عثر العلماء على دليل يشير إلى تصادم كوني في عنقود برساوس، وهو تجمع من آلاف المجرات غير بعيد عن مجرتنا. وباستخدام تقنية تُعرف باسم عدسة الجاذبية الضعيفة، يعتقد العلماء أنهم عثروا أخيرًا على العنقود الغازي المتسبب في الاضطراب.

كان يُعتقد سابقًا أن عنقود برساوس مجموعة ضخمة من المجرات لكنها مستقرة، حتى رصد علماء الفلك مؤشرات على حدوث تصادم مع عنقود آخر دون أن يُعرف الجسم الدخيل.

يُعد عنقود برساوس أحد أضخم الهياكل في الكون المعروف، وقد سُمِّي على اسم الكوكبة التي يقع ضمنها. يتكون من آلاف المجرات المنتشرة على امتداد 11.6 مليون سنة ضوئية، أي ما يعادل تقريبًا 100 ضعف قطر مجرة درب التبانة. ويبعد عن الأرض نحو 250 مليون سنة ضوئية، وهو قريب نسبيًا مع إنه يبتعد بسرعة 5366 كيلومترًا في الثانية بسبب تمدد الكون.

عنقود مسترخٍ؟

يصف علماء الفلك العناقيد المجرية الهادئة والمستقرة بأنها مسترخية، أي تلك التي لم تتعرض لتصادمات مع عناقيد أخرى في التاريخ الحديث للكون. ولسنوات، كان يُعد عنقود برساوس مثالًا بارزًا لهذا النوع.

تنساب تدفقات منتظمة من الغاز الساخن بين المجرات المكونة له، وتفقد حرارتها تدريجيًا في أثناء انجذابها نحو مركز العنقود. ويُحيط بالمجرة المركزية أيضًا وهج خافت من الموجات الراديوية يُعرف بالهالة الراديوية المصغّرة، وكلاهما دليل على استقرار البيئة الكونية.

لكن علماء الفلك لاحظوا أن العنقود لم يكن كرويًا كما هو متوقع في الحالة المستقرة، بل كان مائلًا في الاتجاه الشرقي-الغربي، ما يُشير إلى وجود اضطراب ما.

وفي عام 2012، رصد علماء الفلك جبهات باردة داخل العنقود، أي مناطق ضخمة تمتد عبر سنوات ضوئية، يُرجح أنها ناتجة عن تصادمات بين عناقيد مجرية. وتُشير هذه الجبهات إلى حدود يصطدم عندها الغاز الساخن من عنقود ما بغاز أكثر برودة وكثافة من عنقود آخر. وكان ذلك دليلًا قويًا على أن برساوس خاض تصادمًا كونيًا هائلًا. لكن ظل السؤال قائمًا: أين العنقود الآخر؟

الدليل القاطع على التشوه

في الدراسة الجديدة، يعتقد علماء الفلك من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أنهم وجدوا الدليل القاطع على التصادم الكوني الخفي. وقد نشروا بحثهم في Nature Astronomy وشرحوا فيه كيف استخدموا تقنية عدسة الجاذبية الضعيفة للكشف عن بقايا عنقود اصطدم بعنقود برساوس منذ زمن بعيد.

كان ألبرت أينشتاين قد تنبأ بظاهرة عدسة الجاذبية منذ أكثر من قرن، إذ تؤدي الأجسام الضخمة كالمجرات إلى انحناء الزمكان، ما يُسبب انحراف أشعة الضوء وتكبير الأجسام البعيدة. ويُساعد مقدار هذا الانحراف علماء الفلك على تقدير كتلة الجسم المسبب له، وقد كُشف منذ ذلك الحين عن كثير من الأمثلة اللافتة لهذه الظاهرة.

في حالة عدسة الجاذبية الضعيفة، لا تكون صور المجرات الخلفية مشوهة بوضوح، بل يحدث انحراف طفيف أثناء مرور الضوء عبر العنقود في طريقه إلينا. وباستخدام تلسكوب سوبارو في هاواي، حلل العلماء هذا التشوه في الضوء القادم من مجرات بعيدة خلف عنقود برساوس.

قال هيونج هان كيم، طالب الدراسات العليا في جامعة يونسي بكوريا الجنوبية والمؤلف الأول للورقة:

«نظرًا لأننا لا نعرف الشكل الأصلي لكل مجرة، لا يمكننا تحديد مقدار التشوه في صور المجرات الخلفية».

ولكن بمراقبة عدد كبير من المجرات الخلفية، تمكّن الفريق من حساب متوسط التشوه، واستخدموا محاكاة حاسوبية لتقدير كتلة العنقود الأمامي وتحديد موقع الكتلة المسببة للتشوهات.

اكتشف الفريق منطقة شاسعة من المادة المرئية والمظلمة تُعرف بهالة العنقود الفرعي، وتحيط بتجمع مجري أصغر متمركز في المجرة NGC 1264، على أطراف عنقود برساوس. تبلغ كتلة هذا العنقود الفرعي نحو 100 ضعف كتلة مجرة درب التبانة، وهو مرتبط بالعنقود الرئيسي بجسر من المادة المظلمة طوله نحو 1.4 مليون سنة ضوئية وله كتلة مماثلة تقريبًا.

وأظهرت المحاكاة أن هذا الجسر يُعد دليلًا مباشرًا على تفاعل جاذبي بين العنقودين، وليس اصطفافًا عارضًا وحسب، وتطابق أيضًا مع الشكل غير المتوازن لعنقود برساوس. وأعاد النموذج الحاسوبي أيضًا إنتاج الجبهات الباردة التي اكتُشفت في عام 2012.

قال كيم: «فاجأتني النتيجة، إذ كنت أظن عنقود برساوس عنقودًا غير نشط».

بدأت المحاكاة قبل نحو 7.5 مليار سنة، عندما دخل العنقود الفرعي مجال تأثير عنقود برساوس. استغرق هذا العنقود نحو ملياري سنة ليمر أول مرة بالقرب من مركز العنقود الرئيسي، ثم بعدما تباطأ تحت تأثير الجاذبية، عاد بعد 3 مليارات سنة، ثم مرة ثالثة قبل نحو 750 مليون سنة.

تُعد هذه النتائج مهمة لأن هذه المنطقة هدف رئيسي لعلماء الفلك الذين يدرسون كيفية تشكّل العناقيد المجرية وتطورها. وقال كيم:

«لقد خضع عنقود برساوس لدراسات مكثفة بفضل قربه، ما أتاح لنا اكتشاف كثير من العمليات الفلكية المهمة واختبارها … مع إن هذه الدراسة تركّز على عنقود واحد، فإن لها آثارًا واسعة على فهمنا للكون».

تُبرز النتائج قوة تقنية عدسة الجاذبية الضعيفة أيضًا، سيما في الحالات التي تفشل فيها الطرق التقليدية في كشف ما لا يُرى من الكون. هذا النهج لا يكشف فقط البُنى الخفية، بل يفتح أيضًا آفاقًا لاكتشاف مزيد من تصادمات العناقيد وفهم كيفية نشوء هذه الأنظمة الضخمة.

اقرأ أيضًا:

عنقود مجري ميت يعود للحياة وينتج نجومًا والعلماء تفاجؤوا

العثور على عنقود مجري يُخفي أسرار نشأة الكون

ترجمة: ماسه فؤاد كريم

تدقيق: زين حيدر

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر