مفهوم الجاذبية مثلما نعرفها اليوم ما زال ثابتًا منذ ما يزيد عن 300 عام. في البداية وضع إسحاق نيوتن نظريته عن الجاذبية، واصفًا كيفية انجذاب الأجسام الضخمة إلى بعضها. بعد ذلك، ومنذ 100 عام، صقل ألبرت أينشتاين أفكار نيوتن ووسعها لإنشاء نظرية النسبية، موضحًا بأن الجاذبية هي الطريقة التي تقوم بها الأجسام، بخاصة عند حدود الكون، بتشويه نسيج الفضاء من حولها.

لكن ما تزال هناك بعض الألغاز في الكون التي لا تستطيع حتى أفكار النسبية التي اختُبرت جيدًا تفسيرها.

ما أكبر هذه الألغاز؟

إنها المادة المظلمة، المكوّن الأكثر شهرةً في علم الفلك اليوم.

يعتقد العديد من العلماء أن المادة المظلمة هي نوع من الجسيمات غير المعروفة حتى الآن، تخضع لقوانين الجاذبية التقليدية، بينما يعتقد البعض الآخر أنها في الواقع هي الجاذبية نفسها.

في هذا الرأي، ربما نحتاج إلى نظرية الجاذبية المعدّلة المعروفة أيضًا باسم MOND أو ديناميكية نيوتن المعدلة. إذ تقترح هذه النظرية أن الجاذبية تتصرف بشكل مختلف عن نظريتي نيوتن وآينشتاين في أثناء ملاحظتها عند مقاييس كبيرة وصغيرة.

قُوبلت MOND بالكثير من التشكيك بسبب النجاح الكبير لأفكار نيوتن وآينشتاين حول الجاذبية، لكن ملاحظات جديدة منشورة في مجلة الفيزياء الفلكية تزعم قدرتها على تقديم دلائل تدعم هذه النظرية بإلقاء نظرة مفصلة على الطريقة التي تتحرك بها النجوم الثنائية حول بعضها.

يوضح كيوهيون تشاي؛ عالم الفلك في جامعة سيجونغ في سيول بكوريا الجنوبية، ومؤلف الورقة الجديدة التي تدّعي وجود أدلة على MOND: «توفر النتائج الجديدة دليلًا مباشرًا على أن نظرية نيوتن ببساطة تنهار عند مستويات معينة».

استخدم تشاي بيانات من القمر الصناعي الأوروبي غايا، الذي كان يقيس مواقع وحركات النجوم بدقة غير مسبوقة خلال العقد الماضي، على وجه الخصوص، ركز على قياس تسارع النجوم الثنائية ذات المدارات الواسعة والمتباعدة، التي يظهر عندها اختلاف بين التنبؤات التي تقدمها نظرية MOND وما تقدمه النظريات التقليدية.

تتحرك هذه النجوم المتباعدة ببطء شديد، ما يسمح بإجراء اختبارات جاذبية، إذ يكون التسارع منخفض القيمة. وعند هذه القيم المنخفضة للتسارع يظهر التباين بين نظريتي الجاذبية، إذ تتنبأ الجاذبية المعدلة أن هذه النجوم ستتحرك أسرع بنسبة 30-40% مما تتوقعه الجاذبية التقليدية، وهو بالضبط ما يزعم تشاي أنه شاهده في البيانات.

يقول تشاي أنه عند مقاييس صغيرة مثل النجوم الثنائية لا يمكن أن يكون للمادة المظلمة تأثير يُذكر، فلا يمكنها تفسير الاختلافات المرصودة في تنبؤات الجاذبية التقليدية.

لدى كزافييه هيرنانديز؛ عالم الفلك في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك، الذي كان أول من اقترح فكرة اختبار الجاذبية بأنظمة ثنائية واسعة، لكنّه لم يشارك في العمل الجديد، لديه ثقة في هذه النتائج الجديدة، وبخاصة أنها تكمل عمله السابق.

يقول: «لقد ثبت وجود نهجين مستقلين ومتكاملين إلى حد كبير يقودان إلى النتيجة نفسها»، مشددًا على أن هذا مثال واضح على العملية العلمية.

أفضل تفسير لملاحظات تشاي هو نموذج معين من نظريات الجاذبية المعدلة يسمّى AQUAL MOND؛ أي أن عدم مطابقة سلوك الجاذبية لنظرية واحدة فقط، لا يعني التخلص من كل ما تعلّمناه عنه.

يقول الفيزيائي سيرجي كيتوف في بيان صحفي صادر عن معهد كافلي بجامعة طوكيو: «توجد عديد من النسخ لنظرية الجاذبية المعدلة، ذلك لأنها ببساطة يمكن أن تكون أي شيء يتجاوز حدود نظرية النسبية العامة لآينشتاين، فالجاذبية المعدلة لا تستبعد نظرية آينشتاين، لكنها تُظهر حدودها».

على الرغم من ذلك، لم يقتنع كل أفراد المجتمع العلمي بأن هذا دليل حاسم فعلًا لنظرية MOND. فوفقًا لإيثان سيغل؛ عالم التواصل العلمي، تأتي هذه النتيجة ثمرة تداخل ثلاثة عوامل: العلم الجيد، والعلم السيئ، والتغطية الإعلامية السيئة. وقد عبّر سيغل وغيره من العلماء عن قلقهم بشأن موثوقية الملاحظات المستخدمة في دراسة تشاي، حتى أن بعضهم نشر أبحاثًا متضاربة، وأبدوا استياءهم من المقالات التي تُظهِر هذا العمل بوصفه انتصارًا حاسمًا لفكرة التغيير في قانون الجاذبية. لكن بناءً على ما يُشير إليه علماء الفضاء في تحليلاتهم فإن النتائج تختلف، وهؤلاء العلماء يختلفون حاليًا في الافتراضات الصحيحة التي يجب اعتمادها.

يرد تشاي: «إذا كان أي شخص متشككًا حقًا، فيجب عليه أن يحاول دحض نتائجي». ومع ذلك، فهو يفهم الدافع وراء التشكيك به، ويضيف: «إن التحليلات التي تتعارض مع هذا البحث لم تتضمن توضيحًا لخطوات إجراء معايرة ذاتية. إن النظريات الحالية للجاذبية المعدلة تشبة نموذج بور الذري قبل تطوير فيزياء الكم فيما بعد». ثم يضيف: «لكن يجب علينا أن نتذكر أن فيزياء الكم قد تطورت في النهاية».

النظرة العلمية الكلاسيكية للذرة في المدارس الابتدائية هي نموذج بور، حيث تدور الإلكترونات حول النواة. وقد استُبدِل هذا المفهوم لاحقًا بوجهة نظر أكثر غموضًا وضبابيةً في نظريات ميكانيكا الكم.

فقط الوقت والكثير من الاختبارات هي ما سوف تحدد النظرية التي ستنتصر في النهاية، وما إذا كانت المادة المظلمة جسيمًا أم مجرد اضطراب في الجاذبية.

يقول هيرنانديز: «لدينا هذه النجوم الثنائية التي تدور حول بعضها أمامنا، ولا تفعل ما قال نيوتن بأنه ما يجب أن تفعله، لذلك لم يعد عدم التفكير في الجاذبية المعدلة مجرد خيار».

اقرأ أيضًا:

أكبر ألغاز المادة المظلمة

كل ما تود معرفته عن تاريخ الجاذبية

ترجمة: يوسف الشيخ

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر