كشف أقدم ضوء من الانفجار العظيم عن تقدير جديد لعمر الكون: 13.77 مليار سنة، تزيد أو تنقص بـ 40 مليون سنة. يأتي هذا التقدير الجديد، بناءً على البيانات التي جُمعت بواسطة عدة تلسكوبات في صحراء أتاكاما التشيلية، ليثير النقاش مجددًا حول إحدى أكثر المعضلات جدلًا في الفيزياء الفلكية: ما مدى سرعة تمدد الكون ؟ وجاءت نتائج هذا التقدير لتدعم طرفًا في الجدال على حساب الآخر.

صورة جديدة لجزء من إشعاع الخلفية الكونية الميكروي الذي التُقط من قبل تلسكوب أتاكاما للكونيات

إليكم الجدال الحاصل: يحتاج الفيزيائيون لمعرفة معدل تمدد الكون حتى يتوافق ذلك مع نظريات علم الكونيات، وهو العلم الذي يدرس الكون كله بماضيه وحاضره ومستقبله. الحاصل أن الفلكيين متفقون أن هناك مادة غامضة تُسمى الطاقة المظلمة تُسبب توسع الكون بسرعة متزايدة في كل الاتجاهات، لكن الخلاف بينهم ظهر بعد أن طوّر كل فريق منهم طريقة مختلفة لحساب ثابت هابل، وهو قانون يصف لنا سرعة تمدد الكون وتباعد المجرات عنا وعن بعضها.

إحدى تلك الطرق أسفرت عن ثابت معين استنادًا إلى قياسات مدى سرعة تباعد المجرات عن مجرتنا درب التبانة، لكن طريقة أخرى أنتجت لنا ثابتًا آخر بناءً على دراسة أقدم ضوء في الكون، يُعرف بإشعاع الخلفية الكونية الميكروي (cosmic microwave background CMB). هذا الاختلاف ترك العلماء في حيرة من أمرهم متسائلين ما إذا كان هناك خلل في حساباتهم أو نظرياتهم. لكن الظاهر أن هذا التقدير الجديد يدعم قياس إشعاع الخلفية الكونية الميكروي و يُنزّهه من أي خطأ.

في دراسة أخرى لإشعاع CMB، قال ستيف تشوي عالم الفيزياء الفلكية بجامعة كورنيل والمؤلف الرئيسي لإحدى أوراق البحث الجديدة في بيان له: «حسابنا لمعدل توسع الكون صحيح وفقًا لتقدير فريق بلانك للأقمار الصناعية، وهذا يمنحنا المزيد من الثقة في حساباتنا لأقدم ضوء في الكون».

كانت البيانات من القمر الاصطناعي بلانك، والتي أُصدرت عام 2018، على قدر كبير من الدقة غير المسبوقة حتى الآن في قياس إشعاع الخلفية الكونية، التي جاءت حساباتها لثابت هابل مختلفة كثيرًا عن حسابات ثابت هابل المُستنتجة من تباعد المجرات القريبة عن بعضها البعض.

أعادت نتائج هذه الدراسة الجديدة حساب إشعاع الخلفية الكونية من الصفر اعتمادًا على مجموعة مختلفة من البيانات والتلسكوبات، وأسفرت عن نتائج مماثلة، لكن هذا لا يثبت بالضرورة صحة حساب إشعاع الخلفية الكونية لثابت هابل، لأن الاحتمال يبقى واردًا في وجود خطأ ما في تلك النظريات المعتمدة في إجراء الحسابات. مع ذلك تشير هذه النتائج الجديدة إلى عدم وجود أي أخطاء في الحساب.

تمكن الباحثون اعتمادًا على بيانات تلسكوب أتاكاما للكونيات في صحراء أتاكاما التشيلية من ملاحظة بعض الاختلافات الطفيفة في أجزاء مختلفة من إشعاع الخلفية الكونية. هذه الاختلافات تكوّنت نتيجة اختلاف مستويات الطاقة في أجزاء مختلفة من الفضاء. يُذكر أن شعاع CMB، الذي تشكل عندما برد الكون بعد الانفجار العظيم، يُمكن التقاطه من أي اتجاه في الفضاء على شكل توهج لموجات صغيرة ميكروية، إذ تبعد عنا أكثر من 13 مليار سنة ضوئية، كصورة مخزنة لزمن ما قبل تشكل النجوم والمجرات.

يستطيع الفيزيائيون تحديد مدى توسع الكون في تلك اللحظة المبكرة من عمره من خلال الجمع بين النظريات التي تفسر تشكل إشعاع CMB وتُعطي قياسات دقيقة للتذبذبات في مستويات طاقته، ومن ثمّ استخدام تلك البيانات في حساب ثابت هابل.

مسح تلسكوب الكونيات في أتاكاما نصف السماء بين العام 2013 و2016 باحثًا عن أي أثر لضوء ميكروي. بعدها أمضى الباحثون سنوات في تحليل البيانات باستخدام حواسيب فائقة السرعة تعمل على إزالة تلك الإشعاعات التي لا تعتبر جزءًا من إشعاع CMB، وذلك من أجل تجميع وتشكيل خريطة كاملة لإشعاع الخلفية الكونية، لكنهم غفلوا -حسب ما جاء في أوراقهم البحثية- عن الآثار المترتبة لخياراتهم على نتائج عملهم النهائية وتقدير ثابت هابل.

تقدم الخريطة الجديدة قياسًا حديثًا للمسافة بين الأرض وإشعاع CMB. إذا ضربنا تلك المسافة في معدل توسع الكون فإن ذلك يسمح لنا بوضع تقدير دقيق لعمر الكون. يقول تشوي: «لم يكن في قرارة نفسي أي انحياز لقيمة معينة، كانت نتائج الدراسة ستكون مثيرة بطريقة أو بأخرى».

لكن كما ذكرنا سالفًا، من الممكن لأي خطأ نظري أن يُبطل تلك الحسابات، لكن لا أحد لحد الآن تمكن من إيجاد أي خطأ.

هناك طريقة أخرى لحساب ثابت هابل تعتمد على استخدام العديد من النجوم النابضة، وهي نجوم متغيرة السطوع تسكن المجرات البعيدة تومض ثم تنطفئ مرارًا وتكرارًا، وكأنها تغمز في إيقاع منتظم. يسمح هذا الوميض والغمز ذو التوقيت المنتظم للباحثين بإجراء حسابات دقيقة حول تحركاتها عبر الفضاء وبُعدها عن الأرض، لذلك فيمكن اعتبار هذا النوع من النجوم ونبضاتها الدقيقة ساعاتٍ طبيعيةً لحساب المسافات الكونية، ومن خلال الوميض السريع الذي تنبضه يمكننا حساب ثابت هابل.

لكن من الممكن كما صرح بعض العلماء أن يكون هذا الركن الذي نشغله من الفضاء مكانًا فارغًا لسببٍ ما، ومن ثمّ ليس معيارًا حقيقيًا لما عليه الكون كله، كما أن هذه النجوم النابضة وحساباتها قد يتخللها بعض الريب والخطأ أو أنها لا تعمل كما يعتقد الفيزيائيون.

حتى الآن يبقى ثابت هابل لغزًا وموضع جدل، لكن الدفة تميل أكثر بصالح باحثي إشعاع الخلفية الكونية الميكروي.

اقرأ أيضًا:

اشعاع الخلفية الكونية الميكروي : بقايا الانفجار العظيم

هكذا حسب العلماء عمر الكون.. ويمكنك حسابه أنت أيضًا!

ترجمة: رضوان بوجريدة

تدقيق: جعفر الجزيري

المصدر