هل فكرت يومًا في الذهاب لقضاء إجازتك في القطب الشمالي؟ ستكون إجابتك «لا» إذا كنت لا تحب درجات الحرارة تحت الصفر ورحلات التزلج، لكن إذا كنت تعيش قبل 56 مليون سنة، فقد تجيب بشكل مختلف. إذ كان العالم في منتصف فترة قاسية من الاحتباس الحراري تسمى “الاحترار الأقصى في العصرين الباليوسيني والإيوسيني” Paleo-Eocene Thermal Maximum (PETM)، كانت درجة حرارة الأرض الأرض عالية حينها لدرجة أن حرارة القطبَين وصلت إلى درجات حرارة مدارية تقريبًا.

لكن هل وصل كوكبنا سابقًا لدرجات حرارة مرتفعة كهذه التي وصل إليها اليوم؟ ففي كل شهر يُسجَل رقم قياسي جديد لارتفاع درجات الحرارة!

اتضح أنّ الأرض مرّت بفترات من الاحترار الشديد لأكثر من مرّة واحدة، كان القطبين يتجمدان ثم ينصهران، ثم يتجمدا من جديد. ترتفع درجة حرارة الأرض حاليًا، وتَغير المناخ الحالي وحش مختلف، ومن الواضح أنه ليس مجرد جزء من دورة طبيعية أكبر، كما صرح ستيوارت ساذرلاند عالم الأحافير بجامعة كولومبيا البريطانية لموقع “Live Science”.

يتغير مناخ الأرض بشكل طبيعي على مدى عشرات الآلاف من السنين، تتغير دوراته حول الشمس ببطء ما يؤدي إلى تغيرات في كل شيء بدايةً بالفصول ونهايةً بأشعة الشمس.

ونتيجة هذه التغيرات المناخية، تمر الأرض بفترات جليدية (تعرف باسم العصور الجليدية) وفترات بين جليدية تكون أكثر دفئًا.

ولكن حدوث احتباس حراري هائل مثل الاحترار الأقصى في العصرين الباليوسيني والإيوسيني يتطلّب أكثر من مجرد تغير في ميل محور الأرض أو تغيّر مسارها حول الشمس.

تعود أحداث الاحترار الشديد دائمًا إلى نفس الجاني غير المرئي، وهو الذي نعرفه جميعًا اليوم: كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون. اعتُبرَت غازات الاحتباس الحراري (غازات البيت الزجاجي) المسؤول الرئيسي عن الاحترار الأقصى في العصرين الباليوسيني والإيوسيني.

(تأثير البيت الزجاجي أو الاحتباس الحراري: هو ارتفاع درجة الحرارة في بيئة ما نتيجة تغيير في سيلان الطاقة الحرارية من وإلى البيئة، وحسب اللجنة الدولية للتغيرات المناخية فإن أغلب الزيادة الملحوظة في معدل درجة حرارة الأرض منذ منتصف القرن العشرين تعود بشكل كبير لزيادة غازات الاحتباس الحراري (غازات البيت الزجاجي) المبعوثة من نشاطات البشر).

ولكن كيف ارتفعت تراكيز ثاني أكسيد الكربون إلى درجة كبيرة دون وجود البشر في هذين العصرين القديمين جدًا؟

يقول سيباستيان كاستيلتور، عالم جيولوجيا من جامعة جنيف، أن العلماء ليسوا متأكدين تمامًا، وأفضل تخمين لهم هو أن البراكين أطلقت ثاني أكسيد الكربون في الجو، ما أدى إلى حبس الحرارة، وربما ذوبان مخزون الميثان المُجمد بعد أن عُزل لفترة طويلة تحت المحيط، وهو غاز دفيء أكثر فعالية من ثاني أكسيد الكربون.

مجرد حدوث ومضي أحداث الاحترار الشديد الناجمة عن الغازات الدفيئة، لا يعني أن هذه الأحداث غير ضارة الآن.

مثلًا، حدث انقراض البرمي-الثلاثي Permian Triassic، الذي وقع قبل بضعة ملايين من السنين قبل ظهور الديناصورات على الكوكب، لقد كانت كارثة مطلقة بالنسبة للأرض وكل ما عليها.

(انقراض العصر البرمي-الثلاثي المعروف باسم الموت العظيم: هو انقراض جماعي وقع قبل 251.4 مليون سنة، في الفترة بين العصرين الجيولوجيين البرمي والثلاثي.

كان هذا الحدث أكبر حالة انقراض شهدتها الأرض، قضى على نحو 96٪ من كل أنواع الأحياء البحرية، وانقرض نحو 70٪ من كل أنواع الفقاريات الأرضية). قال ساذرلاند لموقع “Live science” حول هذا الانقراض:

«تخيّل الجفاف الشديد، النباتات تموت، والصحراء تنتشر في جميع أنحاء القارة».

ارتفعت درجة الحرارة 10 درجات مئوية. (يُقارن هذا بارتفاع درجة الحرارة 2.1 درجة مئوية الذي شهدناه منذ أن بدأ البشر في حرق الوقود الأحفوري). انقرضت حوالي 95٪ من الحياة البحرية و70٪ من الحياة البرية.

لم يُحدَّد تركيز الغازات الدفيئة بشكل دقيق خلال انقراض العصر البرمي-الثلاثي، لكن يُرجّح أنها أعلى بكثير مما هي عليه اليوم.

تشير بعض الطرز إلى أنها ارتفعت إلى 3500 جزء في المليون، أما تركيزات ثاني أكسيد الكربون الحالية أكثر قليلًا من 400 جزء في المليون ومع ذلك فإنه يعدّ تركيزًا مرتفعًا. لكن معدل التغير في تركيز ثاني أكسيد الكربون هو ما يجعل وضع اليوم غير مسبوق من نوعه:

استغرق الأمر خلال الانقراض البرمي-الثلاثي آلاف السنين لارتفاع درجات الحرارة (وفقًا لبعض الدراسات فإنها استغرقت حوالي 150,000 عام)، وخلال الاحترار الأقصى في العصرين الباليوسيني والإيوسيني -الذي يُعتبر حالةً سريعةً للغاية من حالات ارتفاع درجات الحرارة- استغرقت درجات الحرارة ما بين 10,000 إلى 20,000 عام للوصول إلى ذروتها.

أما اليوم فقد استغرق الاحترار 150 سنة فقط!!

هذا هو الفرق الأكبر بين تغير المناخ اليوم والتغيرات المناخية السابقة.

قال كاستيلت: «هذا ما يجعل عواقب التغير المناخي الحالي صعبة التّوقع، إذ يكمن القلق في عدم معرفتنا لمدى السرعة في تغير درجة حرارة الأرض والتي يصعب معها ضبط الحياة».

وأضاف أنه بناءً على أحداث الاحتباس الحراري السابقة لا يمكن لأي خبراء القول إن المعدل الحالي للاحترار لن يمتلك عواقب وخيمة. وقال: «نحن لا نعرف كم ستكون نتائجها كبيرة».

اقرأ أيضًا:

اذا كان الهواء الدافئ يرتفع، لماذا تنخفض درجات الحرارة كلما ارتفعنا عن سطح الارض؟

درجات الحرارة على كوكب عطارد

المترجمة: ساره حسين

تدقيق: بدر الفراك

مراجعة: آية فحماوي

المصدر