تتدفق الأشعة الكونية عبر الكون غير مرئيةٍ بالنسبة للعين البشرية، ويرجع ذلك إلى أن أقصى ما يمكننا رؤيته هو الضوء ذو الأطوال الموجية المتوسطة. لذا لا نتمكن من رؤية عوالم كاملة لما لها من ترددات أعلى أو أقل من المدى الذي تراه العين البشرية.

ونتيجةً لما يتمتع به العقل البشري من مهارة عالية مكّنتنا من بناء أجهزة نستطيع بواسطتها رؤية الضوء ذي الترددات التي لا تستطيع أعيننا رؤيتها. على سبيل المثال الأجهزة في مرصد فيرمي الفضائي لأشعة غاما -الأشعة صاحبة الطاقة الأعلى في الكون- وهو مسبار فضائي يُستخدم لمتابعة مصادر أشعة غاما في الكون،ي وضع هذا المسبار عادةً في مدار منخفض حول الأرض.

يعمل هذا المسبار على مسح السماء بالكامل بانتظام لرصد مصادر أشعة غاما، ورصد تغييرها مع مرور الوقت؛ لتزويد علماء الفلك بخرائط توضح المصادر المتنوعة لأشعة غاما في الكون، ثم تُدون تلك البيانات في مرجع يستخدمه العلماء لمتابعة إنتاج أشعة غاما.

أظهر تمثيل البيانات باستخدام الصور المتحركة مدى التباين في مصادر أشعة غاما. إذ رُصدت من 1525 مصدرًا، ومُثِلت تلك المصادر بنقط أرجوانية نابضة.

جُمعت هذه البيانات في الفترة من فبراير 2022 حتى فبراير 2023. واستغرق تمثيل كل نقطة ثلاثة أيام من الملاحظة. وبالنظر إلى الصورة نجد أن زيادة حجم النقاط يدل على زيادة توهج أشعة غاما في الكون، بينما تمثل النقطة الصفراء المسار الواضح للشمس في السماء في أثناء تلك المدة.

طبّق عالم الفضاء الفيزيائي دانيال كوجفسكي؛ الذي يعمل لدى مركز مارشال لبعثات الفضاء التابع لوكالة ناسا بقوله: «إن المحرك الأساسي الذي دفعنا لجمع هذه القاعدة من البيانات معًا هو علماء الفلك لرغبتهم في مقارنة منحنى الضوء المرئي وأشعة غاما خلال مدة زمنية طويلة وذلك في أثناء دراستهم للمجرات»، وأضاف: «طُلِب منا إجراء عمليات على عنصر واحد في كل مرّة، أما الآن تمكن المجتمع العلمي من الحصول على جميع النتائج التحليلية المدونة في المرجع».

بالنظر إلى الصورة نجد أنّ معظم الأضواء المتوهجة التي نراها تأتي من نوع من المجرات يعرف بِـ بلازار؛ تلك التي تنتمي لمجموعة الكوازارات نفسها، والتي تُعرف أيضًا بالنجوم الزائفة.

الكوازار مجرة ذات نواة مجرية نشطة؛ أي ثقب أسود عملاق يبتلع المواد بمعدل هائل، ما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة المواد نتيجة النشاط العالي جدًا حول الثقب الأسود، الأمر الذي يؤدي إلى انفجاره عبر الفضاء مطلقًا بذلك أكثر الأضواء سطوعًا في الكون.

بعض هذه الكوازارات لديها تدفق في البلازما ينبعث من النواة المجرية إذ في أثناء تغذية الثقب الأسود تحيد وتتسارع بعض المواد الحائمة حوله عبر خطوط المجال المغناطيسي مبتعدةً بذلك عنه. وعندما تصل إلى الأقطاب تنطلق هذه المواد في الكون بسرعات عالية تقترب من سرعة الضوء في الفراغ.

فالبلازار هو كوازار يتوجه تدفقه أو يقترب من الأرض، ونتيجة لهذا يظهر أكثر توهجًا في الأطياف. فالبلازارات مصادر معروفة لأشعة غاما في الكون، ولكن ضوء البلازار يتغير في مدىً زمني قصير؛ لذا ساعد هذا التأرجح في الضوء علماء الفلك على دراسة الكيفية التي يتغذى بها هذا العملاق.

بربط البيانات، تمكّن العلماء من الإجابة عن العديد من التساؤلات المتعلقة بالكون. فعلى سبيل المثال رُصِدت نيوترينوات تعود إلى البلازار، بواسطة مرصد IceCube في القطب الجنوبي.

وبالنظر إلى المرجع الصادر من مرصد فيرمي نجد أن البلازارات تشكل أكثر من 90% من مصادر أشعة غاما في الكون، بينما 10% الباقية تصدر من النجوم النيوترونية النابضة ومن بقايا المستعرات العظمى ومن الأنظمة الثنائية مثل النجم النيوتروني الثنائي.

وبالتمعن في الرسم المتحرك نجد لمعانًا في مستوى مجرة درب التبانة يمتد في منتصف الصورة بلون برتقالي، والجزء الأكثر سطوعًا فيها يدل على زيادة التوهج الإشعاعي في تلك المناطق.

نأمل بإمكانية الحصول على نظرة أعمق فيما يتعلق بالظواهر المرتبطة بمصادر أشعة غاما، وذلك بزيادة مدة الاستكشاف والملاحظة. فعلى سبيل المثال تتبّع النيوترون حتى يصل إلى نشاطه في البلازار سوف يسهم في إيضاح عملية إنتاج تلك الجسيمات الغامضة.

وينسب لعالمة الفيزياء الفلكية ميشيل نيجرو؛ العاملة لدى جامعة ماريلاند في مقاطعة بالتيمور في مركز غودارد لرحلات الفضاء التابع لِناسا قولها: «بحصولنا على قاعدة البيانات الخاصة بمنحنى الضوء عبر التاريخ، سنتمكن من رؤية الأحداث الماضية بعمق».

الآن أصبحت لدينا صورة مقربة لما يمكننا رؤيته لو كانت لدينا أعين مختلفة!

يمكن الاطلاع مجانًا على نسخة محدثة من هذا المرجع من خلال الرابط

اقرأ أيضًا:

ما هي النجوم الزائفة أو الكوازرات ؟

الباحثون رصدوا أقوى إنبعاث لأشعة غاما في التاريخ

ترجمة: هند أمين

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر