للمرة الأولى، سجل الفيزيائيون الأمواج الصوتية التي تخترق مائعًا مثاليًّا لديه أقل درجة لزوجة، ضمن الحدود التي تسمح بها قوانين ميكانيكا الكم، أي التناسق التصاعدي للترددات التي يهتز عندها المائع.

هذا البحث يساعدنا على فهم أقسى الشروط في الكون، وهي الأجزاء الداخلية للنجوم النيوترونية فائقة الكثافة، و«حساء» بلازما الكوارك-غلون التي ملأت الكون في السنوات التي تلت الانفجار العظيم مباشرة.

قال الفيزيائي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مارتين زويرلين: «من الصعب الاستماع إلى نجم نيوتروني. الآن يمكننا محاكاة حركته وصوته في المختبر باستخدام الذرات، حرّك هذا الحساء الذري، واستمع إليه واعرف كيف يكون صوت النجم النيوتروني».

استمع إلى الصوت من هنا

يتضمن المائع مجالًا من الحالات الفيزيائية المختلفة. قد تعتقد أن المائع هو السائل، لكن المائع هو أي مادة تتوافق مع شكل الوعاء الموجودة فيه، فالغاز والبلازما يُصنفان من الموائع.

تسجيل تدفق الصوت لمائع مثالي للمرة الأولى - تسجيل الأمواج الصوتية التي تخترق مائع مثالي لديه أقل درجة لزوجة - الموجات الصوتية - الموصلية الفائقة - المائع

هذه الحالات الثلاث للمائع -السائل والغاز والبلازما- تعاني الاحتكاك الداخلي بين طبقات المائع، ما ينتج عنه لزوجة وثخانة. العسل مثال عالي اللزوجة، والماء أقل لزوجة، أما في الهيليوم السائل فائق التبريد، فيصبح جزء من المائع فائقًا دون احتكاك. لكن ليس بالضرورة أن يكون المائع مثاليًّا.

قال زويرلين: «هيليوم-3 هو غاز فيرمي -حالة من حالات الغاز- لذلك اعتقدنا أنه قريب من الحالة المطلوبة، لكن بدلًا من ذلك اتضح أن الهيليوم-3 شديد اللزوجة حتى عندما يتحول إلى مائع فائق. إن هيليوم-3 ضعيف الفعالية في نظام فيرمي، ويعطي لزوجة عالية وإن تحول إلى مائع فائق. لزوجة المائع الفائق لهيليوم-3 أكبر بعدة ألوف من الحدود الكمية».

وفقًا لميكانيكا الكم، المائع المثالي لديه أقل احتكاك ولزوجة ممكنين، ويمكن وصفه بالمعادلات استنادًا إلى كتلة متوسط الجسيم الفرميوني المكون منه، وثابت أساسي في الفيزياء يُسمى ثابت بلانك.

ولما كان قياس لزوجة سائل ما ممكنًا بواسطة انتشار الصوت فيه، ابتكر فريق من الباحثين تجربة لنشر الموجات الصوتية عبر سائل من الجسيمات الفرميونية لتحديد لزوجتها.

الفرميونات فئة من الجسيمات تتضمن اللبنات الأساسية للذرات، مثل الإلكترونات والكواركات، وكذلك الجسيمات المكونة من الفرميونات، مثل النيوترونات والبروتونات، التي تتكون من 3 كواركات.

ترتبط الفرميونات بمبدأ استبعاد باولي الميكانيكي الكمّي، الذي ينص على أنه لا يوجد جسيمان في نظام -مثل الذرة- يمكنهما احتلال نفس الحالة الكمومية. هذا يعني أنهما لا يستطيعان شغل المساحة نفسها.

بَرِّد مجموعة من الفرميونات، مثل مليوني ذرة من الليثيوم -6، وصولًا إلى درجات فوق الصفر المطلق واضغطها ضمن حيز من الليزر، وستتيح لها ضبابيتها الكمومية الاندفاع في موجات بالكاد تتضمن أي احتكاك، أي المائع المثالي.

كان لا بد من تصميم التجربة لتعظيم عدد التصادمات بين الفرميونات، وضبط الليزر لترتد الفرميونات ضمن حدود الغاز. حُفِظَ هذا الغاز عند درجات حرارة تتراوح بين 50 و500 نانو كلفن (-273.15 و -459.67 درجة مئوية).

قال زويرلين: «كان علينا صُنع سائل بكثافة موحدة، وعندها فقط يمكننا النقر على جانب واحد والاستماع إلى الجانب الآخر والتعلم منه. كان من الصعب جدًا الوصول إلى ذلك، ليمكننا استخدام الصوت بهذه الطريقة التي تبدو طبيعية».

للنقر على طرف الوعاء، غيّر الفريق شدة الضوء عند أحد طرفي الحاوية الاسطوانية. وفقًا لشدة الضوء، أُرسلت اهتزازات مختلفة من الموجات الصوتية عبر الغاز، إذ سجلها الفريق عبر ألوف الصور، ما يشبه إلى حد ما تقنية الموجات فوق الصوتية.

بهذا أمكن إيجاد تموجات في كثافة السائل مماثلة للموجة الصوتية، كانوا يبحثون عن الرنين الصوتي، أي تضخيم في الموجة الصوتية ينتج عندما يتطابق تردد الموجة الصوتية مع تردد الاهتزاز الطبيعي للوسط.

قال زويرلين: «تخبرك نوعية الرنين بلزوجة السائل، أو انتشار الصوت. إذا كانت لزوجة السائل منخفضة، فيمكنه تكوين موجة صوتية قوية جدًا، ويكون الصوت مرتفعًا جدًا، إذا ضُرِب في التردد الصحيح، أما إذا كان السائل شديد اللزوجة، فلن يكون له صدى جيد».

وجد الباحثون رنينًا واضحًا جدًا في غازهم، خاصةً عند الترددات المنخفضة. وبحساب انتشار الصوت في السائل كانت القيمة مطابقة للقيمة التي يمكن اشتقاقها من كتلة الجسيم الفرميوني وثابت بلانك، ما يشير إلى أن غاز الليثيوم-6 كان يتصرف بالفعل كمائع مثالي.

إن لذلك نتائج مثيرة للاهتمام. يُعتقد أيضًا أن الأجزاء الداخلية من النجوم النيوترونية الدوارة هي موائع مثالية، رغم درجات الحرارة والكثافة العالية، ولها العديد من أنماط التذبذب، إذ تنتشر الموجات الصوتية عبر النجم.

يمكننا استخدام سوائل مثل غاز الليثيوم -6 الخاص بالفريق لفهم انتشار النجوم النيوترونية، ومن ثم فهم أفضل لداخلها، ولإشارات موجات الجاذبية الناتجة من اندماجها.

وقد يساعد العلماء على فهم الموصلية الفائقة فهمًا أفضل، إذ يمكن الإلكترونات التدفق بحرية عبر المواد.

يقول زويرلين: «يرتبط هذا العمل مباشرةً بمقاومة المواد. اكتشاف أدنى مقاومة يمكن الحصول عليها من الغاز، يخبرنا ماذا يحدث للإلكترونات في المواد، وكيف يمكننا أن نصنع مواد ليكون تدفق الإلكترونات مثاليًّا، ما يُعد أمرًا مشوقًا».

اقرأ أيضًا:

ما هي الموائع الكمية؟

نجم نيوتروني لامع يسمح للفلكيين بإلقاء نظرة على مكوناته الداخلية

ترجمة: فادي جبارة

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر