للمرة الأولى تمكن العلماء من دراسة العنصر الغامض «الآينشتاينيوم»، أحد أغرب العناصر كبيرة الذرات، الحساسة والنادرة جدًا، وصعبة الدراسة.

تخلى أحد العمالقة عن بعض أسراره، إذ تمكن العلماء أخيرًا من جمع قدر كاف من الآينشتاينيوم، لمعرفة تفاصيل مهمة حول تركيبه الكيميائي وقدرته على تشكيل الروابط.

خلال سبعين عامًا الماضية، كانت دراسة نظائر الآينشتاينيوم صعبة بدرجة محبطة، وذلك لصعوبة تكوينها، ولأن عمر النصف لهذه النظائر أقل من عام، وتتعرض الدراسة لصعوبات رغم الحصول على بعض النتائج المفيدة في البداية.

يُفترض أن يسلك العنصر سلوك نظائره الأقل قوة في سلسلة الأكتينيدات، لكن بسبب حجمه الضخم، فإن التأثيرات النسبية الغريبة تجعل توقع طريقة تفاعله ضمن تفاعلات كيميائية معينة مستحيلًا، يمكن حل هذا التساؤل عادةً بإجراء التجارب.

خصص مختبر لورنس بيركلي التابع لوزارة الطاقة الأمريكية حديثًا الكثير من الجهود والموارد لهذه المهمة.

يُعرف هذا المختبر عمومًا بمختبر بيركلي، وله فضل اكتشاف عدد كبير من عناصر أعلى الجدول الدوري.

كان 12 عنصرًا منها نتاج عمل عالم الفيزياء النووية ألبرت غورسو، الذي عمل في المختبر طوال حياته العملية، وطور في بداية عمله أجهزة للكشف عن الإشعاع ضمن مشروع مانهاتن.

في بداية خمسينيات القرن الماضي، رصد غورسو آثارًا باهتة لعنصرين نشطين لم يكونا معروفين حينها، في غبار جمعته الطائرات ضمن أول فحص نووي حراري شامل.

الآينشتاينيوم: أول دراسة تكشف تفاصيل هذا العنصر الغامض - دراسة حول الآينشتاينيوم: أحد أغرب العناصر كبيرة الذرات - معدن الأينشتاينيوم

لاحقًا سُمي أحد هذين العنصرين باسم «أينشتاينيوم»، تيمنًا بعالم الفيزياء النظرية الألماني المعروف «أينشتاين».

يُعد الآينشتاينيوم عنصرًا ثقيلًا، فكتلته الذرية تبلغ 252، وتحتوي ذرته على 99 بروتونًا. ومثل جميع العناصر الأثقل من اليورانيوم، فإن إنتاج الآينشتاينيوم يتطلب فيزياء معقدة.

لا يوجد مصدر معين لنبحث فيه عن الآينشتاينيوم، إذ يتطلب إنتاج دفعة واحدة منه قذف نظائر أصغر مثل الكوريوم بالنيوترونات في مفاعل نووي، والكثير من الوقت.

أنتجت الجهود في بداية الستينيات كمية كافية لتُرى بالعين المجردة، بلغ وزنها 10 نانوجرام، وكانت المحاولات اللاحقة أفضل إلى حد ما، ومع ذلك نتج عنها دفعات غير نقية.

حصل الباحثون اليوم على نحو 200 نانوجرام من نظير الآينشتاينيوم E-254، مرتبطًا ضمن مركب مع جزيء كربوني يُسمى هيدروكسبيردينون.

بلوغ هذه المرحلة لم يكن سهلًا، إذ حصل تلوث بسبب العناصر الأصغر، ثم الإغلاق بسبب الجائحة، وكان ذلك كفيلًا بتهديد التجربة القائمة على مادة سريعة التحلل.

قالت الباحثة ريبيكا أبرجيل: «إنه إنجاز كبير، إذ تمكنا من العمل مع هذه الكمية الصغيرة من المواد بتطبيق الكيمياء غير العضوية».

وأضافت: «تكمن الأهمية الكبيرة لهذا الإنجاز أيضًا في زيادة فهمنا لسلوك هذا العنصر الكيميائي، ما سيزيد قدرتنا على تطبيق هذا الفهم لتطوير مواد وتقنيات جديدة، ليس بالضرورة باستخدام الآينشتاينيوم فحسب، بل باستخدام سائر الأكتينيدات أيضًا، ويمكننا تحديد أنماط في الجدول الدوري».

عند تعريض الكومة المتلاشية المحتوية على ذرات E-254 المرتبطة لاختبارات امتصاص الأشعة السينية والقياسات الضوئية، أظهر العنصر سلوك انبعاثات ذات طول موجى متغير لم يُلاحظ في الأكتينيدات الأُخرى.

يقع الأينشتاينيوم عند حافة العناصر التي تمكن دراستها باستخدام الكيمياء التقليدية، ومع وجود عدد كبير من العناصر، فإن انتشارها واسع النطاق يجعل خلق ما يكفي منها للدراسة صعبًا باستخدام التكنولوجيا الحالية، ولكن كلما عرفنا المزيد عن الذرات الثقيلة مثل الأينشتاينيوم، زادت إمكانية تحديد نقطة البداية لإيجاد عناصر غير معروفة.

ختمت أبرجيل: «مثل العناصر التي اكتُشفت في عشر سنوات الأخيرة، مثل التينيسين الذي اكتُشف بواسطة البيركيليوم، تمكنّا من عزل ما يكفي من الآينشتاينيوم ، لاستخدامه لاكتشاف عناصر أُخرى، قد نصبح أقرب إلى الاستقرار النظري».

اقرأ أيضًا:

ما هي الكيمياء؟ تعرف عليها باسلوب جميل

ما هي هندسة الكيمياء الحيوية ؟

ترجمة: وسام برهوم

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر