اكتشف علماء آثار أوروبيون كمياتٍ من أسلحة العصر البرونزي التي يعود تاريخها لأكثر من 4000 عام، ومن الممكن أن تكون الأسلحة الأكبر حجمًا والأكثر تطورًا، يتناول هذا المقال ثمانية أسلحة بدأت في الظهور في السجلات الأثرية حوالي 2200 قبل الميلاد.

وقبل ذلك نذكر الخنجر ذي 28 إنش المعروف باسم (Oxborough Dirk) الذي يُعد مثالًا على الأسلحة المكتشفة، ويرجح أنه استُخدم في العروض الاحتفالية أو لإظهار المكانة أو السلطة، ولكن الأسلحة الأخرى تظهر علامات واضحة للنزال وتلميحات واضحة على المعارك العنيفة بين المجتمعات القديمة.

يقول أندريا دولفيني بوصفه أحد كبار المحاضرين في عصور ما قبل التاريخ اللاحقة في جامعة نيو كاسل البريطانية ومؤلف كتاب (القتال في العصر البرونزي: مقاربة تجريبية) إننا نستطيع أن نرى تطورًا حقيقيًا في الأسلحة خلال العصور البرونزية، وكان صنع البرونز في تلك الفترة ابتكارًا تقنيًا بارزًا متفوقًا على النحاس.

فهذا الخليط المعدني كان أكثر قوة وأسهل لتشكيل أسلحة أكثر تعقيدًا وطولًا.

1) الرماح

ظهرت الرماح قبل وقت طويل من السيوف، ونُحتت رؤوس الحربة القديمة من الصوان أو السبج (حجر بركاني أسود) وغيرها من الأحجار قبل ربطها في نهاية عمود خشبي. اختُرعت الرماح بالأصل للصيد، ثم تحولت الرماح ذات الرؤوس الحجرية للحرب، لكنها بدت أقل أهمية مقارنة بأول رمح صب في أوروبا بحربة برونزية حوالي 1800 قبل الميلاد، صنفت رؤوس الحربة في العصر البرونزي في أطوال وأشكال متعددة، بعضها صغير، مثل: رأس السهم والبعض الآخر يزيد طوله عن قدم، وكان أقدم رماح الحربة البرونزية التي اتصلت بعمود خشبي ممدودًا بشكل يشبه الذيل، لكن القليل من الأعمدة الخشبية استطاعت النجاة، وعندما تطورت تقنيات الصب لدى عمال الحديد استطاعوا إنتاج رؤوس حربة أطول وأكثر حدة مع تجويف مخروطي لإدخال العمود الخشبي فيه وتثبيته في مكانه. ولأن البرونز ما زال معدنًا خفيفًا مقارنةً بالحديد والفولاذ، يرى دولفيني أن مقاتلي العصر البرونزي استعملوا الرماح بطرق متعددة كأسلحة للطعن أو البتر. ونظَّم دولفيني وفريقه معارك تجريبية مستخدمين نسخًا مطابقة لرماح العصر البرونزي لاختبار صحة هذه النظرية وأضاف دولفيني: «إذا استخدمنا عصاً خفيفة الوزن يصبح الرمح سلاحًا مذهلا تستطيع استعماله كالسيف أو رميه مثل الرمح، لكن السؤال يكمن إن كان محاربي العصر البرونزي قد استخدموها بنفس الطريقة، ويبدو أن أنماط الضرر التي وجدت على الأسلحة الباقية تدعم هذه النظرية».

2) السيوف

كانت السيوف اختراعًا لاحقًا وتطورت إما من خناجر قصيرة أو رؤوس حربة كبيرة، وظهرت أول السيوف الحقيقية في العصر البرونزي بين 1700 و 1600 قبل الميلاد، وكانت مدببة وخفيفة الوزن مثل خنجر متطاول لكن دولفيني يقول: «أنماط الضرر على هذه السيوف البدائية تظهر أنها كانت ناعمة جدًا لتحمل الضربات المتكررة من نصل لنصل، وقرابة العام 1300 قبل الميلاد ظهر نوع جديد من السيوف بتصميم غير مجريات الأمور وانتشر حول أوروبا واستخدم كلا النوعين للطعن والبتر، لكن السيوف اللاحقة كانت أفضل عمومًا في تحمل ضربات أقوى ومعارك أطول أمدًا».

ويتابع: «كان لهذه السيوف الجديدة نتوء يقطع ثلثي المسافة على طول النصل ما يغير نقطة التوازن ويضيف الوزن، وإذا ضربت درعًا أو نصلًا فهي تملك قدرة أكبر للصمود أمام هذا التماس القوي». وأشار دولفيني إلى أن أطول سيف في العصر البرونزي قد بلغ وزنه أقل من كيلوغرام واحد، وفسيوف تلك الفترة أصغر وأخف وزنًا من سيوف العصور الوسطى.

3) الدروع والتروس

كانت التروس أسلحة أساسية في العصور البرونزية، وصنع 99% منها من الجلد أو الخشب، وبقي عدد قليل فقط من هذه التروس المصنوعة من الخشب أو المغطاة بالجلد على مدى آلاف السنين خاصة في المستنقعات الأيرلندية، وتطلب صنع التروس صقل البرونز في صفائح مسطحة وهي تقنية لم تُكتشف حتى العصر البرونزي المتأخر، ويقول دولفيني: «إن العجيب بالأمر هو قوة البرونز المصقول يدوياً مقارنة بلوح برونزي حديث ملفوف آليًا»، وأضاف أن الأمر لم يقتصر فقط على السماكة بل بلغ متوسط سماكة دروع العصر البرونزي 1 ميليمتر، لكن الفرق يحدث داخل البرونز، فعند ضرب البرونز ليأخذ شكله تتمدد الحبيبات الدقيقة لتشكل نسيجًا بطريقة ما، ما يشكل حاجزًا فعالًا جدًا ضد الاختراق. وفي معركة تجريبية لدولفيني وزملاءه مع نسخة من التروس البرونزية، حاولوا اختراق الترس بنسخة مطابقة للسيف فانثنت، وانكسر رأس حربة أيضًا، علمًا بأنهم استخدموا نفس الطريقة في تشكيل النحاس لتشكيل الدروع للمحاربين النخبة.

4) الفؤوس

يقول دولفيني: «كانت الفأس هي الأداة الأكثر استخدامًا في العصر البرونزي، وكانت غالباً مصنوعة من الأحجار واستخدمت بوصفها أداة لا سلاحًا». وتوجد كثير من الأمثلة لفؤوس برؤوس معدنية على مرِّ العصور البرونزية. وصقل عمال المعادن قدراتهم على مر العصور لإنتاج أنواع مختلفة من تصميمات رؤوس الفؤوس: (flanged, socketed, palstave)، وكان لفأس البالستاف (palstave) حواف جانبية تتلاءم بشدة مع قطعة من الخشب المصقول لتؤدي وظيفة الفأس، واختار صانعو الأدوات عمودًا خشبيًا معكوفًا بزاوية 90 درجة يثبت النصل في آخره، وسواء أكان هذا الفأس أداة أو سلاحًا فهو حتمًا أداة فتاكة.

5) المَطارِد

يُعرف المطرد بأنه شفرة برونزية منجلية الشكل متصلة بعمود خشبي أو معدني بزاوية قائمة، اكتشفه علماء الأثار في جميع أنحاء أوروبا ويعود تاريخه من 2200 إلى 1700 قبل الميلاد، وكان التمركز الأكبر له في أيرلندا وعند استخدامه سلاحًا يعمل مثل منجل محمول في اليد، محولًا قوة العزم الشديدة الموضوعة في المقبض المتأرجح نحو النصل الحاد.

وتبعًا لبحث حديث تشكلت بعض التساؤلات حول آلية استخدام المطارد التي وجدت في أيرلندا إن كانت قد استُخدمت في الطقوس الاحتفالية أو في النزاعات، لكن علامات الضرر التي وجدت على مطرد موجود في المتحف تشير إلى آثار معركة واضحة، وأظهرت تجارب أجريت بنسخة مطابقة لمطرد برونزي أن شفرة المطرد بمقبض مناسب من الممكن أن تخترق جمجمة الأغنام بسهولة لذلك تعد سلاحًا جبارًا.

6) الخناجر

كانت الخناجر القصيرة والمدببة من أوائل أسلحة العصر البرونزي لأنها تطلبت كمية ضئيلة من المعدن الثمين لصبها، وقد يعود تاريخ الخنجر البرونزي من قبرص الذي يبلغ طوله 6 إنش إلى 2500 قبل الميلاد. وكانت الخناجر اللاحقة مثل هذا الخنجر أسمك في المنتصف مع حواف مدببة وثقوب لتثبيته في المقبض، وعُثِر على نفس التصميم لدى السيوف القصيرة الاسكتلندية المسماة (dirks)، وهو مصطلح اسكتلندي لنصل خنجر كبير من العصر البرونزي من المحتمل أنها استخدمت في المراسم الاحتفالية، وهذا الخنجر الذي باعته كريستي في المزاد هو واحد من أصل خمسة في الوجود، ونظرًا لعدم احتوائه على ثقوب في أسفله لتثبيت المقبض، من المستحيل أنه صنع لكي يستخدم في معركة بل استخدم ليكون رمزًا قويًا للسلطة.

7) القوس والسهام

القوس والسهام هي طريقة قديمة استعملت للصيد وقتل الأعداء، وظهر نوعان من الأقواس في العصر البرونزي: القوس المنحني البسيط، والقوس المركب.

ويُبنى القوس البسيط من قطعة خشب واحدة وفي بعض الأحيان تُقوّى بالطنب والغراء الطبيعي، أما الأقواس المركبة كانت أكثر شيوعًا في مصر وبحر إيجة في العصر البرونزي، وتمتعت بقوة ومسافة أكبر بكثير من خلال لصق طبقات من الخشب وقرون الحيوانات والطنب.

طوال العصر البرونزي صنعت أغلب رؤوس الأسهم من الصوان أو حجر السبج، وفي ألمانيا وجد علماء الآثار عشرات الأسلحة من مكان يبدو وكأنه ساحة معركة من العصر البرونزي يعود تاريخها إلى 1300 و 1200 قبل الميلاد. وكان من بين الاكتشافات بقايا بشرية مع رأس سهم من حجر الصوان ما زال عالقًا في مفصل الكتف.

8) الهراوى والمطارق

يقول دولفيني: «بقيت الأسلحة الحادة شائعة خلال العصر البرونزي وحتى وقت لاحق، لكن كانت الأغراض الخشبية مثل الهروات نادرًا ما تذكر في السجل الأثري، لذلك السبب كان حدثًا استثنائيًا عندما وجد الباحثون سلاحين خشبيين سليمين تمامًا في نفس ساحة المعركة في ألمانيا، كان أحدهما عبارة عن هرواة خشبية ضخمة يزيد طولها عن قدمين مع نهاية سميكة تشبه مضرب البيسبول، والآخر كان أكثر خطرًا وكان شبه مطرقة رياضة الكروكيه بمقبض قليل الانحناء ورأس يشبه القبضة». وكتب الباحثون أنه لا يوجد شك أن الأسلحة الخشبية المشابهة لهذه المطرقة من الممكن أن تسبب جروحًا وخيمة مشيرين إلى إحدى الجماجم البشرية المكتشفة التي لاحظوا فيها كسرًا دائريًا كبيرًا في جبهتها.

اقرأ أيضًا:

أقدم آثار أقدام للبشر في أمريكا الشمالية تعود لآلاف السنين

تأثير مسلة حمورابي على النظم القانونية الحديثة

ترجمة: لؤي بوبو

تدقيق: حُسام الدِّين طَلعَت

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر