إن مفهوم “التنوع الحيوي يولد من ذاته” ليس بالفكرة الجديدة في علم التطوّر، ولكن كان من الصعب إثباته، حيث أننا نحتاج إلى عالم أحياء يستطيع الإمساك بأنواع مختلفة من الكائنات الحية في الوقت الذي تتطوّر فيه إلى أنواع جديدة، وهذا ما تمّ إثباته في وقتنا الحالي من خلال دراسة جديدة قام بها علماء الأحياء في جامعة رايس «Rice University» وجامعة نوتردام «University of Notre Dame» وجامعة ولاية مشيغان «Michigan State University» وجامعة ايوا «waUniversity of Io« وجامعة فلوريدا «University of Florida»، ووجدوا أن التغيّرات التطوّرية المستمرة في نوع واحد من ذبابة الفاكهة؛ تؤثر بشكل تسلسلي على ثلاثة أنواع تمت دراستها من الدبابير الطفيلية. وتركّز هذه الدراسة على القفزة في نوعية غذاء هذه الذبابة حيث أصبحت تعتاش على أشجار التفاح الجديدة بالنسبة إلى النظام البيئي في أمريكا الشمالية في خمسينيات القرن التاسع عشر. كما وضّح عالم الأحياء التطوّري الأستاذ المساعد في علوم الحياة في جامعة رايس الدكتور سكوت ايجان «Scott Egan»: «إن دراستنا تتمحور حول السؤال الأهم في علم الاحياء: كيف تنشأ الأنواع الجديدة؟». وقد جاءت الدراسة على خطى بحث سابق للدكتور سكوت وزملائه حول ذبابة الفاكهة «Rhagoletis pomonella» والمعروفة كذلك بيرقات التفاح، والتي بدأت تصيب محاصيل التفاح الامريكية في خمسينات القرن التاسع عشر حيث أن هذا التغيير في طرق التغذية والتزواج في ذبابة «Rhagoletis» سينتج عنه تكوّن نوعين مختلفين. وأضاف الدكتور سكوت: «إن هذه الدراسة تجعلنا ننظر بشكل أدق الى المصطلح التطوّري الذي يعرف بالانتواع التسلسلي «Sequential Speciation» والذي يوضّح لنا حقيقة أن عمليات التأقلم والانتواع (ظهور أنواع جديدة) في أحد الكائنات لا تكون معزولة في العادة، إنما تخلق الفرصة لتستغلها كائنات مختلفة، وهذه الفرصة قد تؤدي إلى ظهور أنواع جديدة اخرى». إن ذبابة الفاكهة في طور إنتاج نوعين مختلفين نتيجة لاختلاف تواقيت الإثمار بين أشجار التفاح، التي تفضلها بعض الذبابات في وضع البيوض، وأشجار زعرور أمريكا الشمالية، الثمار الأصلية التي كانت تعتمدها الذبابات في وضع البيوض قبل وجود التفاح. وفي محاولة لتوسيع نطاق البحث حول عملية الانتواع في ذبابة الفاكهة؛ قام الباحثون بالتركيز كذلك على ثلاثة أنواع من الدبابير المعروفة بعلاقتها التطفلية على هذه الذبابات. وأظهرت التحاليل التي أجريت على عينات الدبابير التي تم جمعها من عدة أشجار مضيفة للذبابة في بيئات مختلفة؛ أن الأنواع الثلاثة من الدبابير هي أيضًا في طور إنتاج أنواع مختلفة من الناحية الوراثية اعتمادًا على التغاير الذي يحصل في الذبابات من ناحية السلوك والفسلجة الحيوية. كما قال الدكتور جيمس سميث «James Smith» عالم حشرات في جامعة مشيغان وباحث مشارك في البحث: «إن هذه الدراسة الجديدة تأتي مكمّلة للبحث السابق عبر إيضاح أن ذبابة الفاكهة الجديدة لا تعتبر المضيف المناسب لنوع جديد آخر من الدبابير الطفيلية وحسب، إنما لعدة أنواع جديدة أخرى. إن هذه التغيّرات التطوّرية والتي تعرف بالأحداث المتتالية أو المتتابعة؛ توفر المعلومات التي قد تساعد علماء الأحياء في تفسير السبب وراء كون بعض الكائنات الحية كالنباتات والحشرات متعددة الأشكال وتمتلك عددًا كبيرًا من الأنواع في الطبيعة، مقارنةً مع باقي الكائنات. وتساءل الدكتور سميث: «لماذا هناك أنواع كثيرة من الحشرات؟ إن عملية الانتواع المتتالي «Speciation Cascade» توفّر لنا تفسيرًا واحدًا لكيفية نشوء الكثير من الأنواع في وقت قصير نسبيًا». وقد قال طالب الدكتوراه في جامعة نوتردام والباحث الرئيسي في هذه الدراسة غلين هود «Glen Hood»: «إن دراستنا هذه قد أثّرت في طبيعة فهمنا للتطوّر عبر اقتراح أن التغيّرات المفردة في النسل؛ قد تنعكس من خلال المستويات الغذائية للنظام البيئي، وتزيد من التنوّع الحيوي على المستوى الجماعي للكائنات».


 

المصدر