ما القصة وراء انهيار اليونان؟

في عام 2015، تخلفت اليونان عن سداد ديونها، وقد كان تأخرها عن دفع مبلغ 1.6 مليار يورو لصندوق النقد الدولي هو المرة الأولى في تاريخ دولة متقدمة تتخلف عن دفع مثل هذه المبالغ. انضمت اليونان إلى منطقة اليورو في عام 2001 وهو ما يراه البعض واحدًا من أسباب انهيارها، فقبل اعتماد العملة الموحدة، عانى الاقتصاد اليوناني مشكلات هيكليةً وتُرك الاقتصاد ينهار، وإن كان ذلك دون أسباب.

اليونان قبل اليورو

قبل الانضمام إلى منطقة اليورو في عام 2001، كان الاقتصاد اليوناني يعاني العديد من المشكلات. ففي ثمانينيات القرن العشرين، اتبعت الحكومة اليونانية سياسات مالية ونقدية توسعية. ولكن بدلًا من تعزيز الاقتصاد، عانت البلاد ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع العجز المالي والتجاري، وانخفاض معدلات النمو، وأزمات أسعار الصرف.

في هذه البيئة الاقتصادية الكئيبة، بدا الأمر وكأن الانضمام إلى الاتحاد النقدي الأوروبي يشكل بارقة أمل. وكان الاعتقاد السائد هو أن الاتحاد النقدي بدعم من البنك المركزي الأوروبي (ECB) من شأنه أن يخفف من التضخم، ويخفض معدلات الفائدة الاسمية، ويشجع الاستثمار الخاص، ويحفز النمو الاقتصادي. إضافةً إلى ذلك، فإن العملة الموحدة من شأنها أن تلغي العديد من تكاليف المعاملات، تاركةً المزيد من الأموال لتغطية العجز وخفض الديون.

ومع ذلك، كان القبول في منطقة اليورو مشروطًا. فمن بين جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (EU) كانت اليونان تحتاج إلى إجراء أكبر قدر من التعديلات الهيكلية للامتثال إلى المبادئ التوجيهية لمعاهدة ماستريخت لعام 1992، إذ تحد المعاهدة من العجز الحكومي إلى 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي والدين العام إلى 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي. في أثناء الفترة المتبقية من التسعينيات، حاولت اليونان توجيه مؤسساتها المالية الخاصة لتلبية هذه المعايير والوفاء بها.

أزمة الديون اليونانية: كيف انهار اقتصاد اليونان - ما القصة وراء انهيار اقتصاد اليونان - كيف حصل الانهيار الاقتصادي في اليونان - كيف انهارت اليونان اقتصاديًا

ورغم الموافقة على انضمام اليونان إلى الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي في عام 2001، فقد حدث ذلك في ظل ادعاءات زائفة، لأن عجزها ودينها لم يكونا قريبين من حدود ماستريخت.

في عام 2004، اعترفت الحكومة اليونانية علنًا بأن أرقام ميزانيتها قد تلاعبت بها لتلبية متطلبات الدخول للعملة الموحدة لمنطقة اليورو. وكانت اليونان تأمل ومع دخولها السابق لأوانه أن تعمل عضوية الاتحاد النقدي الأوروبي على تعزيز الاقتصاد، والسماح للبلاد بالتعامل مع مشكلاتها المالية.

عضوية منطقة اليورو

كان قبول اليونان في منطقة اليورو ذا أهمية رمزية، لأن العديد من البنوك والمستثمرين كانوا يعتقدون أن العملة الموحدة نجحت في التغلب على الاختلافات والفروقات بين الدول الأوروبية. فجأةً، أصبح يُنظر إلى اليونان على أنها مكان آمن للاستثمار، الأمر الذي أدى إلى خفض أسعار الفائدة التي كانت الحكومة اليونانية ملزمةً بدفعها. في غالب شهور عام 2000، كانت أسعار الفائدة التي واجهتها اليونان مماثلةً لتلك التي واجهتها ألمانيا.

سمحت معدلات الفائدة المنخفضة هذه لليونان بالاقتراض بأسعار أقل كثيرًا مما كانت عليه قبل عام 2001، الأمر الذي أدى إلى زيادة الإنفاق. ومع تحفيز النمو الاقتصادي لعدد من السنوات، فإنه لم يعالج بعد مشكلاته المالية عميقة الجذور التي -خلافًا لما قد يعتقده البعض- لم تكن في الأساس نتيجة الإنفاق المفرط.

إن المشكلات المالية في اليونان تنبع أساسًا من عدم كفاية الإيرادات. ففي عام 1980، بلغت نسبة الإنفاق الاجتماعي من الناتج المحلي الإجمالي 10.3٪‎، و 19.3٪ في عام 2000، و 23.5٪ في عام 2011، في حين كان الإنفاق الاجتماعي في ألمانيا خلال نفس الفترات 22.1٪، و26.6٪ و26.2٪ على التوالي. في عام 2011، كانت اليونان أقل من متوسط الاتحاد الأوروبي الذي بلغ 24.9% في الإنفاق الاجتماعي.

يعزى أيضًا جزء كبير من العجز إلى التهرب الضريبي المنهجي. عُمومًا، كان العاملون لحسابهم الخاص والأثرياء يميلون إلى الإبلاغ عن دخلهم بصورة أقل والإفراط في تقدير الديون. ويكشف انتشار هذا السلوك أنه بدلًا من كونه مشكلةً وراء الكواليس، كان قاعدةً اجتماعيةً لم تُصحح أو تُعالج في الوقت المناسب.

الاقتصاد اليوناني مقابل الدول الأوروبية الأخرى

إن اعتماد اليورو لا يسلط الضوء إلا على فجوة القدرة التنافسية لأنه يجعل السلع والخدمات الألمانية أرخص من السلع والخدمات التي تقدمها اليونان. فبعد التخلي عن سياستها النقدية المستقلة، لم تعد اليونان قادرةً على خفض قيمة عملتها مقابل العملة الألمانية.

أدى ذلك إلى تفاقم الميزان التجاري لليونان وزيادة العجز في حسابها الجاري. وفي حين استفاد الاقتصاد الألماني من زيادة الصادرات إلى اليونان، فقد استفادت البنوك، مُتضمنة البنوك الألمانية، من الاقتراض اليوناني لتمويل الواردات الرخيصة من السلع والخدمات الألمانية. وما دامت تكاليف الاقتراض رخيصة نسبيًا والاقتصاد اليوناني مستمر في التوسع والنمو، فقد استمر تجاهل مثل هذه القضايا.

ساعدت عضوية منطقة اليورو الحكومة اليونانية على الاقتراض بتكاليف رخيصة وتمويل عملياتها في ظل غياب الإيرادات الضريبية الكافية. ومع ذلك، فقد كان استخدام العملة الموحدة يسلط الضوء على الاختلافات الهيكلية بين اليونان والدول الأعضاء الأخرى، وخاصةً ألمانيا. وزاد من المشكلات المالية التي تواجهها الحكومة، أن مُعدل إنتاج اليونان كان أقل بكثير من معدل إنتاج ألمانيا، الأمر الذي جعل سلعها وخدماتها أقل قدرةً على المنافسة.

الأزمة المالية العالمية

كشفت الأزمة المالية العالمية التي بدأت في عام 2007 عن الطبيعة الحقيقية للصراع المالي في اليونان. وكان الركود سببًا في إضعاف العائدات الضريبية المُتدنية بالفعل في اليونان، ما أدى إلى تفاقم العجز. وفي عام 2010، قامت وكالات التصنيف المالي التابعة للولايات المُتحدة بختم السندات اليونانية بدرجة “خُردة”. وواجهت اليونان أزمة سيولة مع بدء نضوب رأس المال.

كانت عمليات الإنقاذ التي نفذها صندوق النقد الدولي وغيره من الدائنين الأوروبيين مشروطةً بإصلاحات الميزانية اليونانية، وتحديدًا خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات الضريبية.

في آب/أغسطس 2012، خلقت سياسات وإجراءات التقشف هذه حلقةً مُفرغةً من الركود، إذ بلغت البطالة 25.4٪، وضعفت العائدات الضريبية، الأمر الذي جعل موقف اليونان المالي أسوأ. فقد تسببت تدابير التقشف في إحداث أزمة إنسانية، وتزايد التشرد، وارتفعت معدلات الانتحار إلى مستويات قياسية، وتدهورت الصحة العامة إلى حد كبير. وقد أثبتت السياسات والإجراءات التي طُبقت وسط أسوأ أزمة مالية منذ أزمة الكساد الكبير أنها واحدة من أكبر العوامل التي يعزى إليها انهيار الاقتصاد اليوناني.

اعتبارات خاصة ـ إنقاذ اليونان

وبعيدًا عن مساعدة الاقتصاد اليوناني على الوقوف على قدميه من جديد، فإن عمليات الإنقاذ لم تعمل إلا على ضمان دفع رواتب دائني اليونان، واضطرت الحكومة إلى جمع الضرائب الضئيلة معًا. تواجه اليونان مشكلات هيكلية في شكل ممارسات فاسدة للتهرب الضريبي، ولكن الدول الأعضاء في منطقة اليورو تمكنت من الابتعاد عن هذه المشكلات لبعض الوقت، ولكنها خلقت في نهاية المطاف أزمة ديون لا يمكن التغلب عليها أثبتتها القيود الاقتصادية والتخلف الهائل عن سداد ديون البلاد.

اقرأ أيضًا:

خمس شركات طيران شهيرة لم تعد مَوجودة

كيف خسرت نوكيا معركة الهواتف الذكية؟

ترجمة: منى جسام

تدقيق: حسام التهامي

المصدر