رحلة النطفة إلى البويضة في عملية التكاثر بالنسبة للجنس البشري، واحدة من أشد السباقات ضراوةً في التاريخ البشري، ويعتبر وصول الحيوانات المنوية إلى الطبقة المخاطية لعنق الرحم بمثابة انطلاق صافرة بدء السباق إلى البويضة غير الملقحة التي تمحو فرص جميع المتسابقين في النجاة إلا واحدًا. وعلى هذا النحو، فإن المعلومات الوراثية التي يحملها الذكر، تتنافس فيما بينها في خضم السباق الأكبر للمواد الوراثية لذكور آخرين ليصل بعضها إلى المادة الوراثية لأفراد الأجيال التالية.

ما زالت الأبحاث والتجارب القائمة تبهرنا بتفاصيل هذا السباق الضاري؛ فمثلاً اكتُشِف أن حركة الحيوانات المنويّة داخل جسم الأنثى أشبه بحركة القنافذ في الماء أكثر مما تشبه حركة ثعبان الماء، وكشفت بعض الأبحاث الجديدة التي نشرت في مجلة “ساينس” عن آلية غير مسبوقة لسلوك بعض الحيوانات المنوية بما يحقق منفعتها العضوية بدلاً من ذلك الرامي إلى سلامة الكائن ككل.

الحيوانات المنوية -تعرف أيضًا باسم الجاميطات- هي خلايا جنسية تحمل نصف المادة الوراثية اللازمة لخلق جنين أحد الأجناس. كان يعتقد أن خلايا الحيوانات المنوية تنقل المواد الجينية بالتساوي عبر جسور سيتوبلازمية، تعمل هذه الجسور على توحيد شروط البيئة التي توجد فيها عينة النُطف. ولكن وجد بحث جديد أن مجموعةً هائلةً من المادة الوراثية للثدييات لا تستخدم هذه الجسور السيتوبلازمية. وتكمن أهمية هذا الاكتشاف في تعارضه مع الافتراضات السابقة بأن جميع الحيوانات المنوية يجب أن تكون متكافئة وظيفيًا وتتساوى فرصها في الوصول إلى البويضة.

تتنافس الحيوانات المنوية بأنانية أشد مما عرفناها سابقًا - المنافسة في وصول الحيوانات المنوية إلى الطبقة المخاطية لعنق الرحم - المادة الوراثية

للوصول إلى هذا الاستنتاج، قارن الفريق نسبة الآليلات المحددة (جميع أنماط الجين الواحد، كتلك المسؤولة عن لون العينين: البني، أو الأزرق، أو الأخضر) في ما يزيد عن 12000 جين. ومن العينات التي اختبروها بات من الواضح أن بعض الحيوانات المنوية لم تكن تتشارك أنماطها الجينية فيما بينها، ووسموا العلامات الجغرافية تلك (GIMS).

صرح الباحث المشارك في الدراسة روبن فريدمان في مقابلة مع “إنفرس”: «الحيوانات المنوية التي تختلف وظيفيًا بسبب مواقع الـ GIM؛ يمكن أن تؤدي إلى ظهور ما يسمى بـ (الجين الأناني)»، وأكمل قوله: «تنتشر الآليلات وبكثافة كونها محفزة للحيوانات المنوية في سباقها، لا لأنها تساعد الحيوان المنوي نفسه على النجاة».

يبدو هذا الكلام لغوًا جينيًا مترفًا، وقد يكون من الأسهل الإشارة إلى أهمية الدراسة عبر ذكر العالم الأبرز في الوراثة: جريجور مندل. مندل عالم ذاع صيته بتجاربه على نباتات البازلاء؛ فقد عمل هذا الراهب النمساوي بلا كلل في حديقته، ولاحظ كيف أن تهجين النباتات يؤثر على ارتفاع النبتة، شكل القرن، ولون الثمار. ولكن قانون العزل الوراثي الذي أفضت إليه دراسات مندل رفد مداركنا ونقضها حتى فيما يخص التوزيع العشوائي للمادة الوراثية بشكلٍ عادلٍ في ذرية الأبوين.

تبرهن هذه المعلومة الجديدة على أن وراثة الآليلات ليست عشوائية دائمًا، وأن هذه الأنواع من خلايا الحيوانات المنوية أكثر شيوعًا مما كان يُعتقد سابقًا، إلا أنها ما تزال تمثل الأقلية الساحقة. ويفترض الباحثون أن تأثير GIM قد يكون صغيرًا، إلا أن وجودها جوهري في رحلة تكاثر الثدييات والإرث الجيني.

اقرأ أيضًا:

صححوا ما تعلمتموه عن حركة الحيوانات المنوية واقرؤوا هذه المقالة

في هذا الوقت تكون الحيوانات المنوية بأفضل حالاتها

ترجمة: بشرى عيسى

تدقيق: حنين سلَّام

المصدر