يعاني أكثرنا بعض الخوف تجاه الإجراءات الطبية. وسواءً أكان القلق حول نتيجة اختبار، أم تخيُّل منظر الدم خلال سحب العينة، فإن قلقك حول وضعك الصحي هو أمر طبيعي. لكن قد يزداد هذا الخوف عند البعض ويؤدي إلى اجتناب إجراءات طبية معينة مثل الجراحة. عندها يقترح الطبيب تحري إصابتهم بنوع من الرُهاب يُسمى التوموفوبيا.

ما التوموفوبيا؟

هي الخوف من الإجراءات الجراحية أو التدخلات الطبية. تقول المعالجة النفسية سامانثا شيكين: «يُعد الشعور بالخوف عند الخضوع لإجراء جراحي أمرًا طبيعيًّا، لكن التوموفوبيا تتجاوز الحد الطبيعي المتوقع من القلق. ما يجعل هذا الرُهاب خطِرًا أن يؤدي إلى تجنب التدخلات الطبية الضرورية».

تُعَد التوموفوبيا أحد الرُهابات النوعية، أي رُهاب فريد من نوعه يترافق مع موقف أو حالة معينة، الإجراءات الطبية في هذه الحالة.

قد لا تكون التوموفوبيا شائعة، لكن الرهابات النوعية شائعة عمومًا. أفادت الجمعية الوطنية للصحة النفسية أن نحو 12.5% من الأمريكيين يعانون نوعًا من الرُهاب خلال حياتهم.

تقول الطبيبة لي ليز: «كي يصل الخوف إلى مرتبة الرهاب -وهو أحد أنماط اضطراب القلق- يجب أن يتعارض مع مسيرة الحياة اليومية للشخص».

يؤثر الرُهاب في العلاقات الشخصية والعمل والدراسة، ويحول دون الاستمتاع بالحياة. يُثقِل الرهاب كاهلك، لأن الخوف يزيد عن حده، أو يصبح أشد من المتوقع، ولتجنب الشعور بالقلق والتوتر سيتفادى الفرد النشاط أو الشخص أو الموضوع المحرض للرهاب بأي ثمن.

قد يعطل الرُهاب -بصرف النظر عن نوعه- الروتين اليومي، ويُضعف العلاقات، ويحد من القدرة على العمل، وينقص من تقدير الشخص لذاته.

التوموفوبيا: عندما يتحول الخوف من الجراحة والإجراءات الطبية إلى رهاب - تخيل منظر الدم خلال سحب العينة - الإجراءات الجراحية

الأعراض

تؤدي التوموفوبيا -مثل الرهابات الأخرى- إلى أعراض مرتبطة بالإجراءات الطبية.

من الأعراض العامة للرُهاب:

  •  رغبة مُلحّة في الهرب، أو اجتناب الحدث المحرّض.
  •  خوف غير مبرر أو مفرط بالنسبة إلى مستوى التهديد.
  •  ضيق بالتنفس وإحساس بضيق في الصدر.
  •  ارتعاش وتعرُّق وإحساس بالحرارة.

تقول د. ليز إنه من الشائع عند مريض التوموفوبيا حدوث ما يلي:

  •  نوبات هلع بسبب مواقف تستلزم التدخل الطبي.
  •  اجتناب الطبيب، بل ربما تجنب الإجراءات المنقذة للحياة بسبب الخوف.
  •  صراخ الطفل وهروبه من الغرفة.

تشبه التوموفوبيا نوعًا آخر من الرهاب يسمى التريبانوفوبيا، وهو خوف شديد من الإبر، والتدخلات الطبية التي تشمل اختراق الجلد.

الأسباب

السبب الدقيق الكامن وراء التوموفوبيا غير معروف، لدى الخبراء الكثير من الأفكار حول الأسباب المؤدية إلى خوف الشخص من الإجراءات الطبية.

وفقًا لشيكين، قد تحدث التوموفوبيا بعد رض نفسي، وقد تظهر بعد رؤية خوف الآخرين من مداخلة طبية.

وتقول ليز: «أحيانًا قد يعاني مرضى الإغماء الوعائي المبهمي التوموفوبيا أيضًا».

الإغماء الوعائي المبهمي هو إفراط في رد فعل الجسم للمؤثرات، نتيجة استجابة مفرطة للجهاز العصبي الذاتي من طريق العصب المبهم. من أعراضه تسارع القلب، أو انخفاض ضغط الدم، وعندها قد يحدث إغماء بسبب الخوف أو الألم، ما يؤدي إلى الرض، ومن ثم تشعر بخوف من تكرار الحادثة، ومن هنا يأتي الخوف من التدخلات الطبية.

أضافت د.ليز: «من الأسباب الأخرى المُحتمَلة الرض علاجي المنشأ. عندما يتأذّى أحدهم عرضيًّا جراء مداخلة طبية في الماضي، قد يشعر بالخوف من فكرة أن النظام الطبي يسبب أضرارًا أكثر من الفوائد».

مثلًا قد يعاني شخص أُصيب بأذية بسبب إبرة أحدثت إنتانًا جلديًّا وألمًا شديدًا، الخوف تجاه هذه الإجراءات في المستقبل.

التشخيص

يشخِّص الرهاب مختصو الصحة النفسية، ولما كانت التوموفوبيا غير متضمنة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية في طبعته الخامسة، فسيتحرى الخبير الرهابات النوعية، وهي من الأنماط الفرعية لاضطراب القلق.

يُصنَّف الرهاب النوعي إلى خمسة أنماط:

  •  نمط تجاه الحيوانات.
  •  نمط تجاه البيئة الطبيعية.
  •  نمط تجاه الجروح أو الحقن.
  •  نمط ظرفي (حسب الموقف والحالة).
  •  أنماط أخرى.

تشير شيكين إلى أن الخوف وحده غير كاف لتأكيد وجود الرهاب، فلا بد من وجود سلوكيات اجتنابية وعلامات على الخلل الحاصل.

وتتابع بقولها: «نشخِّص الإصابة باضطراب القلق عند انعدام السيطرة على القلق أو الخوف، أو عندما يعرقل الخوف حياتك اليومية، أو يمنع تلقيك الرعاية الصحية المناسبة».

العلاج

إذا أثَّرت التوموفوبيا في صحتك، ودفعتك إلى رفض إجراء تدابير طبية ضرورية، فقد حان الوقت لطلب المساعدة.

تقول ليز إنه بعد تشخيص الرهاب -تحديدًا التوموفوبيا- فإن العلاج المُختار هو العلاج النفسي، وأحد الطرق المُثبَتة في علاج الرهاب العلاج المعرفي السلوكي، الذي يضم تغيير آليات التفكير وأنماطه، إذ يعمل المعالج على تحدي طرق التفكير المعيبة وتغييرها.

تقول ليز: «من العلاجات الشائعة الأخرى العلاج القائم على المواجهة»، وذلك باستخدام تقنيات التخلُّص المُنظم من الحساسية أو التحصين التدريجي، التي تبدأ بتخيُّل الحدث المخيف. وقد يتطور مع الوقت إلى رؤية صور لعمليات طبية، ثمّ إلى مشاهدة فيديو لعملية جراحية.

قد يقترح الطبيب أو الخبير النفسي طرقًا أخرى للعلاج، مثل الأدوية التي تفيد حال كنت تعاني حالات نفسية أخرى مثل اضطرابات القلق أو الاكتئاب. وقد يتعاون معك لتطوير خطة علاجية تناسبك، قد تشمل العلاج النفسي أو الدوائي أو مجموعات الدعم الاجتماعي.

التوقعات

تقول شيكين: «قد تتعارض كل أنواع الرهاب مع النشاطات اليومية، وقد يترتب على رفض الإجراءات الطبية الملحّة نتائج مهددة للحياة»

تعتمد التوقعات على شدة السلوك الاجتنابي. تصبح التوقعات جيدة حال تلقي المريض مساعدة المختصين، وعلاجات مُثبَتة كالعلاج المعرفي السلوكي والعلاج بالمواجهة.

الخُلاصة

التوموفوبيا من أنواع الرهاب النوعي، ولما كان تجنب التدخلات الطبية قد يؤدي إلى نتائج خطيرة، فمن الضروري أن تراجع طبيبًا أو اختصاصيًا نفسيًا للحصول على المزيد من المعلومات. من أجل تحديد المشكلات المستبطنة المسببة للخوف الزائد، والحصول على العلاج المناسب.

اقرأ أيضًا:

كل ما تحتاج معرفته عن الرهاب Phobia

سايكولوجيا الخوف

ترجمة: سوار قوجه

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر