إننا في الوقت من العام (الهالوين) الذي تحتل فيه الهياكل العظمية والجماجم والعظام الشرفاتِ ونوافذ الواجهات وحتى قطع البسكويت. في حين تُعد الهياكل العظمية عالميًّا رمزًا للموت؛ لكن عملية تحويل حيوان توفي حديثًا إلى هيكل عظمي تمثل انبثاق الحياة والبدء بعملية التحلل. تجري معظم عمليات التحول هذه بواسطة تلك الحشرات الملتوية والمتشتتة والمندفعة.

استطاع علماء الحشرات بعد عقود من المراقبة والاختبارات العلمية الدقيقة تصنيفَ عملية التحلل في نموذج من خمس مراحل، وقد أظهر هذا النموذج كيف تحوِّل الحشرات بالتآزر مع الكائنات الدقيقة جسمًا دافئًا إلى كومة من العظام والكربون والنتروجين والفوسفور بالإضافة إلى كميات كبيرة من العناصر الغذائية المُعاد تدويرها لتستطيع كائنات حية أخرى الاستفادة منها لتنمو وتزدهر.

كل شيء يبدأ من الجثة

تبدأ المرحلة الأولى من عملية التحلل والتي تسمى مرحلة «التحلل أو الهضم الذاتي» بين لحظتي الموت وأولى علامات الانتفاخ. خلال هذه المرحلة، لا توجد مظاهر لتغيرات فيزيائية خارجية لكن تبدأ البكتيريا الموجودة مسبقًا داخل الجثة بهضم أنسجة الجسم، لتبدأ الحشرات بالقدوم بعد دقائق تمتد لساعات من موت الحيوان.

تنتمي معظم الحشرات التي تستوطن خلال المرحلة الابتدائية إلى العائلات التالية: الخَوتَعِيَّات (فصيلة من الذباب منها ذبابة الخَومَع وهو ذباب يضع بيضه في اللحم)، والذُّبابِيَّات (فصيلة من الذباب من رتبة ذوات الجناحين مثل: ذبابة المنزل)، والمُستَلحِمات كذبابة اللحم، إذ يسعى هذا الذباب الناشئ نحو مكان مناسب ليضع بيضه فيه، كتجويفات الحيوان الطبيعية كالأنف والفم أو في جروحه الخارجية كالخدوش مثلًا؛ إذ تُشكِّل الأنسجة الرخوة ومستوى الرطوبة بيئةً حاضنةً مناسبةً لنمو اليرقات وتطورها.

ما دور الحشرات في تحلل الجثث وتحويلها إلى هياكل عظمية - عملية التحلل - العناصر الغذائية المعاد تدويرها لتستطيع كائنات حية أخرى الاستفادة منها

الانتفاخ، والبكتيريا، والميتان

الانتفاخ هو المرحلة التالية من عملية التحلُّل، وهي حين يُشكِّل نقص الأكسجين بيئةً ملائمةً لنمو وتكاثر الجراثيم اللاهوائية التي تستطيع العيش بغياب الأكسجين. بينما تطرد البكتيريا الغازات كسلفيد الهيدروجين والميتان من الجسم يبدأ البطن بالانتفاخ، وتصبح الجثة داكنة وذات رائحة كريهة. ولأن الجثث قليلة ولأنها مصدر مؤقت للعناصر الغذائية؛ تبحث عنها العديد من الحشرات وتنتقل إليها من مسافة كيلومترات.

تفقس بيوض الحشرات في مرحلة الانتفاخ وتبدأ الآلاف من البكتيريا بالتغذي على اللحم، وفي هذه المرحلة تنضم الخنافس لعملية الهيجان على الطعام، تتغذى بعض الخنافس كخنافس الجيف على لحم الجثة الغني بالعناصر الغذائية؛ أما الخنافس المفترسة كالخنفساء الرواغة فتتغذى على البكتيريا.

عندما تفعل اليرقات سحرها

تُعرف المرحلة الثالثة من عملية التحلل بالانحلال النشيط وهي عندما يبدأ إفراغ الهواء من الجثة ببطء فتنكمش مثلما يحدث عندما ينثقب دولاب السيارة؛ إذ تقرض يرقات الحشرات أجواف الجسم لتصنعَ حُفرًا صغيرة تخرج منها الغازات، ويسيل الماء من النسج مانحًا الجثة مظهرًا رطبًا مع انبعاث رائحة تعفن. ومع نهاية هذه المرحلة تبدأ اليرقات بالتركيز على التغذي من داخل التجويف الصدري، وسرعان ما تصل خنفساء الرواغة وخنفساء المهرج بكميات كبيرة جدًا لتأكل اليرقات. وبمجرد تآكل معظم اللحم؛ تدخل الجثة في مرحلة الانحلال المتقدم، وتترك معظم اليرقات الجثة لتتفتَّح داخل التربة، ثم تصل خنفساء الديرميستيد* البالغة لتضع بيوضها -وهي من آكلي النفايات- إذ تتغذى على أنواع عدة من المواد الجافة كالفِراء والريش والنباتات الميتة وحتى السّجاد.

إذا لم تكن هذه الخنفساء مألوفة بالنسبة لك فهذا يعني أنك لم تقرأ الأخبار؛ ففي عام 2016 أُجري مسح للكشف عن مفصليات الأرجل في المنازل وكانت النتيجة اكتشاف وجود هذه الخنفساء في 100% من تلك المنازل.

خنفساء الجلد تُنهي المهمة

تُعرف المرحلة الأخيرة من عملية التحلل بالتعفُّن الجاف؛ ينجذب عدد قليل جدًّا من الحشرات إلى الجثة في هذه المرحلة. خلال هذه المرحلة، تتقلص الجثة لتصبح مجرد عظام وغضاريف وجلد جاف وشعر مع القليل من الرائحة، وتُكمل يرقات خنفساء الجلد طريقها في تنظيف الهيكل العظمي تاركةً وراءها بقايا تبدو كهيكل عظمي مفكك، لهذه الخنفساء دور كبير في تنظيف العظام؛ إذ تُستخدم باستمرار في المتاحف عند تحضير أحد الهياكل العظمية للعرض.

الأشياء الصغيرة التي تُدير العالم

مع أننا نشهد هذه العملية المقرفة والتي قد تثير غثيان البعض؛ لكن تحلُّل بقايا الحيوانات يُعدّ عملية أساسية لتدوير العناصر الغذائية في النظام البيئي، وإن جميع هذه العناصر الغذائية الضرورية للكائنات الحية لتنمو وتتطور كالكربون (الذي يعد من أساسيات الحياة على الأرض) والفوسفور، والنتروجين توجد بكميات محدودة في النظام البيئي؛ لذلك يجب أن يعاد استخدامها وتدويرها بشكل دائم لضمان استمراريتها.

بعد التحلل، تصبح التربة أسفل الجثة حاوية على تراكيز عالية من العناصر الغذائية نسبة للنظام البيئي المحيط.

على أي حال، تتحرر العناصر الغذائية في البيئة ولا تبقى جميعها في التربة والنباتات، يُعاد توظيف الطاقة والمغذيات المتحررة من الحيوان الميت سواء كان فأرة أو راكونًا أو غرابًا من أجل الحشرات الحية. عندما تنتهي الحشرات من التغذي على الجثة تتفرق إلى نطاق أوسع لتُكمِل دورها عنصرًا فعالًا في النظام البيئي؛ فهي تساعد في تلقيح المحاصيل كاليقطين؛ إذ تعد غذاءً للعديد من آكلي الحشرات كالخفافيش، وتكون أساسية في عملية تحلل جثث الكائنات الأخرى كالجرذان والفطور والأفاعي.

إذا حدث وعثرت على عظمة خلال موسم الهالوين أو أي وقت آخر من السنة، توقّف لحظة لتفكر بهذه الدراما التي جعلت هذا الاكتشاف ممكنًا.

اقرأ أيضًا:

النحل البري يلقح الأزهار ويوفر المليارات

علماء المستحاثات يكتشفون نوعًا جديدًا من الديناصورات في جزيرة وايت

ترجمة: كارمن صطوف

تدقيق: محمد الصفتي

مراجعة: تسنيم المنجد

المصدر