منذ عشرات ملايين السنين، كانت أسماك القرش الرملية الببرية تصطاد في المياه قبالة شبه الجزيرة القطبية الجنوبية، وتنساب فوق نظام بيئي بحري مزدهر في القاع.

ولم يبقَ من هذه الأسماك سوى أسنانها الحادة التي يمكننا من خلالها التعرف بعمقٍ أكثر على تاريخ أرضنا، إذ استنتِج عبرها السبب الذي دفع الأرض خلال الخمسين مليون سنة السابقة للتحول من كوكب دافئ المناخ (أدفأ من مناخنا الحالي) لكوكب بارد المناخ.

تصب العديد من النظريات اهتمامها على القارة القطبية الجنوبية لتفسير هذا التغير، وتوجد العديد من الأدلة الجيولوجية التي تثبت أنّ ممر دريك -بين أميركا الجنوبية والقارة القطبية الجنوبية- وبوابة تاسمان -بين أستراليا والقارة القطبية الجنوبية- اتسعا وازدادا عمقًا بالتزامن مع تحرك الصفائح التكتونية للأرض.

تظهر الصورة المُرفقة التيارات القطبية للقطب الجنوبي (الخطوط السوداء) بالإضافة إلى بحر القطب الجنوبي الجليدي (اللون الأزرق)

تظهر الصورة المُرفقة التيارات القطبية للقطب الجنوبي (الخطوط السوداء) بالإضافة إلى بحر القطب الجنوبي الجليدي (اللون الأزرق)

إن توسع، وازدياد عمق هذه الممرات كان ضروريًا لتشكل التيارات القطبية واندماج مياه المحيطات مع بعضها.

وتتسبب هذه التيارات في يومنا هذا، بالحفاظ على برودة القارة القطبية عبر حبس المياه الباردة في المحيط الجنوبي.

تركت السلالة المنقرضة من أسماك القرش الرملية التي تُسمى (Striatolamia macrota) العديد من الآثار التي حُفظت في منطقةٍ تتواجد فيها حاليًا جزيرة سيمور.

تمكن الفريق عبر دراسة هذه الأسنان المحفوظة من معرفة الوقت الذي توسع فيه ممر دريك، ما سمح باختلاط مياه المحيط الهادي والأطلسي.

وتثبت الحرارة المُسجلة من الأسنان الموجودة، أعلى درجات للمياه الموجودة هناك إضافةً إلى كثافة عالية لغاز ثاني أكسيد الكربون، ما يثبت التغير المناخي الذي تعرضت له القارة.

أكسجين موجود في الأسنان الحادة للغاية:

يمتلك قرش الرمل الببري أسنانًا حادة للغاية تساعده في الانقضاض على فريسته إذ يمتلك المئات من هذه الأسنان. وعلى مدار حياته، يتخلص من آلاف الأسنان مع نمو أسنان جديدة.

تُرمّز المعلومات البيئية الهامة في كيمياء الأسنان وتحفظ فيها لملايين السنين.

تتألف القشرة الخارجية للسن من هيدروكسيباتيت المينا، على غرار مينا أسنان البشر.

تسببت المياه التي عاش فيها القرش بوجود ذرات الأكسجين في الحفريات أيضًا. وعبر دراسة وتحليل هذه الذرات، تُعرف درجات الحرارة والملوحة للمياه خلال تلك الفترة.

من جهةٍ أخرى، أظهرت البيانات المستخلصة من الحفريات المُستخرجة من جزيرة سيمور أن درجات الحرارة في القطب الجنوبي -حيث عاش القرش سابقًا- حافظت على دفئها لفترة أطول مما توقع العلماء.

نجد دليلًا آخر يدعم النظرية: خلال فترة التحجر، تُستبدل العديد من العناصر في مينا الأسنان بالنيوديميوم Nd.

تختلف نسبة نظائر النيوديوم في الأحواض المحيطية نسبةً لعمر الصخور الموجودة فيه. وعبر رصد هذه النسبة، يُعرف مصدر المياه التي مات بها القرش.

في حال ثبات الظروف المحيطة، فإن نسبة النيوديميوم لا تتغير. أما في حال تغير النسبة مع مرور الوقت، فإنها تباعًا تؤكد تغيرًا في جغرافيا المحيط.

أسماك قرش كبيرة في مياه دافئة:

دُرس ما يقارب 400 سن مُتحجر مُستخرج من جزيرة سيمور، لأسماك قرش تختلف بالعمر، تواجدت منذ حوالي 45 مليون سنة.

وعبر دراسة البيانات عن حجم كل من هذه الأسنان والعناصر الموجودة بداخلها، ظهرت العديد من النتائج الصادمة.

بعض هذه الأسنان كانت ضخمة للغاية، ما يؤكد أن أسماك القرش الرملية كانت أكبر حجمًا حينها، من السلالة المتواجدة حاليًا Carcharias taurus، التي لا يتعدى طولها عشرة أقدام.

إضافةً إلى ذلك، تبين أن درجة حرارة المياه التي تواجدت بها هذه الأسماك كانت أكثر دفئًا مما توقعته دراسات سابقة. وقد يكون سبب هذه الفروقات بين الدراسات، هو قضاء هذه الأسماك معظم حياتها بالقرب من القارة الأمريكية الجنوبية.

أمّا أسماك القرش الرملية الحالية، فتعيش في المياه الدافئة. تقضي فصلي الصيف والخريف في ساحل ماساتشوستس وديلاوير.وعند إنخفاض الحرارة في هذه المناطق، تهاجر نحو ساحل فلوريدا وكارولاينا الشمالية.

بسبب النمو الدائم لأسنان هذه الأسماك، فإن عددًا منها في الفك يُظهر أدلة لمناطق أخرى يقضي فيها القرش الرملي حياته.

وكذلك الأمر بالنسبة للسلالة المنقرضة، إذ إن انخفاض درجات الحرارة في القارة القطبية الجنوبية دفعها إلى الهجرة أيضًا شمالًا نحو مناطق أكثر دفئًا.

وتُظهر البيانات أن درجات الحرارة التي عاشت بها السلالة المنقرضة تتقارب مع درجات الحرارة التي تعيش بها السلالة الموجودة حاليًا.

إضافةً إلى ذلك، يوجد اختلاف بنسبة غاز ثاني أكسيد الكربون، إذ إنها كانت أعلى بست مرات سابقًا.

ختامًا، فإن النيوديميوم الموجود في الأسنان المُتحجرة إضافةً إلى الأدلة الجيولوجية من الصفائح التكتونية، تؤكدان أن المياه عبرت من ممر دريك. إن توسع ومرور المياه من ممر دريك، وتأخر انخفاض درجات حرارة المياه، أدلةٌ على العديد من التفاعلات التي أثرت بالتغير المناخي حينها.

السلالة الشمالية لأسماك القرش الرملية:

عُثِر على العديد من أسماك القرش الرملية حول العالم خلال العصر الإيوسيني، ما يؤكد قدرتها على تحمل العديد من التغيرات البيئية. عاشت هذه الأسماك في مياه قليلة الملوحة منذ ما يقارب 50 مليون سنة، وكانت أصغر حجمًا من تلك الموجودة في القطب الجنوبي.

يظهر الترابط بين ملوحة المياه وحجم الأسماك أيضًا في خليج المكسيك. إن قدرة تأقلم أسماك القرش الرملية مع كافة الظروف تساعد السلالات الموجودة حاليًا في تحمل الازدياد المتسارع لدفء الكوكب، ولكن هذا الازدياد المتسارع قد لا يعطي هذه الأسماك وقتًا كافيًا للتكيف مع هذا التغيير.

اقرأ أيضًا:

هل كانت درجة حرارة الأرض عالية سابقًا كما هي عليه اليوم؟

الاحتباس الحراري يغير منظومة المحيطات

ترجمة: محمد مسلماني

تدقيق: أسعد الأسعد

المصدر