قد يكون دعم عملات رقمية أساسية مثل البيتكوين كابوسًا حقيقيًا. أعلنت شركة ماستر كارد في بداية فبراير 2021 عن خطتها لدعم العملات الرقمية المشفرة مباشرةً ضمن شبكتها، وإن تم ذلك بالفعل فسيكون صداه كبيرًا لمساعدته على تشريع العملات الرقمية وتوسيع سوق استخدامها كثيرًا.

لكن ماستر كارد تقول إنها ستدعم فقط العملات الرقمية المشفرة التي تلبي عددًا من المعايير، كالاستقرار والخصوصية والامتثال لقوانين غسيل الأموال، لكن قليلًا من العملات الرقمية تحقق هذه الشروط، وهذا يشكل تحديًا لأن تحقيق أحدها لكامل المعايير ليس واضحًا.

من الصعب أن تكون لا مركزيًا ومنظمًا في آن واحد

صُممت البيتكوين -أولى العملات الرقمية المشفرة- للإخلال بسطوة المؤسسات الحكومية والمالية التقليدية، إذ تمتاز بنية شبكة البيتكوين بكونها لا مركزية ما يجعلها بعيدة عن متناول أي حكومة، ودون الدعم الحكومي لها يغدو سعرها شديد التقلب، وليس بإمكان المستخدمين ادعاء تعرضهم للاحتيال أو القرصنة في حال فقدهم لأموالهم، إذ تمتثل الشبكات المالية التقليدية لقوانين مكافحة غسيل الأموال، ومع أن بعض وسطاء بيتكوين يتبعون هذه القوانين فإن الشبكة لا تخضع لها.

يعتقد محبو البيتكوين أن هذه نقاطًا تصب في صالحها، فبنيتها المفتوحة وبعدها عن القيود البيروقراطية تجعلها منصة خصبة للابتكار واختبارًا لقوة الحكومات، لكن هذه الخصائص ذاتها تجعلها كابوسًا للمؤسسات المالية التي تحتاج لتوفير الحماية للمستهلك وتطبيق قوانين غسيل الأموال.

أعاق هذا الضغط مشروع فيسبوك الطموح ليبرا، الذي أعيد تسميته لاحقًا ليُعرف بديم، ففي البدايات حاول قادة المشروع تطبيق الطريقتين معًا، فمن ناحية قالوا بأن شبكة ليبرا ستكون مفتوحة ولا مركزية مثل شبكة البيتكوين -مع أنهم اعترفوا أن الوصول للا مركزية المطلقة سيستغرق وقتًا إضافيًا- ومن ناحية أخرى أعلنوا بأن شبكة ليبرا ستخضع بالكامل للقوانين التي تحكم الشبكات المالية التقليدية.

لكنهم لم يتمكنوا أبدًا من شرح كيفية تحقيق ذلك، فمثلًا، إن كانت ليبرا شبكة مفتوحة بوسع أي شخص الاشتراك بها، فمن سيفرض قواعد «اعرف عميلك» التي تطلب من العملاء تعريف أنفسهم قبل استخدام الشبكة؟ من سيوقف العمليات المشتبه بانتمائها لإرهابيين أو تجار مخدرات إن لم يكن أحد مسؤولًا عن هذه الشبكة؟

شركة ماستر كارد تعلن عن دعمها المستقبلي للعملات الرقمية.. لكن ليس ذاتها التي تفكر بها - دعم العملات الرقمية مثل البيتكوين من قبل ماستر كاردشركة ماستر كارد تعلن عن دعمها المستقبلي للعملات الرقمية.. لكن ليس ذاتها التي تفكر بها - دعم العملات الرقمية مثل البيتكوين من قبل ماستر كارد

كافحت ليبرا لإجابة هذه الأسئلة، وليس واضحًا إن كان لها إجابات أم لا، فإنشاء شبكة بلوك تشين (سلسلة كتل – blockchain) لا مركزية متوافقة مع هذه القواعد قد يكون مستحيلًا.

معضلة ماستر كارد

انسحبت ماستركارد عام 2019 من مؤسسة ليبرا التي كانت في نفس الوقت تكافح لإجابة أسئلة مشابهة من الجهات المنظمة، وأعلنت بعد فترة وجيزة قائمة مبادئها الخاصة للشراكات مع بلوك تشين، وصرحت بأنها مهتمة بالتعامل مع العملات الرقمية التي «تعمل وفق امتثال كامل لجميع القوانين والتشريعات المطبقة ومن ضمنها ما يشمل مكافحة غسيل الأموال»، وقالت مع قليل من الاستهانة بالبيروقراطية: «إن العديد من العملات الرقمية الحالية التي يبلغ عددها 2600 تفشل في تحقيق ذلك».

أصدرت بالفعل بعض الشركات بطاقات تسمح للزبائن بإجراء عمليات دفع عبر شبكة ماستر كارد باستخدام ما يملكونه من عملة البيتكوين، إذ تُحول هذه المدفوعات من البيتكوين إلى دولارات -أو إلى أي عملة تقليدية أخرى- حاليًا قبل نقلها عبر شبكة ماستر كارد، فإن كان المستلم يود استقبال ما أرسل له بالبيتكوين فعليه دفع رسوم إضافية لتحويل الدولارات إلى بيتكوين مجددًا.

حاليًا، تقول ماستر كارد أنها تخطط للبدء بدعم بعض العملات الرقمية مباشرةً، وبحلول نهاية العام سيتمكن عملاؤها من القيام بذلك بأن يحصل المستلم على نفس المجموع الرقمي الذي أُرسل له، أي دون الحاجة إلى تحويله إلى دولارات ثم عكس العملية.

يحتاج الناس إلى وسيلة للإنفاق

ومع ذلك من غير المحتمل أن تكون عملة البيتكوين مناسبة لأنها تخفق في تحقيق العديد من معايير ماستر كارد.

فمثلًا قد لا يحقق دفتر حسابات البيتكوين العام شروط ماستر كارد المتعلقة بخصوصية العميل، إذ تقول ماستر كارد: «يجب أن تتبع هذه الأصول الرقمية القوانين والتشريعات المحلية في المناطق التي تستخدم ضمنها» وهو أمر لا تحققه بيتكوين في الكثير من أنحاء العالم، والعملات الرقمية المؤهلة ستحتاج لتوفير الاستقرار الذي يطلبه الناس في وسيلة الإنفاق لا الاستثمار، والبيتكوين شديدة التقلب ومن النادر استخدامها في الصفقات والمعاملات اليومية.

وينطبق التحليل ذاته على الكثير من العملات الرقمية الرائدة الأخرى، مثل إيثريوم واللايتكوين والدوجكوين، إذ تتقلب قيمها كثيرًا ويصعب فرض قواعد غسيل الأموال بسبب لا مركزيتهم الشديدة.

تعد عملة تيثر الرائدة أكثر عملة مستقرة مبنية على الدولار رواجًا، إذ أظهرت سجلًا حافلًا بالقيم المستقرة، لكنها ليست أفضل بالشروط الأخرى، فلطالما أثار الخبراء مثلًا أسئلة عديدة حول قدرة الشركة المسؤولة عن تيثر بإيفاء ذممها المالية.

قد تحقق USDC المطلوب، لكن هل يوجد من يهتم؟

بماذا تفكر ماستر كارد إذن؟ صُمم القليل من العملات الرقمية لهذا الغرض، وقد تكون USDC أكثرها شهرة، فهي تلي عملة تيثر في التصنيف، وتقف خلفها شركة سيركل الأمريكية التي أعلنت التزامها باللوائح التنظيمية.

لن تُفتح شبكة USDC بالكامل مثل شبكات العملات الرقمية التقليدية، وبدلًا من ذلك ستسمح شركة سيركل لعدد محدود من المؤسسات المالية بإصدار عملة USDC، لتمنحها هذه المؤسسات بدورها للعملاء بعد التحقق من هوياتهم، ما يسمح للشبكة بفرض قوانين مكافحة غسيل الأموال.

يتوقع بعض المطلعين على المجال أن تكون USDC أول عملة رقمية تدعمها شبكة ماستر كارد بينما لا تتناسب العديد من العملات الأخرى مع معاييرها، ويبقى السؤال الأهم كم من الأشخاص يرغبون حقًا في إجراء مدفوعاتهم اعتمادًا على USDC عبر شبكة ماستر كارد؟ فإن أردت إرسال دولار إلى عبر شبكة ماستر كارد فبوسعك إرسال دولار ببساطة، أما إذا أردت إرسال عملة USDC فبوسعك إرسالها مباشرةً على شبكة بلوك تشين.

ومع ذلك، الانتشار الواسع لشبكة ماستر كارد في كل مكان يجعلها خيارًا جذابًا لبعض الأشخاص الذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى عمليات تبادل العملات الرقمية المتخصصة، وما بوسعنا إلا انتظار ما ستفعله ماستر كارد وكيف سيستجيب السوق لها.

اقرأ أيضًا:

ما هي العملات المشفرة ؟

لماذا تستمر البيتكوين في الصعود؟

ترجمة: فاطمه طاهر أحمد

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر