سنة 1966، خطرت فكرة آلية جديدة غير عادية لتفسير سبب المغناطيسية (Ferromagnetism)، القوى التي تحرك المغناطيس كما نعرفه، في ذهن الفيزيائي الياباني يوسوكي ناجاوكا.

بدت الفكرة منطقيةً نظريًّا، لكنها لم تُرصد قط في مواد طبيعية، والآن بدأت أول إشارة على صحتها في المختبر.

نحن مدينون لفيزياء الكم من جديد، إذ استطاع العلماء توليد إشارات تجريبية لمغناطيسية ناجاوكا في نظام كهربي كمِّي مصمم ليتم التحكم فيه بطريقة خاصة.

العلماء يرصدون إشارات لشكل مراوغ من المغنطة تم التنبؤ به قبل 50 عامًا - تفسير سبب المغناطيسية - القوى التي تحرك المغناطيس

ما زال الوقت مبكرًا لاستخدام نظام المغنطة الجديد عمليًّا، لكن من المثير للاهتمام إثبات صحة ما توقعه ناجاوكا منذ 54 عامًا، وربما كان لهذا الاكتشاف أثر كبير في تطوير الأنظمة الكمِّية مُستقبلًا.

يقول فيزيائي الكم ليفين فان درسبين من جامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا: «كانت النتائج بالغة الوضوح، لقد أثبتنا مغناطيسية ناجاوكا. عندما بدأنا العمل على هذا المشروع، لم نكن نتوقع أن التجربة ممكنة، لأن الفيزياء مختلفة تمامًا عن كل ما درسناه في مختبرنا».

إن أفضل طريقة للتفكير بمغناطيسية ناجاوكا هي تشبيهها بلعبة ألغاز الأطفال، التي تحتوي مربعات منفصلة وعليك أن ترتبها لتكون صورة أو نمطًا، كل قطعة في هذه اللعبة تمثل إلكترونًا له مداره الخاص ومحاذاته الخاصة.

تخلق الإلكترونات مجالًا مغناطيسيًّا عندما تصطف في اتجاه واحد، وصف ناجاوكا نوعًا من النسخة المثالية للمغناطيسية المتجولة حيث تتحرك الإلكترونات بحرية لكن تبقى المادة مغناطيسية.

في نسخته من لعبة الألغاز، كانت كل الإلكترونات متراصة في نفس الاتجاه، ما يعني أنه حتى بخلط الأجزاء عشوائيًّا، تبقى مغنطة النظام بأكمله ثابتة.

ولأن خلط الإلكترونات لا يؤثر في البناء العام، يتطلب النظام طاقةً أقل.

مغناطيسية ناجاوكا في شكل لغز، مع محاذاة جميع الدوائر (يمين)

مغناطيسية ناجاوكا في شكل لغز، مع محاذاة جميع الدوائر (يمين)

بنى العلماء شبكةً ثنائية الأبعاد لإظهار مغناطيسية ناجاوكا في أثناء عملها، باستعمال نقاط كمِّية، وهي جسيمات تشبه الموصلات الدقيقة، لها القدرة على تشكيل الجيل التالي من أجهزة الحواسيب الكمِّية.

بُرد النظام بأكمله إلى ما يقارب الصفر المطلق (-272.99 درجة مئوية) ومن ثم تعليق ثلاثة إلكترونات بداخله تاركين مربعًا واحدًا من اللغز فارغًا، وكانت الخطوة التالية إظهار أن الشبكة تعمل بوصفها مغناطيسًا كما توقع ناجاوكا تمامًا.

يقول فيزيائي الكم أوديتيندو موكوباجي من جامعة دلفت: «استخدمنا مستشعرًا كهربيًّا حساسًا جدًّا لفك شفرة اتجاه دوران الإلكترونات وتحويلها إلى إشارات كهربية يمكن قياسها في المختبر».

أظهر المستشعر أن نظام النقاط الكمومية الصغير الحساس والدقيق للغاية حاذى بالفعل حركة دوران الإلكترونات كما هو متوقع، مفضّلًا حالة الطاقة الأدنى طبيعيًّا.

وُصفت هذه المسألة سابقًا بأنها إحدى أصعب مشكلات الفيزياء، لذلك تُعَد هذه خطوةً هامة تجاه فهمنا للمغنطة وفيزياء الكم معًا، ما يظهر مدى صحة تلك الفكرة طويلة الأمد حول آلية عمل المغناطيسية على مقياس النانو.

وإضافةً إلى ذلك سيساعد الاكتشاف الجديد على تطوير الحاسوب الكمِّي، وهو جهاز سينقل العمليات الحسابية إلى ما وراء نطاق التكنولوجيا التي نمتلكها اليوم.

يقول فان درسبين: «تسمح أنظمة مشابهة بدراسة مشكلات شديدة التعقيد لا يمكن إيجاد حلول لها حتى باستعمال الحاسوب الفائق الأكثر تطورًا اليوم، كالعمليات الكيميائية المعقدة مثلًا. تقدم التجارب المماثلة خطوات مهمة نحو تطوير الحاسوب الكمِّي وعمليات المحاكاة المستقبلية».

اقرأ أيضًا:

ما هو العزم المغناطيسي؟ وطريقة اشتقاق معادلة العزم المغناطيسي

حواسيب المستقبل: الحواسيب العصبونية والحواسيب الكمومية

ترجمة: أسامة ونوس

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر