إذا كنت من متابعي الأخبار، لعلك لاحظت أن الصحفيين والسياسيين غالبًا ما يشيرون إلى أن الحروب والكوارث الطبيعية والأحداث المدمرة قد تعمل على تعزيز الاقتصاد، كونها تخلق مزيدًا من الطلب على أعمال إعادة الإعمار. وقد يكون ذلك صحيحًا إلى حد ما في حالات معينة، وذلك عندما تكون الموارد -العمالة ورأس المال، إلخ- عاطلة عن العمل، لكن هل ذلك حقًا يعني أن الكوارث مفيدة اقتصاديًا؟

في مقالته عام 1850 «ما يُرى وما لا يُرى» أجاب عالم الاقتصاد السياسي «فريدريك باستيات» عن مثل هذه الأسئلة كما يلي:

هل سبق أن شاهدت غضب صاحب المتجر الطيب «جيمس جودفيلو» عندما كسر ابنُه المتهور لوحًا من الزجاج؟ غضب لكونه مضطرًا إلى دفع مبلغ إلى بائع الزجاج، وإذا كنت هناك فستشهد بكل تأكيد أن كل الحاضرين -كانوا نحو 30- قد أعربوا عن تعزيتهم قائلين «رُب ضارة نافعة. الحياة المرفهة حق لغيرك أيضًا. ما الذي كان سيحل بصانعي الزجاج لو لم يُكسر الزجاج أبدًا؟».

هذا النمط من التعازي يُلخص نظرية كاملة تمثلت في هذه الحالة البسيطة، مع الأخذ في الحسبان أنها للأسف نفس النظرية التي تنظم الجزء الأكبر من مؤسساتنا الاقتصادية.

مغالطة النافذة المكسورة - هل المشاكل والحروب والكوارث مفيدة اقتصاديًا؟ - النظرية التي تنظم الجزء الأكبر من مؤسساتنا الاقتصادية

لنفرض أننا اكتشفنا أن الصبي الصغير قد وظفه عامل الزجاج بالفعل، ودفع فرنكًا مقابل كل نافذة كسرها. كأن عامل الزجاج يكسر النوافذ عمدًا لإجبار الناس على استخدامه. ومع ذلك تظل الحقائق التي شاهدها المتفرجون صحيحة، سيستفيد عامل الزجاج من العمل على حساب الخباز والخياط.

وفي هذه الحالة إذا كلف إصلاح الضرر 6 فرنكات، كأنك تقول إن ما حصل جلب 6 فرنكات لتجارة الزجاج، وإن ذلك يشجع تلك التجارة بمقدار 6 فرنكات تدفعها أنت دون اعتراض. أنت هنا تفكر بطريقة صحيحة، ويأتي عامل الزجاج ليؤدي مهمته مقابل 6 فرنكات ويفرك يديه ويبارك في قلبه ما أحدثه الطفل المهمل، هذا كل ما نراه.

قد تستنتج بناءً على ذلك أن كسر النوافذ أمر جيد ويسبب تداول الأموال ويعمل على تشجيع التجارة، عندها ستجبرني على مقاطعة استنتاجاتك، فنظريتك هذه تقتصر على ما يُرى ولا تأخذ في الحسبان ما لا يُرى.

لا نرى أن صاحب المتجر أنفق 6 فرنكات على إصلاح الزجاج كان بإمكانه إنفاقها على شيء آخر. فإن لم يكن لديه نافذة ليصلحها فربما يستبدل حذاءه القديم أو يضيف كتابًا جديدًا إلى مكتبته. ما يعني أنه كان سيستخدم فرنكاته الستة بطريقة ما لولا ما حدث.

لذا فإن من قالوا لصاحب المتجر إن النافذة المكسورة أمر جيد لأنها تحافظ على عمل مصلح الزجاج، مثلهم كمثل الصحفيين والسياسيين الذين يزعمون أن الكوارث الطبيعية هي في الواقع نعمة اقتصادية.

يرى باستيات أن النشاط الاقتصادي الناتج عن حادثة الزجاج لا يمثل سوى نصف الصورة، لذا من الخطأ النظر إلى المنفعة التي تعود على عامل الزجاج بمعزل عن غيرها. بل يجب أن يأخذ التحليل المناسب في الحسبان حقيقة أن من استفاد كان عامل الزجاج فقط، وأن الأموال المستخدمة في ذلك أصبحت غير متاحة لأنشطة تجارية أخرى، مثل شراء الملابس أو الكتب، إلخ.

تتعلق نظرية باستيات بتكلفة الفرصة البديلة، حال لم تكن الموارد معطلة، إذ ستتحول الموارد من نشاط إلى آخر. قد يشمل منطق باستيات السؤال عن مجموع الفوائد التي يحصل عليها عامل الزجاج في هذا السيناريو. فإذا كان وقته وطاقته محدودين فمن المحتمل أن يحول موارده بعيدًا عن الوظائف الأخرى أو الأنشطة الممتعة في سبيل إصلاح نافذة صاحب المتجر. وهنا يُفترض أن الفائدة الصافية لعامل الزجاج تظل إيجابية إذا اختار إصلاح النافذة بدلًا من الاستمرار في أنشطة أخرى، لكن من غير المرجح أن تزيد رفاهيته بالمبلغ الذي دفعه صاحب المتجر ذي الزجاج المكسور. وبالمثل فإن موارد صانع الملابس وبائع الكتب لن تظل بالضرورة خاملة لكنها ستظل تعاني الخسارة.

يمكننا القول إن النشاط الاقتصادي الناتج عن النافذة المكسورة يمثل إلى حد ما تحول مصنع من صناعة إلى أخرى عوضًا عن الزيادة الإجمالية في النشاط الاقتصادي. أضف إلى ذلك أن نافذة جيدة تعرضت للكسر، ومن الواضح أنه في ظل ظروف محددة جدًا قد تكون النافذة المكسورة مفيدة للاقتصاد الإجمالي.

لماذا يصر الناس على تقديم مثل هذه الحجج المضللة فيما يتعلق بالتدمير والإنتاج؟

أحد التفسيرات المحتملة لذلك أنهم يعتقدون أنه توجد موارد معطلة في الاقتصاد، كأن صاحب المتجر كان يخزن النقود تحت حشيّته قبل حادثة كسر النافذة بدلًا من شراء ملابس أو كتب أو أي شيء آخر. وعلى افتراض أن كسر النافذة من شأنه أن يزيد الإنتاج على المدى القصير فمن الخطأ الاعتقاد أن ذلك صحيح دون وجود أدلة كافية على ذلك.

من الأفضل دائمًا أن ينفق صاحب المتجر أمواله على شيء ذي قيمة دون اللجوء إلى تدمير ممتلكاته.

من المثير للاهتمام أنه إذا وُجد احتمال أن يؤدي كسر النافذة إلى زيادة الإنتاج على المدى القصير، فإن ذلك قد يسلط الضوء على نقطة ثانوية أراد باستيات توضيحها، هي وجود فرق مهم بين الثروة والإنتاج.

لتوضيح الفرق، تخيل عالمًا يوجد فيه كل ما يريده الناس بوفرة، عندها سينعدم الإنتاج الجديد دون أن يتذمر أحد، وعلى النقيض من ذلك تخيّل عالمًا لا يوجد فيه رأس مال ولا موارد لإنتاج الأشياء، حينها لن يكون أحد سعيدًا حيال ذلك. ربما ينبغي لباستيات أن يكتب حكاية مختلفة عن رجل يقول: «من السيئ أن منزلي قد تعرض للدمار، ولكن من الجيد أن الآن لدي وظيفة إعادة بناء المنزل».

باختصار، وإن كان كسر النافذة سيؤدي إلى زيادة الإنتاج على المدى القصير، فإن الكوارث والحروب لا تزيد الرفاهية الاقتصادية على المدى الطويل، فمن الأفضل ألا نكسر النافذة وأن ننفق ثمنها على صنع أشياء جديدة وقيّمة، بدلًا من كسر النافذة وإنفاق تلك الموارد نفسها لاستبدال أشياء موجودة بالفعل.

اقرأ أيضًا:

ما القيمة التي تحملها العملات الورقية؟

دورة الائتمان

ترجمة: محمد أحمد العفيف

تدقيق: عون حدّاد

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر