تحضيرًا لافتتاح الألعاب الأولمبية في يوليو 2024، خططت شرطة باريس لنقل جزء من بائعي الكتب على خط نهر السين إلى مكان آخر، وبعد رد فعل شعبي ومعركة معارضة طويلة، سيبقى بائعو الكتب في العاصمة باريس مكانهم هذا الصيف.

وفي الوقت نفسه يواصل الباريسيون التذمر من عدم التشاور مع السكان المحليين، وتتضمن شكاوي بالسكان التحذيرات من الازدحام المروري، ومحطات المترو المغلقة، والمراقبة المكثفة عبر الكاميرات وأشياء أخرى.

مع كل هذا العناء يأتي السؤال: ما الهدف من استضافة الألعاب الأولمبية مرة أخرى للبلدان المضيفة؟

يستمر النقاش الأوساط الأكاديمية حول الآثار الإيجابية والسلبية المحتملة للأحداث الرياضية الكبرى. مع إن هذه الأحداث غالبًا ما ترتبط بخسائر اقتصادية كبيرة، فإن الفوائد طويلة الأمد هي الحجة الرئيسية الداعمة لاستضافتها. وتشمل هذه الفوائد تطوير البنية التحتية المادية والخدمية، مثل الفنادق أو المطاعم أو الحدائق، وقد تساعد الأحدث الرياضية الكبرى أيضًا على وضع المنطقة المستضيفة على قائمة الدول القادرة على جذب أحداث رياضية وثقافية واستضافتها لتصبح دولة ملهمة لمشاريع ريادة الأعمال.

ما هي إيجابيات وسلبيات استضافة الأحداث الرياضية الكبرى الكبيرة؟

أدرك الباريسيون بأن تكلفة هذه الفوائد الإيجابية من استضافة الألعاب الأولمبية باهظة، إذ أن البلدان المستضيفة تعاني زيادة الأعباء الضريبية، وانخفاض عائدات الاستثمارات العامة، وارتفاع تكاليف البناء وتكلفة تشغيل المرافق بعد الحدث. وقد تتضرر المجتمعات أيضًا من الضوضاء والتلوث والأضرار التي تلحق بالبيئة، في حين أن زيادة النشاط الإجرامي والصراعات المحتملة بين السكان المحليين والزوار قد تؤثر في نوعية حياتهم. نتيجة لذلك مؤخرًا، سحبت كثير من المدن الكبرى (مثل روما وهامبورغ) عروضها لاستضافة الألعاب الأولمبية.

السمة المشتركة للشؤون الاقتصادية خلف استضافة الأحداث الرياضية الكبرى هي أن التوقعات منها أكثر تفاؤلًا مما تجنيه الدول، وعادة ما يميل الإنفاق إلى تجاوز الميزانية الأصلية، في حين أن مؤشرات الإيرادات (مثل عدد الزوار) نادرًا ما يتحقق.

وعند تحليل أثر استضافة الأحداث الرياضية الكبرى في الزيارات السياحية، من المهم مراعاة العناصر الإيجابية والسلبية للأثر العام. في حين أن الآثار الإيجابية قد ترتبط بالزوار، فقد تنشأ آثار سلبية عندما يرفض السائحون القادمون للسياحة زيارة الموقع بسبب الحدث. قد يكون هذا بسبب البنية التحتية المثقلة، والزيادات الحادة في تكاليف الإقامة، والمضايقات المرتبطة بالاكتظاظ أو الزوار الصاخبين أو العنيفين. إضافة إلى ذلك، قد تقلل التقارير عن الفقر أو الجريمة في وسائل الإعلام العالمية من جاذبية الموقع عندما تُزاحِم الأحداث الرياضية الكبرى وجود السياح الطبيعيين.

في مقال نُشر في مجلة (الاقتصاد الرياضي) مع إيغور درابكين وإيليا زفيريف، ورد تقييم لآثار استضافة الأحداث الرياضية الكبرى في الزيارات السياحية الدولية، مثل أثر الألعاب الأولمبية الشتوية والصيفية وكأس العالم، استُخدِمت مجموعة بيانات شاملة حول تدفق السياح الذين يغطون أكبر وجهة في العالم والبلدان القادمين منها بين عامي 1995 و 2019. وبوصفها خطوة أولى، بُني نموذج بيان اقتصادي قياسي يتنبأ بتدفق السياح بين أي بلدين في البيانات الموجودة، ثم قُورن التدفق السياحي المتوقع في سيناريو افتراضي إذ لم يوجد حدث رياضي كبير مع الأرقام الفعلية. إذا تجاوزت الأرقام الفعلية الأرقام المتوقعة، فإن الحدث له تأثير إيجابي صاف. خلاف ذلك، يُعد أنه كان له تأثير مزاحمة على السياح القادمين بهدف السياحة. وقد ميّز التحليل بين المدى القصير (أي التركيز فقط على عام الحدث) ومنتصف المدة (سنة الحدث بالإضافة إلى ثلاث سنوات لاحقة).

أظهرت نتائج البحث أن آثار الأحداث الرياضية الكبرى تختلف كثيرًا باختلاف البلدان المستضيفة، فقد ارتبط استضافة كأس العالم في اليابان وكوريا الجنوبية 2002 وجنوب إفريقيا 2010 بزيادة واضحة في عدد السياح الوافدين، في حين أن جميع نهائيات كأس العالم الأخرى كانت إما محايدة أو سلبية. ومن بين الألعاب الأولمبية الصيفية تعد الصين في عام 2008 الحالة الوحيدة التي عاشت تأثيرًا إيجابيًا كبيرًا في تدفقات السياح. أما الأحداث الأربعة الأخرى (أستراليا 2000، واليونان 2004، وبريطانيا 2012، والبرازيل 2016) فكانت نتائجها سلبية على المديين القصير والمتوسط. وبالنسبة للألعاب الأولمبية الشتوية، فإن الحالة الإيجابية الوحيدة هي روسيا في عام 2014. وكان للأحداث الخمسة المتبقية أثر سلبي باستثناء الأثر المحايد لمدة عام واحد بالنسبة لليابان في عام 1998.

بعد الأحداث الرياضية الكبرى، عادة ما يكون السياح أقل زيارة للبلدان المستضيفة. ومن بين 18 دولة مستضيفة في الدراسة، شهدت 11 دولة انخفاضًا في أعداد السياح على مدى أربع سنوات، ولم تشهد ثلاث دول تغييرًا كبيرًا.

التفاؤل الخجول

يشير البحث إلى أن التأثير الإيجابي لاستضافة الأحداث الرياضية الكبرى على التدفقات السياحية هو معتدل في أحسن الأحوال. في حين أن الكثير من السياح تنجذب إليهم نهائيات كأس العالم لكرة القدم والألعاب الأولمبية، فإن تأثير ازدحام السياح المنتظمين قوي وغالبًا ما يُقَلل من شأنه. هذا يعني أن السياح الذين يزورون حدثًا مثل الألعاب الأولمبية عادة ما يثنون الذين كانوا سيأتون لأسباب أخرى. ولذلك يجب أن تقترن الجهود الرامية إلى اجتذاب زوار جدد ببذل جهود للإبقاء على الزوار المعتادين بالفعل.

يجب أن تُعد الأحداث الرياضية الكبرى جزءًا من سياسة طويلة الأجل للترويج للسياحة بدلًا من عدّها حلًا منفردًا ومستقلًا. من الواضح أن نتائج البحث تشير إلى أنه من الأسهل الحصول على زيادة صافية في التدفقات السياحية في البلدان الأقل تواترًا للسياح، كتلك الموجودة في آسيا أو إفريقيا. وعلى النقيض من ذلك، فإن للولايات المتحدة وأوروبا شعبية تقليدية لدى السياح، وليس لهما حالة واحدة ذات تأثير إيجابي صاف. وبعبارة أخرى، ساعدت الأحداث الرياضية الكبرى في آسيا وأفريقيا في الترويج للبلدان المضيفة لها بوصفها وجهات سياحية، ما جعل الاستثمار الأولي مبررًا، لكن في الولايات المتحدة وأوروبا، لم يحقق هؤلاء في العقود القليلة الماضية عائدًا يذكر، على الأقل من حيث تدفق السياح.

اقرأ أيضًا:

أعلى 10 فرق رياضية قيمة سنة 2020

سبع رياضات يمارسها الإغريق

ترجمة: رهام الاشمر

تدقيق: ريم الجردي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر