لا يتنعم البعض منا في عيد الحب بأكوام من بطاقات المعايدات وصناديق الشوكولا وبحقول من الزهور، هل تسللت إليكم يومًا شكوك حول جاذبيتكم الخارجية لتفسروا لماذا لم تحصلوا -كما الآخرين- على تلك المعايدات في يوم الحب؟

هل حُتِّم الشقاء علينا للأبد فقط لكوننا أقل جاذبيةً من غيرنا؟

في نتائج مفاجئة لدراسة تحت عنوان: «السعادة والشقاء عند عارضات الأزياء: الرفاهية وإشباع الرغبات والتغيرات في الشخصية عند عارضات الأزياء»، ثبُت أن عارضات الأزياء الأكثر جمالًا واللاتي يكسبن معيشتهن من جمالهن يعانين من صعوبات تكيفية في الشخصية ومن انخفاض في الرفاهية مقارنةً بغير العارضات.

وبالرغم من هذا، يتمتع الأشخاص الجذابون بفرص أعلى في التوظيف والترقية والحصول على مرتبات أعلى، ويكونون أكثر ثقةً بذواتهم وقدراتهم، وأقوى في المهارات الاجتماعية من الآخرين غير الجذابين.

حتى الأطفال حديثي الولادة يفضلون النظر إلى الوجوه الجميلة مقارنةً بالوجوه غير الجميلة.

إذن، هل لا بد من كون الأكثر جمالًا هم الأوفر حظًا والأكثر سعادةً منا جميعًا؟

في المقالة التي نُشِرت في مجلة “بوسيتيف سايكولوجي” عن عارضات الأزياء، درس الباحثون الأعمال التي تستند على الجمال مثل العمل في عرض الأزياء والإعلانات في المجلات والكتيبات.

هل للجمال جاذبية أكبر؟ ويوفر سعادة أكثر - هل كتب الشقاء علينا للأبد فقط لكوننا أقل جاذبية من غيرنا؟ - الأكثر جمالًا هم الأوفر حظًا

كشف الباحثون في دراستهم التي أجروها في جامعتي سيتي وشيفيلد هلام في بريطانيا وجامعة تكساس في أوستن في الولايات المتحدة أن تلك الفئة تحديدًا من الأشخاص الجذابين تعاني من اضطرابات في الشخصية، فهم مثيرون للشكوك أكثر، وشديدو الانفعالات، ويعتبرون أنفسهم في المركز، ومنعزلون اجتماعيًا، وغريبو الأطوار.

إذن، هل من الممكن أن يكون للجمال أثر سلبي على الشخصية وتحقيق الذات؟

يقول كاتبو هذه الدراسة وهم بيجرون مير وماريا إينستروم ومنى هارستفيت ودايفد بولز وكريستوفر بيفرز أن جمال أولئك العارضات لم يساعدهن في إشباع حاجاتهن النفسية الأساسية.

مثلًا، بالرغم من أن عارضات الأزياء يُقدَّرن لجمالهن، فهن لا ينلن شيئًا من التقدير لقدراتهن ومهارتهن، إلا إذا اعتبرنا أن الجمال الدائم مهارة بحد ذاته.

لذا، إذا كان جميع البشر يحتاجون أن يشعروا بأنهم كفؤ، والمطلوب من الجذابين هو فقط وجودهم دون العمل على أي شيء أو تطوير أي مهارة أو قدرة، فلا يُعد هذا صحيًا لسلامتهم النفسية.

تضطر العارضات في الكثير من الأحيان إلى التغاضي عن أمنياتهن خضوعًا عند رغبات الزبائن وأصحاب العمل، ويتداخل هذا الأمر مع إحدى الحاجات الأساسية للصحة النفسية وهو الاستقلالية الذاتية. بالإضافة لذلك، يقلص التنقل المتكرر الذي يفرضه أسلوب حياة العارضات من فرص أن يحظين على علاقات صادقة ومثمرة، ما يمنع إشباع الحاجة النفسية للارتباط العاطفي.

في عصرنا هذا، بات من الشروط الأساسية لتحقيق الشهرة أن يكون المرء جذابًا دون أي اعتبار للصفات الحميدة الأخرى. يجعل عصر كهذا من الجمال أداةً للفت النظر. ولكن، هل يُسعد لفت الأنظار حقًا الجذابين؟ الشهرة المبنية على حاجة قاتلة للفت النظر والتوق إلى إثارة إعجاب الآخرين، والرغبة المفرطة للتأكد من التميّز هي الدوافع الشخصية التي تختبئ خلف تحقيق الشهرة.

تولد هذه الصفات في الشخصية نتائج مدمرةً قد تصل للانتحار. يوجد الكثير من المشاهير الذين عانوا من تدمير لذواتهم وصل بهم في بعض الأحيان إلى الانتحار، مثل مارلين مونرو وكِرت كوباين وجانيس جوبلين وجيمي هيندركس.

حتى أمس، كان السؤال حول إن كان الجمال يجعلك بائسًا أو سعيدًا محط نقاش في الأواسط العلمية في علم النفس، إلى أن أجرى الفريق البحثي من جامعات أرهوس وكوبنهاغن في الدنمارك وكلية الطب في جامعة هارفرد في الولايات المتحدة والمركز الدنماركي للدراسات الاجتماعية دراسةً طوليةً على مجموعة من 10 آلاف شخص من النساء والرجال الذين تخرجوا من الثانوية عام 1957، بهدف الإجابة على سؤال الجمال وعلاقته بالسعادة والشقاء.

وجد الباحثون غوبتا وإيتكوف وجيغار أن السعادة أو الاحساس بالرضا يرتبطان بالجاذبية. الفرق بين دراسة هؤلاء الباحثين ودراسات غيرهم السابقة أن دراستهم تتناول الجمال العادي أو الجاذبية في حين تناولت الدراسات السابقة الجمال الفائق الموجود عند العارضات.

درس الباحثون العلاقة بين جاذبية الأشخاص في صورهم التي التقطوها أثناء تخرجهم من الثانوية عام 1957، ورفاهيتهم أو سعادتهم لاحقًا في التسعينيات. أثبتت الدراسة وجود علاقة طردية بين هذين الأمرين: فلما كانت جاذبية الفرد أكبر، كان أكثر سعادةً لاحقًا في التسعينيات وحتى لعام 2004. من الجدير بالذكر أن هذه الدراسة تناولت عينةً كبيرة من 4416 امرأةً و 4018 رجلًا.

تحت عنوان «الجمال في العقل: تأثير الجاذبية على السعادة والشقاء»، تناول الباحثون في دراستهم تلك عوامل نفسيةً تؤثر على السعادة مثل الثقة بالنفس وتقدير الذات والإحساس بالكفاءة. توافقت نتائج هذه الدراسة مع نتائج الدراسات السابقة فأثبتت أنه بالفعل يتمتع الأشخاص الجذابون بقدرة جيدة في تيسير علاقاتهم الاجتماعية، وبالحزم ويعتقدون أنهم يتمتعون بقدرة أكبر على التحكم بحياتهم.

في سوق العمل حيث يعمل مبدأ “امتياز الجمال” بقوة، يحصل الجذابون على ترقيات أكثر ورواتب أكبر. أثبتت إحدى الدراسات أن الثقة بالنفس وحدها تشكل 20% من مبدأ “امتياز الجمال”.

يشرح الباحثون أيضًا إمكانية أن يميل الراضون عن حياتهم إلى الاهتمام أكثر بأنفسهم نتيجةً لاحترامهم لذواتهم وثقتهم بأنفسهم. قد يعطي هذا الأمر تفسيرًا للعلاقة بين الجاذبية والسعادة.

لعله ليس الجمال هو ما يجعلك أكثر رضًا وسعادة. لعل العلاقة عكسية كالتالي: عندما تكون أكثر سعادةً ورضا، فإنك تميل إلى الاهتمام أكثر بذاتك وإلى التصرف بثقة أكبر، ما قد يؤثر على نظرة الناس لك كشخص جذاب.

توجد طريقة أخرى للتفكير بالأمر: عندما نحزن أو نشعر بالاكتئاب، فإننا نهمل أشكالنا الخارجية ويبدو سلوكنا أقل ثقةً وحزمًا. بهذا لا تكون قلة الجاذبية هي السبب في شقائنا، بل يكون الحزن في المقام الأول هو السبب في إظهارنا أقل جاذبيةً.

ولكن بالعودة إلى الدراسة التي تناولناها أعلاه والتي نُشِرت في “مجلة الدراسات حول السعادة”، تُظهِر النتائج أن الجاذبية تولد سعادةً أكبر وليس العكس.

ولكن بالرغم من هذا، ما يزال غير معروف لأي درجة تتعلق الآثار الحسنة للجاذبية بالمظاهر الجميلة التي يمكننا التحكم بها (مثل هندمة الشعر ووضع مساحيق التجميل)، وليس من المعروف أيضًا لأي درجة تؤثر الجاذبية على عوامل السعادة الأخرى مثل الحزم والثقة.

يستطيع الأشخاص التعويض عن قلة جاذبيتهم بتبني سلوكيات حازمة ورصينة تسمح لهم بأن يكونوا مرغوبين اجتماعيًا.

يشير كاتبو هذه الدراسة إلى دراسة أخرى تحادث فيها رجال اختيروا عشوائيًّا مع نساء عبر الهاتف لم يسبق لهم وأن رأوهم، وأخبر الباحثون النساء مسبقًا أنهن إما جذابات أو غير جذابات (بطرق غير مباشرة)، (كان الرجال يُعطَون إما صورًا لنساء جذابات أو غير جذابات).

كانت النساء اللواتي تلقين تعليقات بكونهن جذابات أكثر دفئًا واجتماعيةً وتفاعلًا من اللواتي لم يحصلن على تعليقات شبيهة. بالمقابل، كان الرجال أكثر فكاهةً وثقةً واجتماعيةً عندما اعتقدوا أنهم يتحدثون مع نساء جذابات.

قد لا يكون مظهرنا الخارجي هو ما يحدد كيفية تعامل العالم الخارجي معنا، بل قد تكون آثار اعتقادنا بأننا جذّابون كزيادة الثقة بالنفس، والدفء الداخلي هما اللذين يولدان تفاعلًا اجتماعيًّا أفضل.

لذا، في عيد الحب وفي أي من الأيام الأخرى، إن لم تكن تتمتع بجمال عارضات الأزياء الخارق، جرب أن تعوض ذلك بالعمل على جاذبيتك الاجتماعية!

اقرأ أيضًا:

معلومات عن التبرج: هل يسبب السرطان؟

دراسة جديدة تكشف عن طريقة سهلة تجعلك أكثر جاذبية ولا علاقة لها بمظهرك

ترجمة: زهراء حدرج

تدقيق: رزوق النجار

مراجعة: آية فحماوي

المصدر