تحلية المياه هي عملية تحويل مياه البحر المالحة إلى مياه عذبة، وهي مفهوم أساسي لدرجة أن الجميع يعرف هذا المفهوم.

يُعد هذا المفهوم أمرًا بالغ الأهمية، لأن شرب الكثير من مياه البحر المالحة قد يكون ضارًا بصحتنا؛ إذ تكافح أجسادنا مع محتوى الملح الزائد الذي قد يؤدي إلى الجفاف وتلف الأعضاء المحتمل.

مع نضوب مصادر المياه العذبة على مستوى العالم، تلعب محطات تحلية المياه دورًا ذا أهمية كبرى، إذ تحول مياه المحيطات الواسعة لدينا إلى مخزونات مياه صالحة للشرب. من خلال إزالة الملح من مياه البحر، تلبي تلك المحطات الطلب المتزايد على المياه النقية.

دعونا نتعمق في فهم ميكانيكيات تلك المرافق الحيوية.

عملية تحلية المياه:

تغطي المياه ما لا يقل عن 70% من سطح الأرض، لكن 97% منها مالحة جدًا وغير صالحة للشرب.

توجد أكثر من طريقة يُفصل فيها الملح عن الماء، لكن تُستخدم في الغالب إحدى طريقتين فقط في ما يقرب من 90% من الحالات: التناضح العكسي والتبخير المرحلي المتعدد.

دعونا نلقي نظرة أقرب على كلتا الطريقتين.

التناضح العكسي:

مثلما ذكرنا سابقًا، يؤثر شرب مياه البحر المالحة سلبيًا في صحتنا بسبب التفاوتات الخلوية التي تسببها تلك المياه. لكن توجد عملية داخل خلايانا تُسمى التناضح التي تحاول موازنة تركيز الملح داخل وخارج الخلية؛ يتبع التناضح العكسي المبدأ نفسه الذي نطبقه على تنقية المياه.

يستخدم التناضح العكسي غشاءً خاصًا يشبه مرشحًا ناعمًا جدًا يسمح فقط بمرور الماء من خلاله، ما يمنع الملح من العبور. من أجل دفع مياه البحر المالحة عبر هذا الغشاء، تطبق المضخات القوية ضغطًا يضمن خروج مياه نقية فقط من الجهة الأخرى، مخلّفةً بذلك الملح وراءها. تحول هذه العملية بشكل فعال مياه البحر المالحة إلى مياه عذبة صالحة للشرب في محطة تحلية المياه بالتناضح العكسي.

التبخير المرحلي المتعدد:

على عكس التناضح العكسي الذي يستخدم غشاءً لتصفية الملح والشوائب الأخرى، تعتمد طريقة التبخير المرحلي المتعدد على التغيرات في درجة الحرارة والضغط لتحويل مياه البحر المالحة إلى مياه عذبة.

يشير المصطلح (مرحلي) إلى التبخير السريع الناتج عن انخفاض مفاجئ في الضغط، وتُكرَّر هذه العملية في مراحل متعددة، ومن هنا جاء الاسم.

في كل مرحلة من وحدة التحويل، تُعَرَّض مياه البحر المالحة لحرارة وضغط منخفض، ويؤدي ذلك إلى تبخر جزء من الماء بسرعة وتحوله إلى بخار الماء، الذي يُعد عمليًا ماءً عذبًا. يُطلق على المحلول المالح المتبقي اسم (المحلول الملحي).

تشبه هذه الطريقة التناضح العكسي الذي لا يحتاج عادةً إلى إضافة مواد كيميائية أو منقّيات. مع ذلك وعلى الرغم من إمكانية تحلية المياه، فإن المحطات كبيرة الحجم تنتج حاليًا فقط جزءًا صغيرًا من الاستهلاك اليومي للمياه العذبة في العالم.

محطات تحلية المياه حول العالم:

توجد أكثر من 20 ألف محطة لتحلية المياه تعمل حول العالم، تنتج أكثر من 95 مليون متر مكعب من المياه يوميًا. وتستمر منطقة الشرق الأوسط في كونها مركزًا رئيسيًا لتحلية المياه، نظرًا لمشكلات ندرة المياه التي تواجهها، والتقدم التكنولوجي في هذا المجال.

محطة تحلية سوريك في الشرق الأوسط، التي بدأت العمل في عام 2013، كانت في وقت ما واحدةً من أكبر مرافق تحلية مياه البحر بتقنية التناضح العكسي في العالم. مع ذلك، قاد توسع التكنولوجيا في مجال تحلية المياه إلى إنشاء محطات أكبر في مختلف أنحاء العالم.

بينما تقدمت عملية تحلية المياه وأصبحت أكثر كفاءةً، فإن تصورات الجمهور قد اختلفت. إذ طُرِحَت مخاوف حول الطعم أو الآثار الصحية المحتملة للمياه المحلاة.

مع ذلك، تُظهر الأبحاث والدراسات، بما في ذلك تلك القادمة من المملكة العربية السعودية، أنه عندما تُجرَى عملية تحلية المياه بشكل صحيح، تكون المياه الناتجة آمنةً للاستهلاك ومماثلةً في الجودة للمياه المعبأة في الزجاجات. إضافةً إلى أن التقليل من النفايات البلاستيكية هو ميزة بيئية ملحوظة لاستخدام مياه الصنبور المحلاة بهذه العملية.

لقد شهدت فكرة تحلية المياه المحمولة تطورات أيضًا، ففي السنوات الأخيرة، أُتيحَت مجموعة متنوعة من أجهزة تحلية المياه المحمولة والمصممة للإغاثة في حالات الطوارئ والتنزه على الجبال أو الاستخدام الشخصي. إذ يمكن لهذه الأدوات تحويل مصادر المياه المالحة أو الملوثة إلى مياه صالحة للشرب، ما يوفر حلًّا مبتكرًا في المناطق التي تعاني من صعوبة الوصول إلى المياه العذبة.

الملح وأكثر من ذلك:

بالتأكيد، قد تتوقع أن تقوم عملية تحلية المياه بِإزالة الملح من مياه المحيطات. لكن هل كنت تعلم أن عملية التنقية لا تتوقف عند هذا الحد؟

تحلية المياه -بأية طريقة كانت- تزيل أيضًا المركبات الكيميائية العضوية أو البيولوجية، وفي النهاية تنتج مياه شرب عالية الجودة لا تسبب الإسهال أو أمراضًا أخرى.

هذا أمر مهم لأنه وفقًا للأمم المتحدة يموت ما يقرب من 4 ملايين شخص سنويًا نتيجة نقص المياه النظيفة وسوء الإمداد وقلة النظافة.

محطة تحلية لويس كارلسباد:

محطة تحلية لويس كارلسباد، التي تقع في كارلسباد- كاليفورنيا، هي أكبر مرفق لتحلية مياه البحر في نصف الكرة الغربي.

افتُتِحَت المحطة في ديسمبر عام 2015، وتستخدم التكنولوجيا الخاصة بِالتناضح العكسي لتحويل مياه المحيط الهادئ إلى مياه صالحة للشرب. بفضل طاقة إنتاج تقدر بحوالي 50 مليون جالون من المياه الصالحة للشرب يوميًا، توفر حوالي 10% من إمدادات المياه لمقاطعة سان دييغو.

بُنِيَت هذه المحطة لتحلية مياه البحر استجابةً لحالات الجفاف المتكرر والحاجة إلى مصدر موثوق ومقاوم لجفاف المياه. يتضمن المشروع نظامًا لاستعادة الطاقة، من أجل تقليل استهلاك الطاقة وتحسينات بيئية لحماية الحياة البحرية.

بينما تطوّرت الحلول لمشكلة ندرة المياه، فإن لدينا مخاوف تشمل استهلاك الطاقة والتأثير البيئي، وبخاصة فيما يتعلق بالتخلص من المحلول الملحي المتبقي. مع ذلك، تُعد محطة كارلسباد نموذجًا يحتذى به للمناطق الأخرى التي تفكر في استخدام تحلية المياه لحل مشكلات نقص المياه.

مستقبل تحلية المياه:

مع استمرار زيادة عدد محطات تحلية المياه حول العالم، تزداد المخاوف بشأن تطوير تكنولوجيا جديدة لتشغيل هذه المحطات. حاليًا تتطلب جهود تحلية المياه على نطاق واسع الكثير من الطاقة من أجل التشغيل والصيانة الفائقة، ذلك بسبب وجود العديد من الأجزاء.

تُشكل التكاليف مصدر قلق آخر، إذ بلغت الاستثمارات العامة والخاصة خلال العقود الخمسة الماضية في تطوير تكنولوجيا تحلية المياه أكثر من مليار دولار حول العالم.

حتى مع إحراز التقدم، تبقى الفكرة بأن تحلية المياه ستحل مشكلة ندرة المياه ما تزال بعيدة المنال، ذلك بسبب التكلفة العالية لتخطيط وبناء وإدارة محطات تحلية المياه.

في الواقع، تتراوح التكلفة المتوسطة لتحويل نحو 325 ألف جالون من مياه البحر المالحة إلى مياه عذبة بين 2000 – 3000 دولار، ويتطلب الأمر أيضًا كميةً كبيرةً من الطاقة. وعند مقارنة طريقتي التناضح العكسي والتبخير المرحلي المتعدد لتحويل مياه البحر إلى مياه عذبة، فإن الأولى تُعد أكثر كفاءةً.

نحتاج في عملية التناضح العكسي فقط إلى ثلثي مياه البحر للحصول على كمية المياه العذبة نفسها التي سنحصل عليها باستخدام التبخير المرحلي المتعدد. هذا يعني استهلاك كمية أقل من الطاقة والتكاليف الأخرى لضخ مياه البحر إلى المحطة والتخلص من المياه المالحة المتبقية.

مشكلة المحلول الملحي:

للأسف تنتج كل العمليات، مثل جميع تقنيات تحلية المياه، محلولًا ملحيًا. هذا المنتج الفرعي للمياه المحلاة يحتوي على تراكيز عالية من الملح وعندما يُعاد إلى الماء سيُشكِّل تهديدًا كبيرًا للنظم البيئية المائية.

بسبب كثافة المحاليل الملحية فإنها تميل إلى الاستقرار فوق قاع البحر مكوِّنةً طبقةً تعيق تبادل الأكسجين، وقد يؤدي هذا إلى تكون مناطق منعدمة الأكسجين، ما يؤثر سلبًا على الكائنات البحرية، وبخاصة تلك التي تعيش في القاع.

يدرس العلماء عدة طرق للتخفيف من التأثير البيئي لتلك المحاليل الملحية الناتجة عن عمليات تحلية المياه، ويبحثون في تقنيات متقدمة مثل الكهروضغطي والتناضح العكسي المستقبلي لتحسين معدلات استرجاع المياه، وبالتالي إنتاج كميات أقل من المحاليل الملحية.

ويوجد من يدرس تخفيف المحاليل الملحية بخلطها بمياه الصرف الصحي المعالجة قبل التصريف، ما يقلل من ملوحتها. أيضًا زراعة النباتات الملحية، وهي نوع من الخضروات البحرية تنمو في ظروف مرتفعة الملوحة، هو طريق آخر محتمل.

أجهزة تحلية المياه المحمولة:

جهاز تحلية المياه المحمول هو حل مبتكر مصمم لتحويل مياه البحر المالحة إلى مياه صالحة للشرب، وهو حل حيوي خاص بالبيئات المعزولة أو في حالات الأزمات.

في عام 2022، طوَّر باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا نموذجًا فعالًا صغير الحجم يشبه الحقيبة، وحُسِّنَت كفاءة الطاقة فيه، إذ يمكن للوحة شمسية تشغيله وبأسعار معقولة.

يختلف هذا الجهاز عن النماذج التقليدية لأنه لا يحتاج إلى فلاتر. بدلًا من ذلك، يستخدم الطاقة الكهربائية لتنقية المياه، ما يقلل تكاليف الصيانة كثيرًا.

تجعل مثل هذه التطورات الجهاز لا غنى عنه في المناطق، مثل الجزر النائية والسفن ذات الرحلات الطويلة واللاجئين المتأثرين بالكوارث الطبيعية أو الجنود في المواقع العسكرية النائية.

يقول الكاتب الرئيسي جونغيون هان؛ الأستاذ في الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسوب والهندسة البيولوجية، والعضو في مختبر البحوث الإلكترونية: «هذه هي نتيجة رحلة استمرت 10 سنوات، كنت وفريقي على وشك الانتهاء منها. عملنا سنوات على دراسة الفيزياء وراء عمليات تحلية المياه الفردية، لكن دفع عجلة كل تلك التطورات إلى الأمام، وبناء نظام واختباره في المحيط، كانت تجربةً ذات معنى ومجزيةً حقًا بالنسبة لي».

إضافةً إلى التمويل الحكومي في الولايات المتحدة وفي الخارج، بدأت مصادر التمويل الخاصة في الانتباه إلى تطوير جهود تحلية المياه أكثر كفاءةً. ومن المؤكد أنه إذا تحسنت عملية تحلية المياه، سنتمكن من تغيير المناطق الفقيرة بالمياه بأكملها للأفضل.

اقرأ أيضًا:

مادة جديدة توفر الطاقة الكهربائية والماء من ضوء الشمس فقط

اختراع بطارية جديدة تعمل على الماء.. فهل نتخلى عن بطاريات الليثيوم؟

ترجمة: محمد فواز السيد

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر