نجح فيزيائيون لأول مرة بتصوير حالة غامضة للمادة، إذ سجل فريق البحث تذبذب بلورة زمانية مصنوعة من ماغنونات عند درجة حرارة الغرفة بواسطة مجهر سيني نافذ ماسح، وقالوا إن هذا تقدم مهم في دراسة البلورات الزمانية. قال الفيزيائي بول غروزسكي من جامعة آدم ميسكيفيتش في بولندا: «أثبتنا أن هذه البلورات الزمكانية أمتن وأوسع انتشارًا مما كان كنا نظن. تتكثف بلورتنا عند درجة حرارة الغرفة، وبوسع الجسيمات أن تتفاعل معها، بعكس النظام المعزول. إضافةً إلى ذلك، بلغت حجمًا يسمح باستخدام هذه البلورة الزمكانية الماغنونية، ما قد يؤدي إلى العديد من التطبيقات المحتملة».

تأكد وجود البلورات الزمانية -التي يُشار إليها أحيانًا بالبلورات الزمكانية- فعليًا منذ بضع سنوات فقط، وهي مبهرة كما يوحي اسمها، إذ تشبه البلورات العادية كثيرًا لكنها تمتلك ميزة إضافية.

في البلورات العادية تترتب الذرات في بنية ثلاثية الأبعاد ثابتة، مثل الشبكة الذرية للألماس أو شبكة بلور المرو أو الكوارتز. قد تختلف هذه الشبكات المتكررة في ترتيبها، لكنها لا تتحرك كثيرًا ضمن تشكيلٍ معين، فهي تتكرر مكانيًا فقط.

أما الذرات في البلورات الزمانية فتتصرف بشكل مختلف قليلًا، فهي تتذبذب، فتدور أولًا في اتجاه ثم تدور في الاتجاه الآخر. هذه التذبذبات مقيدة بتردد محدد ومنتظم، وكما تتكرر بنية البلورات العادية مكانيًا، تتكرر في البلورات الزمانية مكانيًا وزمانيًا.

لدراسة البلورات الزمانية، غالبًا ما يستخدم العلماء تكاثفات بوز-أينشتاين شديدة البرودة المؤلفة من أشباه الجسيمات ماغنون. والماغنونات ليست جسيمات حقيقية، بل تتألف من إثارات مجمعة من اللف المغزلي للإلكترونات، مثل موجة تنتشر عبر شبكة من اللفات المغزلية.

بقيادة غروزسكي ونيك تراغر من معهد ماكس بلانك للأنظمة الذكية في ألمانيا، أنجز فريق البحث شيئًا مختلف، إذ وضعوا شريطًا من برمالوي ممغنط على هوائي يُمكّنهم من إرسال تيار بتردد راديوي.

أنتج التيار مجالًا مغناطيسيًا متذبذبًا على الشريط، تدخل إليه الموجات المغناطيسية من طرفيه، فحفزت هذه الموجات الماغنونات في الشريط، ثم تكثفت هذه الماغنونات المتحركة إلى نمط متكرر.

يقول تراغر: «أرسلنا المزيد من الماغنونات إلى داخل هذا النمط من الماغنونات المتكرر مكانيًا وزمانيًا بانتظام، فتبعثرت في النهاية. من ثم أثبتنا أن البلورة الزمانية بوسعها التفاعل مع أشباه جسيمات أخرى، لم يستطع أحد إثبات هذا مباشرةً في تجربة من قبل، ناهيك بتسجيله بفيديو».

يُظهر الفيديو -المُصوَّر بسرعة 40 مليار إطار في الثانية- انتشار مقدمة الموجة المغناطيسية عبر الشريط، وذلك باستخدام المجهر السيني MAXYMUS الموجود في منشأة BESSY II للإشعاع السنكروتروني في هلمهولتز زنترم-برلين في ألمانيا.

يجب أن تكون البلورات الزمانية مستقرة ومتسقة على فترات زمنية طويلة، إذ إنها -نظريًا- تتذبذب عند أدنى طاقة ممكنة. يُظهر البحث إمكانية التلاعب بالبلورات الزمانية الماغنونية، ما يفسح المجال أمام طرق جديدة لإعادة ترتيب البلورات الزمانية. قد يكون هذا بداية استخدام حالة المادة في العديد من التطبيقات العملية.

يقول الفيزيائي جوشيم غراف من معهد ماكس بلانك للأنظمة الذكية: «لدى البلورات الكلاسيكية مجال واسع جدًا من التطبيقات. إذا تفاعلت البلورات زمانيًا كما تتفاعل مكانيًا، سيزيد ذلك بُعدًا جديدًا من التطبيقات المحتملة، فاحتمال تطبيقها في مجالات الاتصالات والرادار وتكنولوجيا التصوير هائل».

اقرأ أيضًا:

أربع طرق تتحدى بها فيزياء الكم الواقع

قراءة في كتاب «في البدء – فيزياء، فلسفة وتاريخ علم الكون»

ترجمة: ياسين عبود

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر