اضطربت الأسواق في وول ستريت، ما أدى إلى تراجع مؤشر إس آند بي بنسبة 10% مقارنة بمستوى الذروة الذي بلغه في يوليو، وإلى تغير يسميه الكثيرون تصحيحًا لهذا المؤشر المعياري.

تراجع مؤشر إس آند بي 500 بنسبة 0.5% أو 19.86 نقطة لتسجل قيمته 4117.37 بمُوفى يوم الجمعة، ما يعني أنه حاليًا أقل بنسبة 10.3 مما كان عليه يوم 31 يوليو حين كان في ارتفاع، إذ بلغ 4588.96، وهي الخسارة العاشرة التي يسجلها في الإثني عشر يومًا الماضية.

انخفضت قيمة الأسهم في الأشهر الثلاثة الماضية، فقد واجه المستثمرون حقيقة ارتفاع نسب الفائدة، إذ تحدث المسئولون في الاحتياطي الفيدرالي عن تثبيت نسب الفائدة «عند قيم أعلى ولمدة أطول»، فقد بلغت العوائد على سندات الخزينة على مدى 10 أعوام مستويات لم تشهدها منذ 2007. ويقول المحللون أن المستثمرين يشعرون بالقلق مما سيحدث في المدى المنظور من تصعيد للتوترات في الشرق الأوسط، ومن تراجع مرابيح الشركات.

أما مؤشر «داو جونز المتوسط للصناعة»، فقد تراجع بنسبة 1.1% أو 366.71 نقطة ليصل إلى 32417.59. وتراجع مؤشر «راسل 2000» للشركات الصغرى بنسبة 1.2% أي ما يعادل 20.07 نقطة ليصل إلى 1636.94، وهو مستواه الأدنى في الأعوام الأربعة الماضية تقريبًا.

كان مؤشر ناسداك النقطة المضيئة في السوق، إذ أحرز تقدمًا يعود إلى تحقيق الكثير من شركات التكنولوجيا والاتصال لأرباح مُعتبَرة. فارتفع المؤشر بنسبة 0.4% أو 47.41 نقطة ليصل إلى مستوى 12643.01.

سجلت قيمة أسهم أمازون ارتفاعًا بنسبة 6.8% بعد صدور تقرير أرباحها. وقد كان كل من ربحها ودخلها في هذا الصيف أفضل من المتوقع. وباعتبار أن الشركة هي إحدى أكبر الشركات في بورصة وول ستريت، فإن التغيرات في قيمة أسهم أمازون لها أثر كبير على مؤشر إس آند بي 500 وغيره من المؤشرات.

تُعد أمازون إحدى شركات التكنولوجيا «السبعة الكبار» المسئولة عن جزء مهم من انتعاش سوق الأسهم في وقت مبكر هذا العام. وغير أن هذه المكاسب المهمة الكبيرة تعني أيضًا أن هناك توقعات كبيرة مبنية عليها، وقد سجلت أسهم ألفابت و ميتا وتيسلا انخفاضًا حادًا في تقاريرها الأخيرة.

أما شركة إنتل التي لا تنتمي إلى «السبعة الكبار»، فقد ساعدت أيضًا على تدعيم سوق الأسهم، إذ ارتفعت قيمتها بنسبة 9.3% بعد تحقيقها لأرباح أكبر بكثير مما توقعه المحللون في الصيف.

لم تكن هذه المكاسب كافية لتعوض عن انحدار الأسهم عمومًا في مجالات الصحة والطاقة والخدمات المالية. وقد تعامل المستثمرون أيضًا مع قراءات مختلفة عن الاقتصاد.

انحدرت أسهم عدة شركات كبرى بعد أن سجلت مداخيل مخيبة للآمال في الثلاثيات الأخيرة. وانخفضت أسهم إكسون موبيل بنسبة 1.9% بعد أن سجلت انخفاضًا أكثر مما توقعته وول ستريت في الأرباح. وقد انخفضت قيمة أسهم شيفرون بنسبة 6.7% أيضًا بعد أن خيبت نسب أرباحها توقعات المحللين. وتقهقرت قيمة أسهم شركة فورد بنسبة 12.2% بعد أن حققت أرباحًا ومداخيل يومية مخيبة للآمال بعد أن توصلت إلى اتفاق تعاقدي مع اتحاد «عمال السيارات المتحدة».

قال «كوينسي كروسبي» كبير الخبراء الاستراتيجيين الدوليين لدى شركة LPL المالية أن تقلبات السوق كانت قاسية في آخر دورة من تسجيل الأرباح للشركات الكبرى رغم أنها هذه الأرباح كانت قوية في الغالب. وحسب سبر آراء أجرته شركة FactSet، يتوقع المحللون نموًا بنسبة إجمالية تبلغ 2.4% للشركات المُسجلة في «إس آند بي 500».

يقول كروسبي: «إن المُتعاملين في هذه السوق ينظرون إلى كل التفاصيل التي تصرح بها الشركات، قد نلاحظ أنهم حريصون أيما حرص مكافأة الشركات على أدائها».

لكن يبدو أن هذه المجموعة من التقارير الاقتصادية المختلفة لم تغير توقعات وول ستريت لقرارات الاحتياطي الفيدرالي فيما يخص نسب الفائدة في اجتماعه القادم.

يُظهر أحد التقارير أن التضخم لم يزل مرتفعًا الشهر الماضي حسب المقاييس التي يعتمدها الاحتياطي الفيدرالي، غير أنه لا يظل في حدود توقعات الاقتصاديين. ويُظهر أيضًا أن الإنفاق لدى المُستهلكين الأمريكيين أكثر من المُتوقع، مع أن نمو دخلهم كان أقل مما أتت به التنبؤات.

يقول تقرير آخر إن توقعات المستهلكين الأمريكيين للتضخم العام القادم قد ارتفعت من 3.2% إلى 4.2% الشهر الماضي. ويُعد ذلك مثيرًا للقلق خاصةً لدى الاحتياطي الفيدرالي الذي يخشى أن تؤدي مثل هذه التوقعات إلى دائرة مفرغة قد تزيد مشكلة ارتفاع التضخم سوءًا.

لقد رفع الاحتياطي الفيدرالي نسبة التضخم إلى ما يفوق 5.25% لتصل إلى مستواها الأعلى منذ عام 2001 رغبةً منه في إبطاء حركة الاقتصاد، والتأثير في تكاليف الاستثمار تأثيرًا كافيًا بهدف قطع الطريق أمام ارتفاع التضخم. وتتوقع الأغلبية الساحة أن يبقي الاحتياطي الفدرالي نسب الفائدة ثابتة في اجتماع تحديد السياسات الثاني على التوالي. أما أسواق وول ستريت، فقد بدأت بالاستعداد لسيناريو بقاء نسب الفائدة في مستويات مرتفعة لوقت طويل.

ظل العائد على سندات الخزانة لمدة 10 أعوام مساويًا لنسبة الفائدة الرئيسية الحينية التي يحددها الفيدرالي، ويظل الاقتصاد متينًا على نحو لافت للانتباه.

وتتزايد المخاوف بشأن ارتفاع مبالغ الدين الذي تأخذه حكومة الولايات المتحدة كي تمول إنفاقها.

بقيت قيمة العائد على سندات الخزانة لمدة 10 أعوام ثابتة في مستوى 4.84%. وقد ارتفعت بسرعة من نسبة أقل من 3.5% في الربيع إلى ما يزيد عن 5% في وقت سابق من هذا الأسبوع، وأدى هذا الارتفاع إلى تراجع أسعار السندات الأقدم التي تُتداول في السوق من قبل. إجمالاً، فإن «فقاعة السندات قد انفجرت» بعد أعوام من العائدات المنخفضة جدًا، حسب ما يقوله «مايكل هارتنت» الخبير الاستراتيجي في الاستثمار ببنك أمريكا.

لكنه حذر أيضًا من أن الأسعار في هذه الأسواق قد تبقى في نطاقات التداول لزمن طويل بعد انفجار الفقاعة قبل أن تتعافى جيّدًا، مثلما حصل للأسهم اليابانية بعد عام 1989 أو أسهم شركات الإنترنت بعد عام 2000. إذ صرح في تقرير BofA للبحوث الدولية أن العوائد على السندات قد لا تعود أسعارها إلى الانخفاض إلا إذا قررت الحكومة الفيدرالية في واشنطن أن تصبح «أكثر حزمًا في ما يتعلق بالانضباط المالي».

أما الأسواق المالية الأجنبية، فقد كانت قيمة مؤشراتها في الأغلب أدنى في أوروبا، وارتفعت ارتفاعًا ملحوظًا في أجزاء كثيرة من آسيا.

اقرأ أيضًا:

هل ستكون وول ستريت أفضل باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي؟

أسهم شركة جيم ستوب، ماذا حدث في بورصة وول ستريت؟

ترجمة: زياد نصر

تدقيق: رغد أبو الراغب

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر