هل الظواهر الشمسية التي درسناها سابقًا وظنناها واضحة ومفهومة، هي كذلك فعلًا؟ تشير عمليات المحاكاة الجديدة إلى وجود حلقات من البلازما، أو حلقات إكليلية تنبثق من سطح الشمس على طول خطوط المجال المغناطيسي، قد تكون انحناءات في صفائح البلازما المتموجة.

أطلق علماء الفلك على هذه الظاهرة اسم «الحجاب الإكليلي»، ورأوا أنه من الضروري إجراء المزيد من الأبحاث لفهم كيف ولماذا تحدث هذه الظاهرة.

يرجع اهتمام العلماء بهذه الظاهرة إلى أهميتها، فمنذ رُصدت الحلقات الإكليلية بوضوح أول مرة في الستينيات، استخدمها العلماء لفهم خصائص الشمس، متضمنةً مجالها المغناطيسي، وكثافة غلافها الجوي ودرجة حرارته.

تقول عالمة الفيزياء الفلكية آنا مالانوشينكو من المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي: «أمضيت كل حياتي المهنية في دراسة الحلقات الإكليلية. لم أتوقع هذا قط، وذُهلت عندما رأيت النتائج».

الحلقات الإكليلية رائعة، فهي أقواس طويلة ومغلقة من البلازما المضيئة، تلتصق أحيانًا بالبقع الشمسية.

مع أن العلماء حللوا هذه الحلقات عقودًا من الزمن بهدف فهم الشمس بالكامل، ما زالت بعض الخصائص لا تتطابق مع توقعاتنا.

أولًا، الحلقات الإكليلية المرتبطة بالبقع الشمسية قد تكون أطول بكثير مما تشير الحسابات.

ثانيًا، الحلقات تحافظ على سطوعها حتى مع زيادة الارتفاع. لتوضيح ذلك نأخذ مثالًا برادة الحديد المتناثرة حول قضيب مغناطيسي، ستتشكل تلقائيًا على شكل حلقات، والحلقات الأكبر -الأبعد عن القضيب- تكون أرق وأقل كثافة.

برادة حديد على طول الحقل المغناطيسي لمغناطيس كروي

برادة حديد على طول الحقل المغناطيسي لمغناطيس كروي

تبدو الحلقات الإكليلية مثل حلقات برادة الحديد حول المغناطيس، لكن إذا كانت الحلقات الإكليلية تنتشر وفقًا للحقل المغناطيسي، فيجب أن تماثل انتشار برادة الحديد، لكن في الواقع فإن الحلقات العليا تماثل الحلقات السفلى في السطوع.

صممت مالانوشينكو وفريقها نموذجًا للهالة الشمسية باستخدام برنامج (MURaM)، الذي ينفذ محاكاة واقعية مغناطيسية هيدروديناميكية للشمس، وقد حُدث هذا البرنامج ليحاكي الهالة الشمسية، ما جعله أداة متقدمة تسمح لنا بفهم الحلقات الإكليلية فهمًا أفضل.

الحلقات الإكليلية، تصوير المركبة الفضائية Transition Region And Coronal Explorer / وكالة ناسا

الحلقات الإكليلية، تصوير المركبة الفضائية Transition Region And Coronal Explorer / وكالة ناسا

عندما أجرى الفريق عمليات المحاكاة، وجدوا أن هذه الحلقات ليست هياكل منفصلة، بل هي طيات من صفائح ضوئية رقيقة من البلازما. هذه الانحناءات سميكة وكثيفة، ما يسمح برؤيتها بوضوح.

كشفت المحاكاة أيضًا أن الحلقات الإكليلية قد توجد تلقائيًا، ما يعني أن الهالة الشمسية بيئة أعقد مما ظننا.

تقول مالانوشينكو: « تُذكرنا هذه الدراسة أن علينا دائمًا أن نتشكك في افتراضاتنا، وأن حدسنا قد يكون خاطئًا في بعض الأحيان».

إضافةً إلى الحجاب الإكليلي، يمكن لعمليات المحاكاة التي أجراها الفريق أن ترصد دورة الحياة الكاملة للتوهج الشمسي، من ثم نحصل على بيانات ثلاثية الأبعاد للغلاف الجوي الشمسي، يُمكن استخدامها لإجراء عمليات الرصد للبلازما والمجال المغناطيسي، لفهم الحجاب والحلقات بمزيد من التفصيل.
إن فهم هذه الهياكل من خلال المشاهدات الشمسية الفعلية ليس بالأمر السهل، فعندما تنظر إلى الحلقة من الجانب لن ترى شكل الحلقة، وعندما تراها من الأمام لن ترى امتدادها، إذ تشبه إلى حد بعيد شريطًا من البلازما.

تمكننا دراسة الحجاب الإكليلي من فهم بعض الخصائص الغامضة للحلقات الإكليلية، لكن ما زالت بعض الأسئلة تحتاج إلى إجابات، فكيفَ ولماذا تتشكل هذه الهياكل؟ وماذا يجعلها تنحني؟

من غير الواضح كم منها حلقات إكليلية حقيقية. ربما توفر المشاهدات التركيبية بعض الإجابات.

ذلك يتطلب تصميم طرق رصد وتقنيات تحليلية جديدة، لكن النتائج التي توصلنا إليها حتى الآن قد يكون لها أثر على مجالات أخرى في فيزياء البلازما، خاصة مع وجود بنى سائلة تصعب رؤيتها.

تقول مالانوشينكو: «توضح هذه الدراسة أن الطريقة الحالية التي نُفسر بها مشاهداتنا للشمس قد لا تكون كافية للتوصل إلى فهم حقيقي لفيزياء نجمنا. هذا نموذج جديد تمامًا لفهم الغلاف الجوي للشمس».

اقرأ أيضًا:

رصد أول تصادم بين نجم يمر بآخر مراحل حياته وكوكب موجود في نظامه النجمي

مخلفات فضائية ستصطدم بالقمر في شهر مارس الجاري!

ترجمة: أحمد عضيم

تدقيق: حسين الجُندي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر