبيب المعالج بتأكيد الوفيات الناتجة عن مرض كوفيد- 19 دون المرور بفحص تالٍ للوفاة، بهدف تسريع إدراج هذه الوفيات في الأنظمة المعنية، ويجب أيضًا إنشاء مستودعات مؤقتة قادرة على استيعاب آلاف الجثث، كما فعلت السلطات البريطانية عند تحويلها مطار بيرمينغهام إلى مستودع يتسع لأكثر من 12000 جثة.

قد تضطر الحكومات إلى حفر مقابر جماعية، على غرار ما يحدث في المدن التي اجتاحها المرض بشدة وتراكمت فيها جثث ضحايا الفيروس بسرعة مثل نيويورك وغواياكتيل والإكوادور. لكن يجب أن يحدث كل ذلك مع ضمان دفن كريم للجثث ووضع العلامات الصحيحة على المقابر وفق ما يقتضيه القانون الدولي الإنساني.

ما الأخطار التي تواجه الأطباء الشرعيين عند تعاملهم مع هذه الجائحة؟

جميع الأطباء الشرعيين معرضون باستمرار لخطر التقاط العدوى رغم جميع التدابير الوقائية، وعندما يلتقط الطبيب الشرعي العدوى ستكتمل دورة المرض المشؤومة، فالطبيب سيضطر إلى التغيب عن العمل أسبوعين على الأقل، وفي أسوأ الأحوال قد يموت، مخلفًا وراءه فراغًا يفاقم من الوضع البائس مهددًا بذلك صحة المجتمع بأسره.

يُبعث الأطباء الشرعيون من الصليب الأحمر إلى مخيمات اللاجئين ومناطق الحروب في مهام إنسانية لتقديم العون في مكافحة هذه الجائحة. يكون خطر العدوى في هذه الأماكن كبيرًا وتعاني المشارح فيها من نقص في اليد العاملة والتجهيزات.

عمومًا، لا يتطلب فحص الجثث الشرعي تجهيزات معقدة مقارنةً بالاختصاصات الطبية الأخرى، فكل ما يلزم هو أدوات تخزين ملائمة وسبل وقاية ومعدات تشريح وأدوات جمع العينات. لكن هذا العمل جزء بسيط من سلسلة أكبر من الأحداث، فالمشافي يجب أن تكون قادرةً على تحديد هوية الجثة وتحديد سبب الوفاة، والتخلص الملائم من الجثث دون ذكر المسائل القانونية التي تعقب هذه الحالات.

كيف استفدنا من تجربتنا مع فيروس إيبولا في التعامل مع فيروس كورونا المستجد؟

وُثقت الدروس التي تعلمناها من فيروس إيبولا ونُشرت في الدليل الميداني «إدارة الجثث بعد وقوع الكوارث»، الطبعة الثانية، الذي أصدرته منظمة الصليب الأحمر الدولي بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية عام 2016، وهي الآن توجه الاستجابة العالمية لجائحة فيروس كورونا المستجد. واليوم تجرى أبحاث على قدم وساق حول مرض كوفيد- 19 لتُربط المعارف المستخلصة من الأطباء الشرعيين ونظرائهم من اختصاصات علم الفيروسات والكيمياء الحيوية والطب السريري.

في إيطاليا على سبيل المثال، نُشرت دراسة -في 26 مارس من العام الجاري بقيادة 25 خبيرًا صحيًا من كافة الاختصاصات- حذرت مختصي الرعاية الصحية والعاملين في المشارح من مخاطر التعامل مع جثث مرضى كوفيد- 19، وقدمت لهم الإرشادات لتشريح حالات المرضى المشتَبه فيها والمحتمَلة والمؤكَّدة منها.

إذا تكررت مثل هذه الدراسات، وانتشرت على نطاق واسع من الفرق البحثية والبلاد، ستساهم بفاعلية في ضبط هذه الأزمة العالمية، وفي صياغة خطة علاجية محكمة، وقد توجه البشرية إلى إنتاج لقاح لهذا المرض.

اقرأ أيضًا:

علماء الفيروسات يشرحون ما يفعله فيروس كورونا في الجسم

قد ينتقل فيروس كورونا أثناء التنفس الطبيعي!

فيروس كورونا الجديد ربما كان موجودًا بين البشر لسنوات!

ترجمة: رضوان مرعي

تدقيق: عون حداد

مراجعة: تسنيم الطيبي

المقالة الأصلية على موقع The Conversation