تتطور لدى العديد من الناجين بحياتهم بعد صدمة، أو بعد أحد الأوضاع الأخرى المهددة للحياة، حالة تسمى ذنب الناجي، وهي مشاعر قوية ومستمرة من الندم والمسؤولية الشخصية والحزن.

قد يشعر الناجي من حدثٍ مأساوي بتصاعد مشاعر متضاربة -لكنها طبيعية تمامًا- مثل:

  •  الحزن على الذين لم ينجوا.
  •  الارتياح، والامتنان، وإحساس غامر بحسن الحظ.

غالبًا ما يرتبط ذنب الناجي بالحوادث المأساوية التي تمتد على نطاق واسع، والأعمال الإرهابية، والإبادة الجماعية، وغيرها من الفظائع التي تحل بالجماعات، وقد يظهر في حالات أخرى مثل:

  •  بعد العيش في صراع عسكري.
  •  عند العمل في قوة الإطفاء، أو في الشرطة، أو في فريق الطوارئ الطبية، أو في عناصر الاستجابة السريعة.
  •  بعد النجاة من كارثة طبيعية.
  •  بعد أن يشهد الفرد حادثة إطلاق نار جماعي أو أعمال عنيفة أخرى.
  •  عندما يتعرض أحد الأشقاء أو الوالدين للإساءة.
  •  عندما تُشخَّص إصابة شخص عزيز بحالة وراثية، أو غيرها من الحالات المهددة للحياة مثل السرطان.
  •  حال احتفاظ الفرد بعمله، أو بقائه بصحة جيدة، أو تحسّن أوضاعه بطريقة أخرى في أثناء جائحة كوفيد-19.

يُعَد ذنب الناجي عرَضًا أكثر من كونه حالة محددة من حالات الصحة النفسية، لكن هذا لا يجعله أقل خطورة، فقد يؤدي إلى ضائقة انفعالية طويلة الأمد، وذلك يشمل ورود أفكار انتحارية حال عدم مواجهة الحالة.

إليك نظرة أعمق لبعض العلامات الشائعة لوجود ذنب الناجي، مع بعض النصائح للتأقلم.

بم يشعر الفرد حال وجود ذنب الناجي؟

يشعر من لديه ذنب الناجي بالذنب والندم بخصوص الحدث الصادم، وعندما تظهر هذه المشاعر متكررة في دورة مستمرة، فقد يصعب عليه توجيه أفكاره نحو أي شيءٍ آخر. قد يعود الشعور بالذنب ببساطة إلى نجاة الفرد، لكنه قد يمضي الكثير من الوقت أيضًا في التفكير بما كان يستطيع تغييره، أو بطريقة كان قادرًا فيها على مساعدة الآخرين، وإنه لم يكن قادرًا على فعل شيء محدد لتغيير النتيجة.

تشبه أعراض ذنب الناجي تلك الناتجة عن اضطراب الكرب التالي للصدمة. يصنف الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الشعور بالذنب ولوم الذات بوصفها أعراضًا لاضطراب الكرب التالي للصدمة.

العديد ممن لديهم ذنب الناجي مصابون أيضًا باضطراب الكرب التالي للصدمة، لكن قد تكون إحدى الحالتين موجودة دون الأخرى.

إلى جانب الشعور بالذنب أو الندم، قد يختبر من لديه هذه الحالة:

  •  ومضات من الذاكرة حول الحدث.
  •  أفكار هوسية أو اقتحامية «مُلحّة».
  •  الأرق والكوابيس واضطرابات نوم أخرى.
  •  تغيرات مفاجئة في المزاج.
  •  مشكلات في التركيز.
  •  الغضب أو الهياج أو التخليط أو الخوف.
  • فقدان الدافع.
  •  فقدان الاهتمام بالأشياء التي كانت مثيرة للاهتمام عادةً.
  •  إحساس بالانفصال عن الآخرين وانقطاع العلاقة معهم.
  •  رغبة زائدة في العزلة.
  •  مشاعر من اليأس.
  •  أفكار انتحارية.
  •  أعراض جسدية مثل الغثيان، أو الشعور بإجهاد جسدي مع الألم، أو تغيرات في الشهية.

إضافةً إلى مشاعر المسؤولية الشخصية عن الحدث أو نتائجه، حتى في حال عدم القدرة على تغيير ما حدث، فقد تتطور لدى الفرد اعتقادات سلبية متطرفة أو مشوهة عن ذاته وعن العالم بالمجمل.

قد يشعر الشخص بما يلي:

  •  رؤية نفسه شخصًا سيئًا، وأنه يستحق عقابًا ما.
  •  الاعتقاد بأنه لا يستطيع الثقة بأحد.
  •  الشك بمعتقداته الروحية.
  •  اعتبار العالم بمجمله مكانًا غير عادل وخطير.

سبب ذنب الناجي:

قد يعيش أي أحد حالة ذنب الناجي، ومع ذلك فقد يتعافى العديد من الناس من الصدمات دون حتى اختبار الشعور بالذنب. لا توجد صيغة حاسمة تشرح السبب الذي يدفع البعض إلى الشعور بالذنب دون سواهم، لكن يظن الخبراء أن للعوامل التالية دور في ذلك:

تجربة صدمة سابقة:

حال المرور بتجربة صادمة في الطفولة أو أي مرحلة أخرى من الحياة، توجد فرصة أكبر للشعور بذنب الناجي.

تحرت دراسة عام 2015 أوضاع 32 لاجئًا تتراوح أعمارهم بين 11 و20 عامًا، وجد الباحثون أن التعرض لعدد أكبر من الأحداث الصادمة يزيد من مشاعر الذنب والخزي، وقد وجدوا أيضًا علاقة بين التعرض لصدمات أكثر وشدة العرَض.

إن وجود قصة سابقة من التعرض لصدمة، سواء تضمنت الإهمال أو كارثة طبيعية أو حادث سير، لا يزيد فقط من احتمال الشعور بالذنب بعد النجاة من الصدمة، بل يزيد أيضًا من احتمال الإصابة بأعراض أخطر. قد يظن الفرد ذاته أنه العنصر المشترك في هذه الأحداث، ويتلقى كل اللوم أو يركز على الاعتقاد الخاطئ بأن وجوده سبب المأساة.

أعراض نفسية موجودة أصلًا:

وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، فإن حالات الصحة النفسية المستبطنة، متضمنةً الاكتئاب والقلق، قد تزيد من خطورة الشعور بالذنب والأعراض الأخرى لاضطراب الكرب التالي للصدمة بعد وقوع حدث صادم.

قد يضيف عامل الخطورة هذا مستوى جديدًا من المضاعفات للصدمات الموجودة أصلًا، مثل وباء كوفيد-19، فقد تزيد تعليمات التباعد الاجتماعي، والانقطاع المستمر للروتين والحياة اليومية، والآثار الصحية الخطيرة المحتملة الضغط النفسي الموجود، وقد تحفز مشاعر القلق والاكتئاب وإن لم تكن موجودة قبل الجائحة.

قد تزداد شدة الانزعاج الموجود خصوصًا عندما يواجه عدد أكبر من الأحبة عواقب صحية، أو غيرها من تأثيرات الوباء مثل فقدان الوظيفة.

حال عانى الفرد من عراقيل أقل، خصوصًا بالمقارنة مع أحبائه، فقد يشعر بالذنب أو الخزي بسبب سلامته النسبية.

عوامل متعلقة بالشخصية:

يوجد رابط مُقترَح بين الشعور بذنب الناجي والسلوك الخاضع، ويظن الباحثون أن لذلك مكون تطوري.

قد يتصرف الفرد بخضوع في المواقف الاجتماعية في حال:

  •  الخوف من الخذلان أو التهديدات أو غيرها من الاستجابات السلبية من الأقران.
  •  الاعتقاد بأن نجاحه أو سلامته تحرم الآخرين من المثل.
  •  الاعتقاد بأنه أفضل حالًا من الآخرين.

بمعنى آخر، إذا كان السلوك الخاضع يساعد على تحسين سلامة المجموعة الاجتماعية، فإن هذا قد يفسر تطور ذنب الناجي لدى الأشخاص الخاضعين اجتماعيًا في أغلب الأحيان، إذ يؤثر حدث صادم في سلامة المجموعة.

يربط الباحثون أيضًا بين السلوك الاجتماعي الخاضع والانطوائية، مع أن الانطوائية لا تعني بالضرورة زيادة احتمال الشعور بذنب الناجي، لكنها قد تؤثر في طريقة التأقلم مع الحدث.

أيضًا قد يكون لتقدير الذات دور في الأمر، إذ يشمل انخفاض تقدير الذات غالبًا أفكارًا ملازمةً للفرد حول قدراته أو قيمته الشخصية، ما قد يغذي أفكارًا مثل:

  •  لماذا نجوت؟
  •  لا أستحق أن أكون هنا.
  •  لو قمت بفعلِ شيء ما بطريقة مختلفة لما حدث ما حدث.
  •  لم أستطع منع الحدث من الوقوع، لذا فالذنب كله ذنبي.

قلة الدعم الاجتماعي:

يذكر الدليل الإحصائي للاضطرابات النفسية أن وجود الدعم الاجتماعي قبل الصدمة وبعدها قد يساعد على الوقاية من اضطراب الكرب التالي للصدمة.

قد تزيد الوحدة الضيق العاطفي سوءًا، إذ إن المشاعر التي يعجز الفرد عن مشاركتها أو التعبير عنها بطريقة أخرى تصبح صعبة التحمل.

عند غياب الدعم من الآخرين، قد يركز الفرد على اعتقادات خاطئة حول الحدث، ومن ضمنها إحساسه الشخصي بالمسؤولية، وقد يفترض لوم الآخرين له كما يلوم نفسه.

مهارات التأقلم غير المفيدة:

يتأقلم الناس مع آثار الصدمة بطرق متنوعة، وقد تكون بعض هذه الاستراتيجيات أقل نفعًا من غيرها، فمن الشائع مثلًا محاولة كبت المشاعر المتعلقة بالصدمة أو تجنبها، للهرب من شعور غير مرغوب، مثل الذنب أو الحزن، وقد يحاول الفرد إنكار مشاعر الذنب لديه تمامًا، أو قد يستسلم لهذه المشاعر بتحمل لوم لا يستحقه.

قد يلجأ الفرد أيضًا، في حال غياب الدعم الاجتماعي واستراتيجيات التأقلم المفيدة الأخرى، إلى الكحول أو غيره من المواد لإيقاف الشعور بالضيق وإبعاد مشاعر القلق أو الاكتئاب.

يجد العديد من الناس أن هذه الطريقة تقدم بعض الراحة مؤقتًا، لكن لها تأثيرات سلبية طويلة الأمد على الصحة الجسدية والنفسية، وقد يجعل التعاطي المتزايد لهذه المواد مشاعر الذنب والاكتئاب أسوأ في بعض الأحيان.

التأقلم مع ذنب الناجي:

غالبًا ما تمضي مشاعر الذنب مع الوقت، ويرافقها أي ضيق قد يختبره الفرد بعد حدث صادم.

تساعد الاستراتيجيات التالية في السيطرة على الذنب، وتخفيف تأثيره إلى أن يزول طبيعيًا.

العمل على التقبل:

قد يكون التقبل صعبًا جدًا بعد حدث صادم. يجب تقبل الحدث بحد ذاته، وهذا قد يشمل الاعتراف والتسليم بفقدان شخص عزيز أو أسلوب حياة سابق، لكن يجب أيضًا قبول بعض المشاعر والإقرار بها مثل الذنب والحزن، وأي مشاعر أخرى نشأت من تلك الصدمة.

يبدو تجنب أو مقاطعة ذكريات تخص الحدث الصادم أكثر فائدة أحيانًا، فالتجنب يبقي الفرد بعيدًا عن إعادة معايشة المشاعر المأساوية وغير المرغوبة، إذ لا يشعر أنه جاهز للتأقلم، لكن التجنب والإنكار حلول غير نافعة على المدى البعيد.

إعطاء الفرد وقتًا كافيًا للحزن ومعالجة مشاعره، غالبًا ما ييسر تقبل كل جوانب الصدمة، متضمنةً حقيقة أنه لم يسبب الحدث، ولم يكن باستطاعته فعل شيء لتغيير النتيجة.

يجد العديد من الناس التأمل طريقة مفيدة للتمرن على القبول، وضبط المشاعر المؤلمة أو الصعبة. حال كان التأمل غير مناسب لك، فقد تساعد كتابة اليوميات على التعبير ومعالجة الذنب والحزن، وغيرها من مشاعر الضيق.

تجربة التيقظ وتمارين التركيز:

قد تزيد تقنيات التيقظ من التركيز على اللحظة الراهنة، وتسهّل تحرر الأفكار المزعجة دون ترسيخها أو الحكم على الذات بسببها.

بعض الأساليب السريعة لتحفيز التيقظ:

  •  التريّض «التمشية»، وتركيز الانتباه على ما يراه ويسمعه ويشعر به.
  •  التلوين أو الرسم.
  •  الأساليب المختلفة من تمارين التأمل البسيط.

محادثة الأحباء:

قد يُحدث الدعم العاطفي من الأحبة فرقًا كبيرًا بعد التعرض لصدمة، ويستطيع الأصدقاء والعائلة تقديم الدعم بالاستماع إلى همومك، وتذكيرك بأن اللوم لا يقع عليك.

يساعدك الأحبة الذين يعبرون عن امتنانهم لسلامتك بتذكيرك أنه لا عيب في الشعور بالراحة والامتنان لكونك سالمًا، فأنت قادر على الشعور بهذه المشاعر إلى جانب الشعور بالأسف على ألم الآخرين ومعاناتهم في الوقت ذاته.

مشاركة مشاعرك مع الأحبة الذين نجوا من الصدمة معك قد يشجعهم على فعل المثل، وفي حال صعب عليك الانفتاح بشأن ذلك لمن هم في حياتك، فقد تساعدك مجموعات الدعم الموجودة وجهًا لوجه أو عبر الإنترنت في التواصل مع أشخاص يمرون بوضع مماثل.

قد يخلق التعبير عن المشاعر عبر الكتابة أو الفن فرقًا مهمًا كذلك.

إيجاد الدعم:

حال لم ينجح الوقت في تغيير أي شيء بشأن مشاعر ذنب الناجي، أو أي ضائقة انفعالية أخرى، فقد تكون استشارة معالج نفسي أو أحد المختصين العاملين في مجال الصحة النفسية الخطوة الجيدة التالية.

يستطيع المعالج النفسي توفير التوجيه والإرشاد من خلال:

  •  اكتشاف العوامل المستبطنة التي تساهم في إحداث الشعور بالذنب، مثل مشاعر المسؤولية الشخصية.
  •  التعمق في الاكتئاب والخوف والقلق أو أي شعور آخر بالضيق.
  •  إعادة تشكيل الأفكار السلبية ومواجهتها، ليس بشأن الشعور بالذنب فحسب بل بشأن الصدمة ذاتها.
  •  تحديد مهارات مفيدة للتأقلم وتطبيقها.

قد تساعد أدلة المعالجين النفسيين المفهرسة على الإنترنت ومحركات البحث في التواصل مع معالج نفسي محلي مختص في اضطراب الكرب التالي للصدمة، إن لم يكن مختصًا بالتعامل مع ذنب الناجي، ويستطيع أيضًا أحد مقدمي الرعاية الصحية الأولية أو أحد مراكز الصحة النفسية المجتمعية المساعدة في إيجاد معالج نفسي.

الخاتمة

إن الشعور بالذنب بشأن النجاة، أو حتى النجاح بينما يعاني الآخرون يدل فقط على مدى الشعور بالتعاطف والرأفة، ورغم نشوء هذه المشاعر من مصدر جيد فإنها قد تزيد من شدة الألم والضيق.

بدلًا من معاقبة نفسك لأنك نجوت، حاول إعادة فهم نجاتك بأنها هبة، يمكنك أن تردّها بالامتنان واللطف مع الآخرين. إن فعل ما باستطاعتك لدعم أحبائك، وحتى الغرباء ممن تستمر معاناتهم، يستطيع أن يضيف المزيد من المعنى والغاية لحياتك.

اقرأ أيضًا:

ما علامات الصدمة النفسية عند الطفل؟ وكيف يمكن تقديم المساعدة له؟

اضطراب ما بعد الصدمة: الأسباب، الأعراض، التشخيص، والعلاج

ترجمة: حاتم نظام

تدقيق: نايا كركور

المصدر