تشير أبحاث جديدة من كلية كيك للطب في جامعة جنوب كاليفورنيا (USC) إلى أن العواصف الترابية المريخية قد تسبب مشكلات تنفسية وزيادة في خطر الإصابة بالأمراض، ما يجعلها أحد المخاطر الصحية التي يجب على وكالات الفضاء الاستعداد لها.

تعد هذه العواصف خطرًا كبيرًا على المهام الروبوتية، إذ تتسبب في عواصف كهربائية قد تؤثر في الأجهزة الإلكترونية وتؤدي إلى تراكم الغبار على الألواح الشمسية.

لكن ماذا عن المهام المأهولة؟ في العقود القادمة، تخطط وكالة ناسا ووكالة الفضاء الصينية المأهولة (CMS) لإرسال رواد فضاء إلى المريخ. ستشمل هذه البعثات أشهرًا من العمليات السطحية، ومن المتوقع أن تتوج بإنشاء مساكن طويلة الأمد على سطح الكوكب.

في كل سنة مريخية (686.98 يومًا أرضيًا)، يواجه الكوكب الأحمر عواصف ترابية إقليمية تتزامن مع فصل الصيف في نصفه الجنوبي.

كل ثلاث سنوات مريخية (نحو خمس سنوات ونصف أرضية)، تكبر هذه العواصف لدرجة أنها تغطي الكوكب بأسره وتكون مرئية من الأرض.

في عامي 2018 و2022، فُقدت مركبتا أوبورتونيتي وإنسايت بعد أن منعتهما العواصف الترابية من الحصول على طاقة كافية لمواصلة العمل.

قاد البحث الجديد جاستن ل. وانغ، دكتور في الطب بجامعة جنوب كاليفورنيا (USC)، مع عدة من زملائه من كلية كيك للطب، وانضم إليهم باحثون من مركز طب الفضاء في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA)، وقسم آن وهـ. ج. سميد لهندسة الفضاء، ومختبر الفضاء والفيزياء الجوية في جامعة كولورادو بولدر، ومكتب اقتناء وصيانة المواد الفلكية في مركز جونسون للفضاء التابع لناسا. ونُشرت الورقة التي توضح نتائجهم في 12 فبراير في مجلة GeoHealth.

يُمثل إرسال بعثات مأهولة إلى المريخ العديد من التحديات، ومنها الجوانب اللوجستية والمخاطر الصحية. في العشرين عامًا الماضية، كانت أقصر مسافة بين الأرض والمريخ 55 مليون كيلومتر أي ما يعادل تقريبًا 142 ضعف المسافة بين الأرض والقمر.

كان ذلك في عام 2003، وهي أقرب مسافة بين الكوكبين منذ أكثر من 50,000 عام. وباستخدام الطرق التقليدية، تستغرق رحلة باتجاه واحد من ستة إلى تسعة أشهر، وخلال هذه الفترة سيختبر رواد الفضاء تغييرات فيزيولوجية ناتجة عن التعرض طويل الأمد لجاذبية ضئيلة.

تشمل هذه التغيرات ضمور العضلات، وفقدان كثافة العظام، وضعف الجهاز القلبي الوعائي، وغيرها. علاوةً على ذلك، قد تستغرق مهمة العودة ثلاث سنوات، وخلال هذه الفترة سيقضي رواد الفضاء عامًا على الأقل يعيشون ويعملون في جاذبية المريخ (36.5% من جاذبية الأرض).

هناك أيضًا خطر التعرض لإشعاع مرتفع الذي سيواجهه رواد الفضاء في أثناء التنقل وعند العمل على سطح المريخ. لكن توجد أيضًا تأثيرات صحية محتملة ناتجة عن التعرض للتربة المريخية بحسب ما وصفه وانغ في بريد إلكتروني لموقع (Universe Today):

«يوجد كثير من العناصر السامة المحتملة التي قد يتعرض لها رواد الفضاء على المريخ. والأهم من ذلك، وجود وفرة من غبار السيليكا، بالإضافة إلى غبار الحديد من البازلت والحديد النانوي، وكلاهما يتفاعل مع الرئتين وقد يسبب أمراضًا تنفسية. وما يجعل غبار المريخ أكثر خطورةً هو أن متوسط حجم جزيئات الغبار عليه أصغر بكثير من الحد الأدنى للحجم الذي تستطيع الرئتان طرده، لذا فهي أكثر احتمالا للتسبب بالأمراض».

خلال حقبة أبولو، أفاد رواد فضاء أبولو بكيفية التصاق غبار القمر ببدلاتهم الفضائية وجميع الأسطح داخل مركباتهم الفضائية. وعند عودتهم إلى الأرض، أبلغوا أيضًا عن أعراض جسدية كالسعال، وتهيج الحلق، وسيلان الدموع، ورؤية ضبابية.

في دراسة أجرتها ناسا عام 2005، دُرست تقارير ستة من رواد الفضاء في مهمة أبولو لتقييم التأثيرات العامة لغبار القمر في أنظمة (EVA)، وانتهت الدراسة إلى أن أكبر المخاطر الصحية تشمل تشويش الرؤية والاستنشاق والتهيج.

قال وانغ: «تسبب السيليكا مباشرة مرض السيليكوز، الذي يعد عادةً مرضًا مهنيًا للعاملين الذين يتعرضون للسيليكا (مثل عمال المناجم والبناء) … السيليكوز والتعرض لغبار الحديد السام يشبهان الالتهاب الرئوي لدى عمال الفحم، الذي يكون شائعًا بين عمال مناجم الفحم ويعرف على نحو غير رسمي بمرض الرئة السوداء».

إضافةً إلى تسببه في تهيج الرئتين ومشكلات التنفس والرؤية، يُعرف غبار المريخ بمكوناته السامة. وتشمل هذه المكونات البركلورات، السيليكا، أكاسيد الحديد (الصدأ)، الجبس، وكميات ضئيلة من المعادن السامة مثل الكروم، البيريليوم، الزرنيخ، والكادميوم، التي ما يزال فهم وفرتها محدودًا.

دُرست الآثار الصحية للتعرض لهذه المعادن على نطاق واسع على الأرض، وقد استعان بها وانغ وفريقه لتقييم المخاطر التي تُشكلها على رواد الفضاء المتجهين إلى المريخ في العقود القادمة، وكتبوا: «يُعد علاج رواد الفضاء على المريخ من الأمراض أصعب بكثير لأن وقت التنقل أطول بكثير من البعثات السابقة الأخرى إلى محطة الفضاء الدولية (ISS) والقمر. في هذه الحالة، علينا أن نكون مستعدين لمجموعة واسعة من المشكلات الصحية التي قد يُصاب بها رواد الفضاء خلال بعثاتهم الطويلة».

بالإضافة إلى ذلك، يؤثر ضعف الجاذبية والإشعاع سلبًا في جسم الإنسان، وقد يجعل رواد الفضاء أكثر عرضةً للأمراض، ويُعقّد العلاج. وقد يُسبب التعرض للإشعاع أمراض الرئة، ما قد يُفاقم آثار الغبار على رئتي رواد الفضاء.

بالإضافة إلى الغذاء والماء وغاز الأكسجين، تُعقّد المسافة بين الأرض والمريخ أيضًا توصيل الإمدادات الطبية الأساسية، ولا يُمكن إعادة رواد الفضاء إلى الأرض بسرعة لتلقي العلاجات المُنقذة للحياة.

وفقًا لوانغ وزملائه، يعني هذا أن البعثات المأهولة ستحتاج إلى أن تكون مكتفية ذاتيًا قدر الإمكان فيما يتعلق بالعلاج الطبي أيضًا.

كما هو الحال مع جميع المخاطر الصحية الرئيسية، يُشددون على ضرورة الوقاية أولًا، مع إنهم يُحددون أيضًا بعض التدابير المُمكنة للتخفيف من المخاطر.

كتبوا: «سيكون الحد من تلوث الغبار في مساكن رواد الفضاء والقدرة على تصفية أي غبار يتسرب من خلالها أهم إجراء مُضاد. بالطبع، سيتمكن بعض الغبار من المرور، خاصةً عندما تُصعّب العواصف الترابية المريخية الحفاظ على بيئة نظيفة».

وأضافوا: «وجدنا دراسات تُشير إلى أن فيتامين سي قد يُساعد على الوقاية من الأمراض الناتجة عن التعرض للكروم، وأن اليود قد يُساعد على الوقاية من أمراض الغدة الدرقية الناتجة عن البيركلورات».

وشددوا أيضًا على أن هذه التدابير المضادة وغيرها من التدابير المحتملة يجب أن تُتخذ بحذر. وأشار وانغ إلى إن تناول كميات كبيرة من فيتامين C قد يزيد من خطر تكون حصوات الكلى، وهو أمر يتعرض له رواد الفضاء بعد قضاء فترات طويلة في جاذبية ضئيلة.

بالإضافة إلى ذلك، قد يُسهم الإفراط في تناول اليود في الإصابة بأمراض الغدة الدرقية نفسها التي يُفترض أن يُعالجها في المقام الأول. لعدة سنوات، كانت وكالات الفضاء تعمل بنشاط على تطوير تقنيات واستراتيجيات للتخفيف من مخاطر تربة القمر والمريخ.

تشمل الأمثلة البخاخات الخاصة، والأشعة الإلكترونية، والطلاءات الواقية، بينما تدرس العديد من الدراسات والتجارب تربة المريخ لتعلم المزيد عن آليات نقلها وسلوكها.

مع تطور برنامج أرتيميس واقتراب البعثات إلى المريخ، من المرجح أن نشهد تطورات في علم الأدوية والعلاجات الطبية التي تُعالج المخاطر المرتبطة باستكشاف الفضاء أيضًا.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف جزيئات عضوية معقدة على سطح المريخ

لماذا تغطي العواصف الترابية المريخ لأشهر متتالية؟

ترجمة: إلياس الونيسي

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر