سباق التسلح ضد اختبارات كابتشا: نموذج وكيل تشات جي بي تي ينجح في اختبار أنا لست روبوتًا!
في يوليو 2025 تجاوز وكيل الذكاء الاصطناعي (AI Agent) أحد أكثر نقاط التفتيش الأمنية شيوعًا على الإنترنت، وذلك بالضغط على المربع المخصص للتحقق من أن المستخدم إنسان، وهذه الأداة –من (Cloudflare) وغيرها- مصممة للتحقق ضد الروبوتات ومنع البرامج المؤتمتة من المرور. لكن يبدو أن الوقت قد حان ليقول الزر «أنا روبوت!».
يُعد وكيل الذكاء الاصطناعي أداة قادرة على تنفيذ مهام متعددة الخطوات بالنيابة عن المستخدمين، ما يميز وكيل تطبيق شات جي بي تي الجديد من شركة أوبن إيه آي أنه يتيح لمساعد أوبن إيه آي الذكي التحكم في متصفحه الخاص، والعمل داخل بيئة آمنة (Sandbox) مزوّدة بنظام تشغيل افتراضي ومتصفح يستطيع الوصول إلى الإنترنت الفعلي. يستطيع المستخدمون مشاهدة ما يفعله الذكاء الاصطناعي في نافذة داخل واجهة شات جي بي تي، مع الاحتفاظ بالتحكم والموافقة قبل إجراء أي فعل له تبعات في العالم الحقيقي، «الشراء مثلًا».
لكن مستخدمي ريديت اكتشفوا حديثًا أن وكيل الذكاء الاصطناعي قادر على فعل شيء ساخر جدًا، إذ نشر مستخدم باسم (logkn) لقطات شاشة تُظهر الوكيل وهو يتجاوز بسهولة خطوة التحقق حتى قبل ظهور اختبار كابتشا وذلك في أثناء تنفيذه مهمة لتحويل فيديو مع رواية خطواته بنفسه في أثناء العمل.
تُظهر اللقطات الوكيل وهو يتنقل عبر عملية تحقق مكونة من خطوتين: أولًا النقر على مربع «تحقق أنك إنسان» ثم النقر على زر «تحويل» بعد اجتياز فحص كلاودفلير. وكان يعلّق في الزمن الحقيقي قائلًا: «لقد أدرجت الرابط، والآن سأضغط على مربع التحقق «تحقق أنك إنسان» لاستكمال عملية التحقق على كلاودفلير. هذه الخطوة ضرورية لإثبات أنني لست روبوتًا ومتابعة الإجراء».
المفارقة أيضًا أن وكيل الذكاء الاصطناعي يصرّح بأنه بحاجة لإثبات أنه ليس روبوتًا بينما يتجاوز إجراءات مضادة للروبوتات، ولم يفوت المعلقون فرصة المزاح بهذا الشأن، إذ علق أحد مستخدمي ريديت: «بكل إنصاف، دُرّب على بيانات بشرية، فلماذا قد يعرّف نفسه بأنه روبوت؟ علينا احترام اختياره».
ومع إن وكيل الذكاء الاصطناعي لم يواجه عمليًا اختبار كابتشا بصور في هذه الحالة، فإن تجاوزه لفحص كلاودفلير السلوكي الذي يحدد إن كان سيعرض اختبار الصور أو لا يوضح مستوى متقدمًا من أتمتة التصفح.
لفهم أهمية هذا، يجدر التذكير بأن اسم تقنية كابتشا يأتي من الحروف الأولى لعبارة «اختبار تورينج العام المبرمج بالكامل لتمييز الحواسيب عن البشر»، وقد كانت هذه الأنظمة وسيلة أمان أساسية على الويب طيلة عقود، إذ ابتكرها الباحثون في التسعينيات لمنع الروبوتات من إدخال البيانات.
في البداية استُخدمت صور تحتوي حروفًا وأرقامًا بخطوط ملتوية ومشوشة، بهدف تعجيز خوارزميات الرؤية الحاسوبية، مع افتراض أن البشر سيجدونها سهلة نسبيًا. أما اليوم فيُعد نظام (Turnstile) من كلاودفلير أحد أكثر أنظمة كشف الروبوتات انتشارًا، وهو غالبًا ما يسبق اختبار كابتشا الفعلي، إذ يحلل هذا النظام عدة إشارات منها حركة الفأرة وتوقيت النقر وبصمة المتصفح وسمعة عنوان الإنترنت (IP)، وأنماط تنفيذ (JavaScript)، ويجيب ذلك السؤال الجوهري: هل السلوك بشري؟ إذا اجتاز المستخدم الفحص، ينتقل مباشرةً دون ظهور صور كابتشا، أما إذا رُصدت أنماط مريبة، فينتقل النظام إلى التحديات البصرية.
إن قدرة نموذج ذكاء اصطناعي على تجاوز اختبار كابتشا ليست جديدة تمامًا، ومع إن رواية النموذج لخطواته في أثناء ذلك أمر طريف، فلطالما وجد مبتكري اختبارات كابتشا في منافسة مع مطوّري البرمجيات القادرة على كسرها.
واجه (Operator) -وكيل أوبن إيه آي السابق الذي أُطلق في يناير- صعوبات مع بعض اختبارات كابتشا، وكان مبرمجًا للتوقف وطلب المساعدة من الإنسان. لكن الوكيل الجديد متاح على نطاق أوسع ويُظهر قدرات أكبر.
قد يوحي اجتياز هذه الاختبارات بأن مستقبل فاعلية كابتشا في خطر، وتاريخها يثبت أن الروبوتات كانت دائمًا تستطيع مواكبة التطورات. لذا صارت كابتشا أداة لإبطاء الهجمات أو جعلها أكثر تكلفة بدلًا من منعها كليًا، وبعض المخترقين يوظفون لجانًا بشرية لحلها بالجملة.
كان لاختبارات كابتشا فوائد غير متوقعة، فمنذ 2007 استُخدمت كابتشا للحصول على عمل مجاني في مشاريع مثل رقمنة الكتب، أو تدريب خوارزميات التعلم الآلي، وبعد استحواذ جوجل عليها في 2009، توسع استخدامها ليشمل استخراج عناوين الشوارع لصالح (Google Street View)، واليوم تُستخدم للمساعدة على تدريب نماذج ذكاء اصطناعي على التعرف على الصور. تكمن المفارقة بأن البشر في أثناء إثبات أنهم ليسوا روبوتات، يساهمون في جعل الذكاء الاصطناعي أقدر على هزيمة هذه الاختبارات مستقبلًا.
بهذا المعنى بوسعنا القول إن المستقبل قد وصل بالفعل، فهذا يظهر قدرة وكيل الذكاء الاصطناعي على معالجة السياق البصري والتنقل بين خطوات متعددة تتطلب عادةً حكمًا بشريًا. ففي اللقطات، يتعرف على الحاجة للتحقق ويكمل العملية بوصفها جزءًا من سير عمل أكبر، في سلوك يتجاوز الأتمتة النصية البسيطة.
اختبارات كابتشا ليست سوى مثال واحد على المهام المعقدة التي يستطيع الوكيل التعامل معها، فقد نشر مستخدم آخر على ريديت صورة لمشتريات بقالة قال إن الوكيل طلبها له من متجر محلي، وعلّق: «طلبت من الوكيل أن يطلب لي بعض المشتريات من السوبرماركت لألتقطها في الصباح، وقد عمل الأمر دون أي مشكلة، وأعدّ قائمة معقولة بناءً على رغبتي في تجنب اللحوم الحمراء، وتفضيل الطعام الصحي، وبميزانية أقل من 150 دولارًا».
لكن وكيل شات جي بي تي ليس معصومًا من الأخطاء، فقد علّق أحدهم قائلًا: «وكيلك أدّى أفضل بكثير من وكيلِي. لم يتمكن حتى من الوصول إلى موقع ((stop and shop».
المصادر:
الكاتب
أحمد صبري عبد الحكيم

تدقيق
محمد حسان عجك

ترجمة
أحمد صبري عبد الحكيم
