ليس غريبًا أن يشتهي الإنسان كوبًا باردًا من الماء في يوم صيفي حار أو بعد تناول طعام مليء بالتوابل الحارة خاصةً، ولكن إذا كان يشعر بعطش شديد، فقد يكون ذلك علامة على وجود مشكلة تتطلب حلًا.

يشرح اختصاصي طب الأسرة ماثيو غولدمان أسبابًا متعددة تؤدي إلى الشعور بالعطش المفاجئ، وبعضها أكثر خطورة من الآخر.

أسباب شائعة للعطش الشديد

العطش هو آلية دفاعية تحذيرية، أو بعبارة أخرى، هذه هي طريقة الجسم لإعلام الشخص أن مستويات السوائل غير متوازنة.

تعتمد قدرة خلايا الجسم على العمل بطريقة صحيحة على وجود كمية متوازنة من السوائل داخل الخلايا وخارجها. وعندما يكون هناك نقص في السوائل خارج الخلايا مقارنةً بالسوائل داخلها، تُسحب السوائل من الخلايا لتعويض هذا النقص. ويؤدي نقص السوائل الناتج إلى تقليل قدرة الخلية على أداء وظائفها الأساسية الفيزيولوجية. وكما تمتص الإسفنجة الجافة الماء، يحدث ذلك عند شرب السوائل، فتستعيد الخلايا قدرتها على العمل بطريقة طبيعية مرة أخرى.

الأسباب الشائعة للشعور بالعطش تشمل:

 الجفاف:

  • غالبًا ما يشعر الإنسان بالعطش بسبب الجفاف، وقد يكون ذلك نتيجة لمشكلات صحية أدت إلى خسارته كميات من السوائل، مثل:
  •  الإسهال.
  •  القيء.
  •  التعرق الزائد.

إن هذا الشعور إشارة من الجسم إلى حاجته إلى مزيد من السوائل لتعويض ما خسره. لذا، عند الشعور بالعطش، يجب شرب السوائل لتعويض النقص والحفاظ على صحة الخلايا وأداء وظائفها الأساسية بطريقة صحيحة.

  •  ارتفاع درجة الحرارة: وهو أحد أكبر أسباب الجفاف، كما لو كان الشخص يمارس التمارين الرياضية على نحو مكثف أو يستريح فقط تحت أشعة الشمس على الشاطئ، فيحتاج الجسم إلى الماء للحفاظ على درجة حرارته من الارتفاع الشديد.
  •  ممارسة التمارين الرياضية: عند ممارسة التمارين الرياضية، تولد عضلات الجسم حرارة. وللحفاظ على عدم ارتفاع درجة حرارة الجسم الكلية، يحتاج الشخص إلى التخلص من تلك الحرارة المُولَّدة. والطريقة الرئيسية التي يتخلص بها الجسم من الحرارة في الأجواء الدافئة هي التعرق. فعندما يتبخر التعرق، تبرد الأنسجة الموجودة تحته، لكنه يسبب قلة مستوى الماء في الجسم، وهذا النقص في السوائل يؤثر في وظائف الجسم الطبيعية.

قد يسبب الجفاف الشديد مشكلات صحية جسدية وعقلية، لكن لحسن الحظ، عندما يكون الجسم جافًا، سيعطي الدماغ أوامر للبدء بشرب المزيد من السوائل.

تكشف المستقبلات الموجودة في الأوردة الدموية وحول القلب حجم السوائل المنخفضة، كذلك أيضًا مستقبلات في الشريان السباتي والأورطي تكتشف ضغط الدم المنخفض الناجم عن نقص السوائل.

كما تفرز كليتا الإنسان هرمونات خلال فترات الجفاف بسبب انخفاض تدفق الدم، وثمة أدلة قوية تدعم أن هذه الهرمونات تحفز مستقبلات دماغية، تنشط بدورها مراكز العطش في الوطاء (ما تحت المهاد)، ما يخلق الشعور بالعطش.

يحفز شرب السوائل المستقبلات في الفم والحلق، وترسل هذه المستقبلات بدورها رد فعل للوطاء لتقليل الشعور بالعطش.

 السكري

إن زيادة التبول والعطش المفرط علامتان بارزتان لبداية الإصابة بالسكري من النمط 2. وقد تشير هذه الأعراض لفرط السكر في الدم، وهو حالة يزداد فيها مستوى الغلوكوز في الدم دون الوصول إلى مرحلة السكري.

يطرح الجسم الكميات الكبيرة من السكر في الدم عبر الكلية في البول، وهي آلية دفاعية لمساعدة الجسم على التخلص من السكر الزائد.

عندما تدخل جزيئات الغلوكوز الزائدة إلى البول، يجذب الغلوكوز الماء معه مثل الإسفنجة. ونتيجةً لذلك، يطرح الجسم المزيد من البول، وتزداد عدد مرات التبول أكثر. ويؤدي فقدان هذه السوائل الزائدة في النهاية إلى حالة الجفاف، وقد ينتهي الأمر بالمريض في قسم الطوارئ.

 الأدوية

قد تسبب بعض الأدوية آثارًا جانبية مثل العطش. ومن المعروف مثلًا أن الليثيوم قد يؤدي إلى زيادة إخراج البول وزيادة العطش إثر ذلك؛ إذ يثبط الليثيوم نشاط الهرمون المضاد لإدرار البول (ADH) وتأثيره في الكلية، ما يزيد التبول والعطش.

تسبب أيضًا العديد من الأدوية الأخرى -كمضادات الذهان، ومضادات الاكتئاب، ومضادات الاختلاج، ومضادات الكولين، ومحفزات مستقبلات ألفا- جفاف الفم، ومن ثمّ تزيد الشعور بالعطش.

تشير الدراسات إلى أن مثبطات SGLT2 (نوع من أدوية السكري)، إضافةً إلى الستيرويدات، قد تزيد الشعور بالعطش. وتقلل مثبطات SGLT2 من مستويات السكر في الدم عن طريق نقل الغلوكوز من الدم إلى البول. وبالمقابل، ترفع الستيرويدات غالبًا مستويات السكر.

إذا بدأ الشخص بتناول الستيرويدات (سواء لفترة قصيرة أو طويلة)، فعليه مراقبة مستويات السكر في الدم أو التكيف مع مستوياته عن طريق تناول المزيد من الأدوية لمرض السكري.

 الأطعمة المالحة

الأطعمة المالحة لذيذة، لكن الجانب السلبي المعروف أنها تزيد العطش. فبعد تناول الأطعمة المالحة، يُمتَص الملح إلى الأوعية الدموية، ثم يجذب السوائل من الأنسجة إلى الدورة الدموية.

يؤدي هذا الضغط الزائد إلى تنشيط مستقبلات تشعر بزيادة مستوى الصوديوم في الدم. وتنتج الكليتان بولًا إضافيًا لتقليل مستويات السوائل والصوديوم في مجرى الدم لاستعادة توازن السوائل في الجسم، الأمر الذي يؤدي إلى جفاف الأنسجة.

 جفاف الفم

يجعل جفاف الفم الشخص يشعر بالعطش أكثر، ومع تنوع الأسباب التي قد تؤدي إليه، فالنتيجة واحدة.

 أمراض الغدة الدرقية

قد يؤدي فرط نشاط الغدة الدرقية إلى زيادة التعرق، ما يؤدي بدوره إلى العطش.

هل العطش يشير إلى الإصابة بالجفاف؟

لا يعني الشعور بالعطش أن الشخص مصاب بالجفاف دومًا. فهناك حالة مثلًا تسمى العطاش تعني وجود الرغبة في الشرب بطريقة ملحّة، ولكن لا تشير بالضرورة إلى الجفاف.

غالبًا ما يظهر هذا الاضطراب، في حالات الإصابة بأمراض الصحة العقلية الأساسية مثل الفصام. فقد يشرب المريض بطريقة مفرطة دون وجود أحد المحفزات الأساسية السابقة للعطش.

كيفية التعامل مع العطش

عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع العطش، فإن الترطيب هو المفتاح الرئيسي للحل، ومن طرق الترطيب ما يلي:

 شرب الماء

يُعد شرب الماء من أفضل الطرق للبقاء رطبًا وعدم الشعور بالعطش، مع أنه قد يخلق السؤال المطروح دائمًا عن عدد أكواب الماء التي يجب شربها يوميًا.

عمومًا، تختلف كمية المياه التي يحتاجها الفرد اعتمادًا على صحته الفردية، ومستوى نشاطه، وجنسه، وعمره، وغير ذلك.

وفقًا للكلية الأمريكية للطب الرياضي، يجب على الأشخاص النشطين شرب ما لا يقل عن 16 إلى 20 أونصة من السوائل قبل ساعة إلى ساعتين من النشاط في الهواء الطلق لتجنب الجفاف. وبعد ذلك، يجب أن يستهلك الرياضي نحو 6 إلى 12 أونصة من السوائل كل 10 إلى 15 دقيقة في الخارج. وعند الانتهاء من النشاط، يجب شرب المزيد أيضًا؛ لاستبدال ما فُقد من السوائل وقت التمرين، أي على الأقل 16 إلى 24 أونصة أخرى (2 إلى 3 أكواب).

 شرب السوائل مع الإلكتروليتات

تساعد الإلكتروليتات مثل الصوديوم والبوتاسيوم على الحفاظ على وظائف الجسم بسلاسة. فعند الشعور بالعطش، قد يكون من الأفضل شرب السوائل التي تحتوي على إلكتروليتات، مثل بعض المشروبات الرياضية.

إذا فُقدت مثلًا الإلكتروليتات عن طريق العرق، فيستحسن شرب محاليل استبدال الإلكتروليت التي يسهم الطبيب في انتقاء الأفضل منها حسب الحالة والرياضة. وقد يؤدي الإسهال والقيء وغيرها من طرق إلى فقد السوائل بكميات كبيرة، لذلك يجب أن يعوض الشخص حاجته اليومية إضافةً إلى النقص الذي حصل إثر هذه المشكلات الصحية.

 تجنب المشروبات الكحولية والسكرية والكافيين

يُنصح عمومًا بتجنب شرب السوائل التي تحتوي على كميات زائدة من السكر. فقد تؤدي في النهاية إلى زيادة مستويات السكر في الدم غير المنضبط ومن ثمّ التبول أكثر. لذلك يُنصح بتجنب المشروبات الكحولية، والكافيين مثل القهوة، والمشروبات الغازية أيضًا؛ إذ تسحب هذه السوائل الماء من الجسم وتزيد الجفاف.

 تناول أطعمة مرطبة

تساعد بعض الأطعمة الشخص على البقاء رطبًا لأن محتواها من الماء عالٍ، إضافةً إلى ما تحويه من العناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها الجسم، ونذكر منها:

  •  الخضروات: يحتوي الخيار والكرفس على نسبة عالية من الماء وسعرات حرارية أقل، ما يجعله وجبة خفيفة مثالية.
  •  الفاكهة: تُعد الفواكه مثل البطيخ والفراولة خيارات ممتازة. ومع 91% من محتوى الماء فيها، فإنها لذيذة وصحية ومرطبة، خاصةً في الطقس الحار.

 المراقبة الصحية المستمرة

قد يكون الجفاف لدى مرضى السكري أكثر خطورة من غيرهم. إذ قد يضطرهم إلى الذهاب إلى غرفة الطوارئ والحصول على السوائل عبر الوريد، وكذلك الفيتامينات والأدوية للسيطرة على مستويات السكر بأمان.

يجب على مرضى السكري أيضًا التحدث إلى الطبيب بشأن مستويات السكر لديهم وطرق ضبطها، وما مستوى سكر الدم الطبيعي الواجب تحقيقه، وكذلك ما يجب فعله إذا أصبحت هذه المستويات غير طبيعية، وكذلك كيفية تجنب الجفاف ومخاطره.

 العطش وفترة الصباح

هناك طريقة واحدة للتأكد من الترطيب الصحيح وهي فحص البول والانتباه للونه في الصباح؛ بغية الحفاظ على البول صافي اللون. فإذا بدأ في التحول إلى اللون الأصفر الغامق، فإن الإصابة بالجفاف محتملة، ويُستحسن في الصباح، شرب كمية كافية من الماء دومًا.

متى يجب التحدث إلى الطبيب بشأن العطش؟

في معظم الأحيان، يتغلب الإنسان على عطشه باتخاذ الخطوات البسيطة المذكورة آنفًا. ولكن في حالات قليلة، قد تكون هناك حاجة إلى مزيد من المساعدة.

أخيرًا، إذا كان الشخص ما زال يشعر بالعطش حتى بعد شرب الكثير من الماء، ولا يبدو أن العطش يزول مهما فعل، ويشعر بالحر دائمًا، فقد حان وقت التحدث إلى الطبيب.

اقرأ أيضًا:

الليثيوم في مياه الشرب عامل خطر محتمل للإصابة بالتوحد

لماذا يشكل شرب مياه البحر خطرًا على الإنسان؟

ترجمة: لمك يوسف

تدقيق: بدور مارديني

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر