لعدة قرون، أُشيد بالمخترع والباحث والفنان ليوناردو دافنشي، لرسومه الدقيقة المتناسقة وتصاميمه الخيالية، ولإدراكه مقدار التشابه بين الجاذبية ومفهوم التسارع قبل قرن من اكتشاف العالم نيوتن لها، وكانت أعماله الفنية عبقرية مطلقة وفريدة في منظورها وهندستها.

لكن بعد الفحص والتدقيق، يبدو أن إحدى القواعد التي ابتكرها دافنشي لشرح كيفية نمو الأشجار لا تتطابق مع الواقع في كل الحالات.

رسم دافنشي الأشجار في مذكراته، وافترض أن سُمك غصن الشجرة أو جذعها، يساوي السُمك المجمع لجميع الأطراف المتفرعة منه.

ربما يبدو هذا الأمر نصيحةً جيدة للفنانين الناشئين، فقد أظهر العلماء منذ ذلك الحين أن العلاقة التي وصفها دافنشي قد تفسر كيف تقاوم الأشجار الانشقاق عند هبوب الرياح، لكن هذه العلاقة النسبية لم تكن متوافقةً على المستوى المجهري، وفقًا لدراسة جديدة أجراها اثنان من علماء النبات.

للإنصاف، كان دافنشي ينظر إلى الجزء الخارجي من الأشجار، وليس إلى داخل الأخشاب الشاهقة حيث يُمتص الماء إلى أنابيب داخلية تسمى نسيج الخشب، ويتبخر الماء من خلال الأوراق المظللة.

حجم هذه القنوات بالنسبة إلى محيط الشجرة هو ما اهتم به ستيوارت سوب وروبن فالبوينا، المؤلفان المشاركان للدراسة الجديدة، إذ أرادا التحقق من أن نماذج نمو الأشجار متناسبة بشكل صحيح، لفهم قابلية الأشجار للتعرض للجفاف ومساهمتها في تخزين الكربون.

أوضح الباحثان: «استُلهم العديد من النماذج البيولوجية للأشجار من قاعدة دافنشي، بوصفها نموذجًا لكل من شبكات التفرع الخارجية للنبات وأنظمتها الوعائية، رغم قلة الأدلة على تحقق هذه القاعدة باستمرار».

ليس للمرة الأولى يُشكك في قاعدة الأشجار الخاصة بدافنشي أو تُراجع على أساس قياسات حديثة. العام الماضي، أشار باحثون إلى أن عرض الفروع وطولها يعكسان بشكل أفضل البنية المتفرعة للأشجار، النحيلة منها والقوية، بدلًا من السماكة وحدها.

أما فيما يتعلق بالهندسة الداخلية للأشجار، فكان محل اعتراض سوب وفالبوينا أن قنوات نقل المياه ضمن الشجرة لا يمكن أن تتبع النسبة ذاتها المنصوص عليها في قاعدة دافنشي، ما يضيق الحجم كلما ارتفعت الشجرة، بسبب خضوعها لقوانين ميكانيكا الموائع.

بدلًا من ذلك، يقترح نموذج سوب وفالبوينا الخاص بالمكونات الهيدروليكية الداخلية للشجرة أن القنوات الوعائية تتسع مع ترقق الفروع وصغرها نحو قمم الأشجار، للحفاظ على قوة كافية لسحب الماء إلى أعلى الجذع.

أيضًا فإن نمط النمو هذا يوفر كمية الكربون المستخدمة لبناء نظام أوعية موفر للطاقة، ينقل الماء والمُغذيات عبر الشجرة، من الجذر إلى الأوراق.

قال سوب: «كان هدفنا التوصل إلى علاقة نسبية يمكن استخدامها لتقدير الكتلة الحيوية للأشجار والكربون في الغابات، ما يساعدنا على تقدير معدل احتجاز الأشجار للكربون عالميًا».

قال الباحثان إن نموذجهما المُعدّل يضيف تحسينات جديدة إلى نظرية رائدة تُسمى نظرية القياس الأيضي، التي تتوقع كيفية ارتفاع النبات والكتلة الحيوية والقطر ونطاق ورقة النبات بالتناسب مع الحجم، ما يحسن فهمنا لأنظمة النباتات عمومًا.

أضاف فالبوينا: «قد تفسر حساباتنا كون الأشجار الكبيرة أكثر عرضة للجفاف، وقد تكون أيضًا أكثر عرضة لتغير المناخ».

بالنظر إلى نهج مناقشة نظرية القياس الأيضي باستفاضة، مع انحراف العديد من الغابات عن التوقعات، يمكن توقع أن يُفحص نموذج سوب وفالبوينا بالمثل، لكن الجهود التي تُقربنا من فهم تعرض الأشجار للجفاف وغيره من الظواهر المناخية المتطرفة هي دون شك أمر إيجابي.

يأمل الباحثان أن تُحفز النتائج التي توصلا إليها إجراء المزيد من الأبحاث للحصول على بيانات من الأشجار لاختبار توقعاتهما، بينما يواصلان تحسين نماذجهما لنمو النباتات.

اقرأ أيضًا:

ليوناردو دافنشي كان يعلم بالجاذبية قبل نيوتن

كيف تنقل الأشجار الكبيرة الماء من جذورها إلى الأوراق ؟ – الأوعية الخشبية

ترجمة: خالد عامر

تدقيق: غفران التميمي

المصدر