تُعد الثقوب السوداء ، إلى حد بعيد أكثر الأشياء غموضًا في الكون، إذ تنهار عندها كل معرفتنا بالفيزياء تمامًا، ورغم استحالة ظهورها فهي موجودة، ولكن ماذا لو لم تكن وحوش الجاذبية هذه ثقوبًا سوداء على الإطلاق؟ بل المكافئ الكوني لكرات الزغب. تشير أبحاث جديدة إلى أنه قد يكون هذا هو الحال، وأنه مع الملاحظات القادمة قد نتمكن بالفعل من رؤيتها.

مشكلة الثقوب السوداء:

تظهر الثقوب السوداء في نظرية النسبية العامة لآينشتاين، لكنها يجب ألا تكون موجودة.

في هذه النظرية إذا انكمشت كتلة من المادة إلى حجم صغير بدرجة كافية، يمكن أن تصبح الجاذبية قوية للغاية.

يمكن للانضغاط التجاذبي الجنوني التفوق على أي من القوى الأساسية الأربعة الأخرى للطبيعة مثل القوة النووية القوية التي تحافظ على تماسك المادة معًا، وفور الوصول إلى عتبة حرجة معينة؛ فإن كتلة المادة تستمر بالانضغاط إلى نقطة بالغة الصغر.

هذه النقطة الصغيرة للغاية تسمى «التفرد» وهي محاطة بسطح يُسمى «أفق الحدث» وهو المنطقة التي تتجاوز فيها قوة السحب الداخلية للجاذبية سرعة الضوء.

بالطبع، لا يوجد شيء اسمه نقطة متناهية الصغر، لذا تبدو الصورة خاطئة.

في منتصف القرن العشرين، بدأ علماء الفلك في العثور على أجسام تشبه الثقوب السوداء، وتتصرف مثل الثقوب السوداء، وربما تفوح منها رائحة الثقوب السوداء أيضًا، ورغم استحالة ذلك، فقد كانت تطفو في أرجاء الكون، وهذه ليست المشكلة الوحيدة.

في عام 1976، أدرك الفيزيائي ستيفن هوكينج أن الثقوب السوداء ليست سوداء تمامًا.

الثقوب السوداء قد لا تكون موجودة.. وقد تكون كرات زغب - نظرية النسبية العامة لآينشتاين - القوى الأساسية الأربعة الأخرى للطبيعة - نظرية الأوتار - كرات الزغب

بسبب غرابة ميكانيكا الكم، تتلاشى الثقوب السوداء ببطء، وأدى هذا إلى مفارقة، إذ تُحبس المعلومات التي تقع في الثقوب السوداء داخلها، لكن إشعاع هوكينغ لا ينقل هذه المعلومات خارجها.. على الأقل بقدر ما نفهم.

لذا عندما يتلاشى الثقب الأسود في النهاية، ماذا يحدث لكل هذه المعلومات؟

حل الأوتار:

على مر عقود، عمل علماء الفيزياء النظرية بجد للعثور على أي شيء يُفسر الثقوب السوداء أو مفارقة المعلومات، وأي شيء لاستبدال التفرد بالرياضيات الناجحة.

من بين هؤلاء المنظرين الذين يعملون على نظرية الأوتار، وهي نموذج للكون يستبدل كل الجسيمات والقوى التي تحبها بأوتار دون ذرية مهتزة.

في نظرية الأوتار، الأوتار تشكّل المكونات الأساسية للمادة في الكون، لكن لا يمكننا رؤيتها خيوطًا لأنها صغيرة جدًا، ولكي تعمل رياضيات نظرية الأوتار، يجب أن تكون هناك أبعاد إضافية كلها صغيرة جدًا ملتفة على نفسها في مقاييس دون ذرية حتى لا نراها أيضًا.

تعرف نظرية الأوتار بأنها نظرية لكل شيء، قادرة على تفسير كل أنواع الجسيمات، والقوة، وكل شيء في الكون، لذا يجب أن تكون نظرية الأوتار قادرة على تفسير ما هو غير قابل للتفسير: يجب أن تكون قادرة على استبدال الثقوب السوداء بشيء أقل إثارة للخوف.

وبالفعل، اقترح منظرو الأوتار بديلاً أقل رعبًا للثقوب السوداء، يطلق عليها كرات الزغب «fuzzballs».

تفكيك الغزل:

في نظرية الأوتار، الثقوب السوداء ليست سوداء ولا ثقوب.

إن أفضل استعارة لشرح ماهية كرة الزغب هي النظر إلى أجسام مضغوطة وغريبة أخرى في الكون: النجوم النيوترونية.

النجوم النيوترونية هي ما يحدث عندما لا يمتلك الجسم ما يكفي من الجاذبية للتحوّل إلى ما نسميه الثقب الأسود.

داخل النجم النيوتروني، تُضغط المادة إلى أعلى حالة كثافة ممكنة.

تعد النيوترونات إحدى المكونات الأساسية للذرات، لكنها عادةً ما تلعب جنبًا إلى جنب مع الجسيمات الأخرى مثل البروتونات والإلكترونات.

لكن في النجم النيوتروني، ينهار هذا النوع من الصداقة الذرية ويذوب، تاركًا وراءه نيوترونات محشورة معًا بإحكام قدر الإمكان.

مع كرات الزغب، تتوقف الأوتار الأساسية عن العمل معًا وتتحد ببساطة، لتصبح كرة كبيرة من الأوتار.

لم تُجسد كرات الزغب بالكامل، حتى من الناحية النظرية؛ لأنه بقدر ما تبدو نظرية الأوتار رائعة، لم يتمكن أحد من التوصل إلى حل رياضي كامل لها، ولهذا؛ فإن كرات الزغب ليست غامضة في الواقع المادي فحسب، بل أيضًا غامضة في الاحتمال الرياضي.

لكن ربما نتمكن من العثور على كرات الزغب في الاستطلاعات القادمة، كما وُضِح ذلك في مقالة مراجعة نشرت في 27 أكتوبر في مجلة arXiv.

«لقد بدأنا للتو في تجاوز إثبات وجود الثقوب السوداء ونحوها، واستقصاء تفاصيل سلوكها وأفضل طريقة لذلك هي موجات الجاذبية».

عندما تتصادم الثقوب السوداء وتندمج؛ فإنها تطلق تسونامي من موجات الجاذبية، التي تجتاح الكون؛ لتصل في النهاية إلى أجهزة الكشف لدينا على الأرض.

تعد العشرات من عمليات اندماج الثقوب السوداء التي شهدناها حتى الآن ناجمة عن موجة الجاذبية، وهو بالضبط ما توقعته النسبية العامة.

لكن الأدوات المستقبلية، مثل مرصد مقياس التداخل بالليزر المتقدم لموجات الجاذبية ليغو (LIGO)، والمقياس الهوائي الفضائي للتداخل الليزري (كاشف موجات الجاذبية الفضائي المقترح)، قد يكون لديها حساسية لتمييز الفرق بين الثقوب السوداء العادية وكرات الزغب الخيطية، أقول: «ربّما»؛ لأن نماذج كرة الزغب المختلفة تتنبأ باختلافات تختل عن سلوك الثقب الأسود القياسي.

إذا تمكنا من العثور على دليل لكرات الزغب، فلن يجيب ذلك فقط على سؤال ماهية الثقوب السوداء، بل سيكشف عن بعض أعمق أسس الطبيعة.

اقرأ أيضًا:

ربما تمكنا أخيرًا من رصد إشعاع هوكينغ المتسرب من الثقوب السوداء

في فجر التاريخ، ربما انتشرت الثقوب السوداء فائقة الكتلة في أنحاء الكون

ترجمة: أناغيم أبو خضور

تدقيق: تسبيح علي

المصدر