سُجلت في ستة أشهر 8 ملايين حالة إصابة إيجابية بمرض كوفيد-19 منذ بداية انتشار الجائحة من مدينة ووهان في الصين، واليوم أعلن العلماء عن أول خطوة مهمة في علاج هذا المرض، إذ اكتشف فريق بحثي من جامعة أوكسفورد فعالية دواء ديكساميثازون الرخيص والمتوفر في الأسواق لعلاج الحالات الشديدة من مرض كوفيد-19.

يتوفر دواء ديكساميثازون منذ بدايات ستينيات القرن الماضي. وهو مضاد التهاب ستيرويدي يوصَف غالبًا بجرعات صغيرة ويُستخدم لعلاج نوبات الربو الشديدة والحساسية وفي حالات ألم المفاصل وتورّمها، بالإضافة إلى علاج أمراض المناعة الذاتية كالذئبة الحمامية الجهازية، ويشيع استخدامه أكثر في حالات التهاب المفاصل الروماتيدي.

تكمن فائدة هذا الدواء عند علاج حالات كوفيد-19 الشديدة في خواصه المضادة للالتهاب وتأثيره في الجهاز المناعي.

ديكساميثازون: العلاج الثوري لكوفيد-19 - علاج الحالات الشديدة من مرض كوفيد-19 - السعال الجاف وفقدان حاستي التذوق والشم وحمى خفيفة

طريقة عمله:

لا تظهر أعراض المرض على معظم المصابين بكوفيد-19، أو تظهر عليهم أعراض متوسطة، مثل: السعال الجاف وفقدان حاستي التذوق والشم وحمى خفيفة. تكون الأعراض شديدة جدًا عند نسبة ضئيلة من المصابين الذين يحتاجون إلى العلاج بالأوكسجين أو بأجهزة التنفس الاصطناعي لإمداد الرئتين بالأوكسجين اللازم للجسم، وقد أثبت ديكساميثازون فعاليته في علاج هذه الفئة من المصابين.

يبالغ الجهاز المناعي في استجابته للفيروس في حالات الإصابة الشديدة، فيهاجم الخلايا الحاملة له، وتفرز الخلايا المناعية مواد كيميائية تسمى السيتوكينات التي تسبب التهابًا حادًا. تُعرَف هذه الحالة باسم «عاصفة السيتوكين».

يثبِّط الديكساميثازون استجابة الجهاز المناعي ويخفّف شدة عاصفة السيتوكين، فيحمي القلب والرئتين من الالتهاب الحاد المسؤول عن المشاكل التنفسية الحادة في حالات المرض الشديدة.

اختُبِر دواء ديكساميثازون في أكبر تجربة دواء لعلاج مرض كوفيد-19 حتى الآن، أُطلق عليها اسم التقييم العشوائي لعلاج كوفيد-19 أو اختصارًا تجربة الاستشفاء، درس فيها الباحثون تأثير الدواء في 2000 مريض وقارنوا النتائج مع 4000 مريض آخر لم يتلق العلاج.

أظهرت نتائج التجربة التي لم تُنشر بعد في مجلة يراجعها الأقران، أن أكبر فائدة للدواء ظهرت على المرضى الموضوعين على أجهزة التنفس الاصطناعي، إذ خفّض الدواء خطر الوفاة عندهم بنسبة 30 بالمئة. وانخفضت الوفيات بنسبة 20 بالمئة عند المرضى الذين كانوا يتلقون العلاج التنفسي بالأكسجين فقط.

يعادل هذا تقريبًا إنقاذ حياة مريض واحد من كل ثمانية مرضى موضوعين على جهاز التنفس الاصطناعي، وواحد من بين كل 20 إلى 25 مريضًا يتلقى العلاج التنفسي بالأكسجين.

للديكساميثازون-مثل باقي أنواع الأدوية- أعراض جانبية تشمل القلق واضطرابات النوم وزيادة الوزن واحتباس السوائل، لكن هذه الأعراض بسيطة لمرضى كوفيد-19 في الرعاية المركزة ويمكن السيطرة عليها، أي إن فوائد دواء ديكساميثازون في علاج كوفيد-19 تفوق أضراره بكثير.

لكن هذا الدواء غير فعال عند المرضى الذين يعانون أعراضًا خفيفة ولا يحتاجون إلى دعم تنفسي، ولا يُوصى باستعمال المرضى للدواء في منازلهم.

أول علاج حقيقي:

جُمِعت نتائج الأبحاث على الديكساميثازون في تجربة سريرية عشوائية قورنت فيها نتائج المرضى الذين تلقوا العلاج مع نتائج من لم يتلقوه.

لم تخضع الأدوية السابقة التي عدَّها البعض علاجات محتَملة لفيروس كورونا المستجد لدراسة دقيقة من هذا النمط قبل إعلان فاعليتها، مثل دواء الملاريا هيدروكسي كلوروكين الذي روّج له الباحث الفرنسي ديديي راؤول ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، مع أن الإحصائيات تقول إن هذا الدواء سبَّب زيادة في نسبة وفيات كوفيد-19 ولا يُنصَح بتناوله.

حتى إن باحثي جامعة أوكسفورد الذين اكتشفوا فعالية ديكسامثيازون العلاجية، أوقفوا دراساتهم على هيدروكسي كلوروكين بسبب انعدام فاعليته، وسحبت إدارة الدواء والغذاء الأمريكية استعماله في علاج مرض كوفيد-19.

علاج رخيص:

ديكساميثازون دواء رخيص يكلف نحو 6 دولارات يوميًا، ويعالَج به المرضى مدة تتراوح بين 6 إلى 10 أيام، أي نستطيع إنقاذ أرواح المرضى بتكلفة لا تتجاوز 44 دولارًا للمريض الواحد. قدّر الأطباء أن استعمال هذا الدواء في وقت أبكر في المملكة المتحدة كان سينقذ حياة نحو 5000 مريض بكوفيد-19.

إن هذا الدواء متاح عالميًا بكميات كبيرة، وهذا يعني أن المرضى الفقراء في البلدان النامية التي تفتقر إلى أنظمة رعاية صحية شاملة يستطيعون الحصول على الدواء بسهولة، على عكس الأدوية الجديدة التي غالبًا ما تكون باهظة الثمن وغير متوفرة.

تقترح هذه الدراسة المهمة إمكانية استخدام دواء شائع ومتاح في الأسواق منذ ستين عامًا في علاج كوفيد-19، لتعلن بذلك أول خطوة ناجحة في معركتنا ضد هذا المرض على أمل الوصول إلى اكتشافات جديدة.

اقرأ أيضًا:

ما علاج فيروس كورونا المستجد بالبلازما؟ وهل يشفي من المرض؟

هل يمكن أن تكون مميعات الدم علاجًا منقذًا من الوفاة بسبب كورونا؟

هل يقي التدخين من الإصابة بفيروس كورونا المستجد؟

ترجمة: رضوان مرعي

تدقيق: وئام سليمان

مراجعة: رزان حميدة

المصدر