ربما تتذكرون العام الماضي عندما اندهش العالم وهو ينظر مباشرةً إلى أول صورة لظل ثقب أسود ، صورة تاريخية كانت تتويجًا لسلسلة من الخطط والجهود المضنية عبر سنوات عديدة دفعت بتكنولوجيا الرصد إلى حدها الأقصى ومكنتنا من استخراج تلك الصورة المذهلة من مجموعة من الملاحظات على مدار أسبوع كامل سنة 2017.

في السنوات الأولى من مشروع مرصد أفق الحدث دوّن الفريق ملاحظات عن الثقب الأسود الموجود في قلب مجرة تبعد عنا 55 مليون سنة ضوئية، تُعرف بمجرة M87 باستخدام مصفوفة من تلسكوبات مبدئية، لكن تلك الصور الملتقطة بين عامي 2009 و2012 لم تكن كافية لإنتاج صورة للثقب الأسود، عند العودة إلى تلك الصور الأولية الأقدم وجد العلماء دليلًا على أن الحلقة حول M87* تميل بصورة تجعلها تبدو متوهجة.

اكتُشفت تلك النتيجة عندما كان الفلكيون يحاولون تتبع تغير الحلقة حول الثقب الأسود عبر الزمن، إذ وجدوا بيانات كافية لتأكيد محاكاة تُبين تذبذب السطوع حول حلقة الثقب الأسود.

قال الفلكي ماسيك ويلجاس من مركز هارفارد للفيزياء الفلكية: «رأينا العام الماضي صورة لظل ثقب أسود تتكون من هلال لامع بسبب البلازما الساخنة التي تدور حول M87*، وجزء مركزي معتم حيث يُتوقع وجود أفق حدث الثقب الأسود، واعتمادًا على نتائج السنة الماضية سألنا السؤال التالي: هل يتسق هذا الشكل الشبيه بالهلال مع البيانات المؤرشفة؟ وهل ستكشف البيانات المؤرشفة حجمًا واتجاهًا مشابهين للهلال؟».

استخدم الفريق طريقة نمذجة إحصائية اعتمادًا على إطار العمل المستخدم في تحليل بيانات عام 2017 وشكلت البيانات نقطة البداية لنموذجهم فيما قيدت البيانات المجمعة من مصفوفة التلسكوبات الأولية ذلك النموذج.

كما تتوقع النسبية العامة، وجد الفريق أن ظل الثقب الأسود -تلك الدائرة في منتصف الحلقة اللامعة الذهبية- كانت موجودة عبر الزمن، مُحافظةً على نفس القطر على مدار السنين، ما يؤكد طبيعة M87*.

كانت تلك النتيجة متوقعة، لكن ظهرت نتيجة أخرى لم تكن كذلك، فعند النظر إلى صورة M87* يمكنك أن تلاحظ زيادة لمعان جزء من تلك الحلقة المكونة من الغاز والغبار التي تدور حول الثقب الأسود في قرص تراكمي، مقارنةً بسائر الأجزاء، ذلك اللمعان غير المتساوي في شدته من النتائج التي تتوقعها نظرية النسبية العامة وهو ما يعرف بتأثير دوبلر، الذي يتمثل في زيادة لمعان الجزء الذي يدور تجاهنا -أي الراصد- وخفوت الجزء الذي يدور مبتعدًا عنا، وقد وجد الفريق في محاكاته أن المناطق الألمع ليست ثابتة في مكان واحد بل تتحرك، ما يظهرها كما لو كانت تتلألأ.

أرجع الفريق تلك الحركة إلى الاضطراب في التدفق، ما يخبرنا الكثير عن تلك المناطق حول الثقوب السوداء فائقة الحجم، وتأثيرها في الأجسام المحيطة.

يقول ويلجاس: «بسبب الاضطراب العنيف في تدفق المادة، يظهر الهلال كما لو كان يميل بمرور الزمن، نرى الكثير من التنوع هناك ولا تسمح جميع النماذج النظرية للقرص التراكمي بالكثير من الميل، ما يعني أننا نستطيع استبعاد بعض النماذج اعتمادًا على ديناميكيات المصدر المرصودة».

نستطيع تفسير الاضطراب الشديد في التدفق بالعديد من الأسباب، منها سرعة دوران الثقب الأسود، أو بنية المجال المغناطيسي للقرص التراكمي، أو عدم ثبات الحركة الدورانية المغناطيسية، أو عدم التناسق بين دوران الثقب الأسود ودوران القرص التراكمي، أو تشكل التدفقات النسبية، وهي تيارات قوية من البلازما تنبع من داخل القرص التراكمي وتتسارع إلى خارج أفق حدث الثقب الأسود في الفضاء بسرعات نسبية.

لدينا فكرة عن طريقة تشكل تلك التدفقات، لكننا لسنا متيقنين تمامًا، لذا نأمل أن يساعدنا M87* على فهمها فهمًا أفضل.

نظرًا إلى أن البيانات المبكرة ضعيفة نسبيًا فمن المستحيل القفز إلى استنتاجات بعد، لكننا نستطيع القول إن مرصد أفق الحدث الذي يتكون من شبكة من التليسكوبات الراديوية التي تمسح السماء ما زال أمامه الكثير، وكل إضافة إلى إمكانياته تعزز من قدراته.

دخل الخدمة تلسكوب آخر عام 2018 وما زالت بياناته قيد التحليل، ومن المتوقع دخول تلسكوبين آخرين الخدمة العام القادم.

يقول أنتون زينسوس من معهد ماكس بلانك للفلك في ألمانيا: «ستزودنا الإمكانيات المعززة لهذه التليسكوبات من الحصول على رؤية دقيقة ومفصلة عن ظل الثقب الأسود M87* وعن التدفقات الخارجة منه».

اقرأ أيضًا:

ما هي الثقوب السوداء ؟

إلى أين تؤدي الثقوب السوداء ؟

ترجمة: أحمد جمال

تدقيق: سمية المهدي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر