تعد الحيوانات المنوية مهمة في عملية تخصيب كل الكائنات الحية على كوكبنا تقريبًا ومنهم البشر، ولنجاح عملية التكاثر يجب أن تسبح الحيوانات المنوية وهي تهز ذيلها وتحرك السائل إلى الأمام مسافة تعادل تسلق جبل إيفرست؛ لتعثر بذلك على البويضة، ومع أن خمسين مليون حيوان منوي لن يصل إلى البويضة، فإن نطفة واحدة تعد كافية لتخصيب بويضة تتطور إلى إنسان.

اكتُشفت الحيوانات المنوية لأول مرة عام 1677، ولكن العلماء لم يتفقوا على نظرية محددة لآلية تكوّن البشر لأكثر من مئتي عام من بعد اكتشافها، ومن بين هذه النظريات نظرية (التكوين المسبق) التي تنص على أن الحيوانات المنوية تحتوي في داخلها على إنسان صغير وأن البويضة ما هي إلا مكان لنمو الحيوانات المنوية، ومن ناحية أخرى أشار علماء التخلق المتوالي أو المتعاقب إلى مساهمة كلا الجنسين في تكوين الجنين، وقد أظهرت اكتشافات القرن الثامن عشر أدلةً تدعم هذه النظرية.

يعتقد العلماء حاليًا أنهم يفهمون الدور الذي تلعبه الحيوانات المنوية في عملية التكاثر؛ إلا أن بحثنا الأخير يشير إلى أن الحيوانات المنوية كانت تخدع العلماء طوال الوقت.

ما كنا نعلمه عن حركة الحيوانات المنوية خاطئ؛ إليك ما هو صحيح - الدور الذي تلعبه الحيوانات المنوية في عملية التكاثر - تخصيب البويضة

بدايةً نقول إن المجهر قد اخترعه لأول المرة العالم أنتوني فان ليفينهوك، الذي طحن وصقل كتلة من الزجاج المصهور لإنشاء عدسة قوية تُكبِّر الجسم لمئتين وسبعين مرة، ولم يخترع العلماء عدسة أفضل من بعدها لأكثر من مئتي عام.

وبسبب هذه العدسة كان فان ليفينهوك أول مستكشف للكائنات المجهرية من ضمنها البكتيريا والحيوانات المنوية، ووصف فان ليفينهوك الحيوانات المنوية على أنها حويصلة حيوانية حية لها ذيل تحركه عند السباحة مثل ثعبان البحر في الماء، ولكن ما يعد مثيرًا للجدل هو أن آلية سباحة الحيوانات المنوية لم تتغير من ذلك الحين، وحتى الآن من يستخدم مجهرًا حديثًا سيقول إنها تسبح للأمام عن طريق هز ذيلها يمينًا ويسارًا. ولكن يبدو أننا كنا مخطئين بشأن كيفية سباحة الحيوانات المنوية على مدار ثلاثمئة وخمسين عامًا مضت، وهذا وفقًا لبحثنا الأخير.

أعاد فريق الباحثين من المملكة المتحدة والمكسيك تصورَ الحركة السريعة لذيل الحيوانات المنوية بشكل ثلاثي الأبعاد رياضيًا؛ وهذا باستخدام أحدث تقنيات الفحص المجهري ثلاثي الأبعاد. ولطالما صعبت دراسة هذه الحركة ليس لدقة حجم الحيوانات المنوية فقط ولكن لسرعتها أيضًا؛ إذا إن حركة ذيل الحيوان المنوي التي تشبه حركة السوط قد تضرب أكثر من 20 ضربة وهي تسبح في أقل من ثانية واحدة.

لذلك كان العلماء بحاجة إلى كاميرا فائقة السرعة تسجل أكثر من 55 ألف صورة في ثانية واحدة، وتثبت بطريقة تجعلها تتذبذب بسرعة لمواكبة حركة العينة لأعلى ولأسفل؛ من أجل تصويرٍ ثلاثيّ الأبعاد لحركة ذيول الحيوانات المنوية في أثناء السباحة بِحريّة. ولكن ما وجدناه كان مًفاجئًا؛ فذيل الحيوانات المنوية غير ثابت ويتذبذب من جانب واحد فقط!

وهذا يعني أن حركة ذيول الحيوانات المنوية من جانب واحد ستجعل حركتها دائرية، لكن الحيوانات المنوية وجدت طريقة ذكية للتكيف، ولتسبح للأمام فهي تتدحرج في أثناء السباحة مثل الطريقة التي تلتف بها نازعة السدادات الفلينية لولبيًا. وبهذه الطريقة، فإن حركة الحيوانات المنوية غير المنتظمة من جانب واحد تعني تدحرج الحيوانات المنوية؛ ما يسمح لها بالتحرك إلى الأمام.

ولعل السبب وراء توهم العلماء سابقًا أن ذيول الحيوانات المنوية تتحرك من جانب إلى جانب هو دوران الحيوانات المنوية بسرعة عالية مع تزامن هذه الحركة؛ ما أدى إلى توهم رؤية ذيولها كأنها تتحرك من جانب إلى جانب، وهذا عند رؤيتها من أعلى باستخدام مجهر ثنائي الأبعاد.

يظهر هذا الاكتشاف أن الحيوانات المنوية قد طورت طريقةً لسباحتها لتعوض حركة ذيلها التي تكون على جانب واحد، وهذا يعد حلًا رياضيًا بارعًا من باب خلق التناظر بعد عدمه.

يدور جسم الحيوانات المنوية في الوقت نفسه الذي يدور فيه الذيل للسباحة، وتدور الحيوانات المنوية مثل دوران المثقب الكهربائي حول نفسه بينما يدور محورها حول المركز، ويُعرف هذا في الفيزياء باسم المبادرة؛ وشأنها شأن مبادرة الاعتدالين في كوكب الأرض.

إن أجهزة تحليل السائل المنوي بالكومبيوتر CASA التي تُستخدم في العيادات أو لأغراض بحثية ما تزال تستخدم التصوير ثنائي الأبعاد لحركة الحيوانات المنوية والتي تقيس التناظر في حركة ذيل الحيوانات المنوية لتقييم جودتها، وذلك لكون التناظر أو عدمه قد يؤثر بصورة ما على الخصوبة.

تعتمد التطورات العلمية لفهم حركة الحيوانات المنوية اعتمادًا كبيرًا على تطور آليات البحث المجهري بالإضافة لما اكتشف حاليًا وهو النمذجة الرياضية وتحليل البيانات.

إن طريقة الفحص المجهري ثلاثية الأبعاد المتبعة اليوم جنبًا إلى جنب مع الرياضيات بالتأكيد ستغير من طريقة تحليل السائل المنوي في المستقبل، وقد تتوفر طريقة جديدة لكشف أسرار التكاثر البشري ولعلاج حالات العقم التي تتسبب العوامل الذكورية في أكثر من نصفها، لذلك فإن فهم آلية حركة ذيل الحيوانات المنوية يعد ضروريًا لتحديد النطف غير الصالحة وتشخصيها ولعلاج مشاكل الخصوبة.

اقرأ أيضًا:

هذا الجزيء يساعد الحيوانات المنوية في العثور على البويضة

التوتر بسبب كورونا وسواه له أثر دائم على الحيوانات المنوية والنسل في المستقبل

ترجمة: رند عصام

تدقيق: محمد الصفتي

المصدر