لاحظ الباحثون في دراسة جديدة كيفية تأثير نظام الصيام المتقطع في معالجة السكري من النمط الثاني. إذ أنه بعد ثلاثة أشهر من اتباع هذا النظام وجدوا أنه ساعد في علاج ما يقارب نصف حالات مرض السكري من النمط الثاني عند المشاركين في الدراسة. ولكننا نحتاج إلى دراساتٍ أكثر على مجموعات واسعة من السكان لفهم مدى تأثيره في علاج السكري من النمط الثاني.

يُعد السكري من النمط الثاني مرض مستمر ومتطور مدى الحياة، يتميز بمقاومة الجسم للأنسولين، وارتفاع مستويات السكر في الدم.

ازدادت أعداد المصابين بالسكري حول العالم نحو خمسة أضعاف تقريبًا؛ من 108 مليون مصاب في عام 1980 إلى 537 مليون في عام 2021، حيث قُدرت نسبة المصابين بالسكري من النمط الثاني نحو 95% من إجمالي مرضى السكري.

وفقًا للمتداول، فإن مرض السكري من النمط الثاني غير قابل للعلاج، ولكن تُشير بعض الدراسات إلى إمكانية الشفاء منه.

وجدت دراسة أُجريت عام 2019 أن 46% من المرضى المشاركين في الدراسة حافظوا على مستويات ثابتة من السكر بضبط كمية السعرات الحرارية.

ووجدت دراسة أخرى أُجريت عام 2020 أن إجراء تغييرات في نمط الحياة -مثل التقليل من ملح الطعام والتوقف عن التدخين والحد من البروتين الغذائي وممارسة التمارين الرياضية- قاد لتحسين حياة 60% من المرضى المشاركين والذين عانوا السكري النمط الثاني مدة ثلاث سنوات.

أظهرت دراسة حديثة على حيوانات التجربة أن الصيام المتقطع قد يُحسن من حساسية الجسم تجاه الأنسولين. بينما بينت تجارب عشوائية مضبوطة أنه يُساعد على إنقاص الوزن لدى مرضى السكري من النمط الثاني.

حتى الآن، اكتشفت دراسة صغيرة الفوائد الصحية للصيام المتقطع في ضبط مستويات السكر لدى المرضى، وقد يكون إجراء المزيد من الأبحاث عن هذه الحالة مستقبلًا أمرًا بالغ الأهمية لعلاجها.

في دراسةٍ نُشرت حديثًا في مجلة clinical endocrinology and metabolism، قيمت الأبحاث في الصين تأثير اتباع نظام الصيام المتقطع لثلاثة أشهر في علاج السكري النمط الثاني، ولاحظوا شفاء 47.2% من المرضى المشاركين.

الصيام المتقطع وعلاقته بعلاج السكري النمط الثاني

لإجراء هذه الدراسة، تطلبت الأبحاث 72 مشاركًا تراوحت أعمارهم بين 38 و 72عامًا، جميعهم مصابون بمرض السكري من النمط الثاني لمدة تتراوح بين 1 إلى 11 سنة مع مؤشر كتلة الجسم BMI بين 19.1 إلى 30.4.

ولتوضيح الأمر، إن مؤشر كتلة الجسم BMI بين 18.5-24.9 يدل على جسم صحي، بينما BMI بين 25-30 فهو وزن زائد، وإذا كان فوق 30 فهو مؤشر على البدانة. ولكن هذا ليس مهمًا، إذ أن تصنيف مؤشر كتلة الجسم لا يُعتبر المقياس الأفضل لصحة الجسم العامة.

قُسم المشاركون إلى مجموعتين، كلًا منها يتألف من 36 فردًا؛ مجموعة تتبع نظام الصيام المتقطع والأخرى لا تتبع أي حمية محددة.

استمر إجراء التدخلات لتحسين نمط الحياة ثلاثة أشهر، وكل شهر قسمناه إلى نصفين وتضمن 6 فترات مختلفة.

في كل فترة، التزم المشاركون بنظام صيام مُعدل ومحدد مدة خمسة أيام، استهلكوا خلاله 840 سعرة حرارية مقسمة على ثلاث وجبات يوميًا، متبوعة بعشرة أيام تناولوا فيها كل ما يرغبون بكميات غير محددة بطريقة مشابهة لمجموعة الضبط.

اتبع المشاركون ضمن أيام الحمية المضبوطة الإرشادات العامة للسكري إذ تضمن الطعام نسبة ألياف عالية مع كميات سكر قليلة.

خضع المشاركون للفحوصات الأساسية مباشرةً بعد ثلاثة أشهر من التدخل، وأعادوها مرةً أخرى بعد 3 و 12 شهرًا.

استمر المشاركون خلال الحمية بأخذ أدوية السكري الموصوفة لهم مع المحافظة على القيام بأنشطتهم المعتادة.

بعد ثلاثة أشهر من هذا التدخل، 18 مشاركًا من مجموعة الصيام المتقطع وشخص واحد من مجموعة الضبط لم يعودوا بحاجة أدوية السكري بعد الآن.

أيضًا، انخفض وزن المشاركين في مجموعة الصيام المتقطع بمعدل 5.93 كغ بينما المشاركين بمجموعة الضبط انخفض وزنهم فقط بنحو 0.27 كغ.

أيضًا، شهدت نوعية الحياة في مجموعة الصيام المتقطع تحسنًا رائعًا مقابل انخفاضها في مجموعة الضبط.

بعد سنة من إجراء الدراسة، 16 من أصل 36 مشاركًا في مجموعة الصيام المتقطع حافظوا على مستويات مضبوطة من السكري، بينما لم يفعل أيًا من مجموعة الضبط ذلك، الأمر ذاته ينطبق على نوعية الحياة وفقدان الوزن.

لاحظت الأبحاث أن المشاركين الذين تناولوا خافضات السكر بكمية أقل في بداية الدراسة كانوا الأكثر احتمالًا لضبط مستويات السكر لديهم.

آلية علاج الصيام المتقطع لداء السكري النمط الثاني

لفهم كيفية علاج الصيام المتقطع من النمط الثاني، تواصل موقع medical news today مع كورتني بيترسون، دكتورة وأستاذة مساعدة في جامعة ألاباما.

الدكتورة بيترسون لم تكن مشاركة في التجربة السابقة لكنها لاحظت أن الصيام المتقطع قد يُعالج السكري النمط الثاني من خلال إنقاص الوزن، إذ قالت: «ما تعلمناه خلال العقد الماضي هو أنه إذا خسر الناس الوزن بسرعة كبيرة من خلال تناول ما يعادل وجبة واحدة في اليوم، فنحو 45% من المرضى المصابين بالسكري في مراحله الباكرة قد يكونوا قادرين على التخلص من أدويتهم وعلاج السكري لديهم، إذ أن فقدان الوزن السريع يُخلص الجسم من الدهون المتراكمة في الكبد والبنكرياس والعضلات، الأمر الذي يساعد البنكرياس على إنتاج المزيد من الأنسولين الذي يُنقص سكر الدم، وأيضًا يساعد الكبد والعضلات في أداء وظيفتهم في تنظيم سكر الدم».

أخبرت فيليسا ستيجر، دكتورة وأستاذة مساعدة في جامعة كنساس: «أنا أؤيد أن فقدان الوزن عاملًا مهمًا في علاج السكري».

وأضافت بأن الصيام المتقطع قد يؤثر أيضًا في ضبط سكر الدم بطريقة مستقلة عن خسارة الوزن.

قالت ستيجر: «تقترح المعلومات الأولية أن الصيام المتقطع يُحسن من طريقة استجابة البنكرياس لزيادة سكر الدم من خلال تحفيزه لإفراز الأنسولين. وأيضًا يُحسن الصيام المتقطع من الحساسية للأنسولين، وطريقة استجابة الخلايا لإشاراته من خلال قبط السكر من المجرى الدموي وإدخالهم إلى الخلية لاستخدامهم كمصدر للطاقة».

كيف تؤثر 16 ساعة من الصيام المتقطع على السكري النمط الثاني

عندما سُئل عن نوعية الصيام الأفضل لمرضى السكري من النمط الثاني، أجاب سانت أنتوني، كبير الأطباء ونائب الرئيس في الصحة العامة في جنوب فلوريدا: «أجد أن مدة الصيام الأكثر عملية والأفضل للمرضى هي 16 ساعة صيام، وكلما زادت مدة الصيام كلما كان فعالًا أكثر في علاج السكري».

وافقت سوزان ريندا، أستاذة مساعدة في كلية جون هوبكنز للتمريض على أن صيام 16 ساعة لأيام محددة في الأسبوع أفضل، وأشارت أن زيادة مدة الصيام قد ينتج عنه خلل في إنتاج الكبد للغلوكوز ويرفع مستوياته لدى البعض.

وقالت أيضًا: «قد نحتاج إلى تعديل أدوية المرضى لتجنب هبوط سكر الدم وتلبية احتياجاتهم من جميع أنماط الطعام المختلفة في أيام الصيام».

وعند طرح السؤال نفسه على آلان ريزينجر، المدير الطبي في MDVIP، قال: «بالنظر في الاختلافات بين الأفراد في طريقة الاستقلاب والتفضيلات الشخصية، ليس هناك نوعًا محددًا أفضل من الآخر، مع أن الحمية المتبعة في هذه الدراسة هي الأكثر فعالية في تقليل مستويات الأنسولين بسبب احتوائها على المغذيات الكبيرة -كالبروتين والكربوهيدرات والدسم- التي يجب أن تتواجد بكميات كبيرة ضمن الحمية وطوال فترة الصيام المستمرة خمسة أيام».

وافق جيس بيك دكتور وأستاذ مساعد في كلية الطب في جامعة ميشيغان، على أن نمط الصيام المتقطع يجب أن يكون مختلف من شخص لآخر، وأضاف أن المرضى المصابين بمراحل متقدمة من السكري قد لا يكونوا مناسبين لهذه الحمية.

وقال: «هناك أمرًا مهمًا لم يُناقش في البحوث العلمية؛ وهو المخاطر الأساسية المتعلقة بالصحة النفسية للمرضى، إذ أن بعض المرضى يتطور لديهم خطر الإصابة باضطرابات الأكل، لهذه الأسباب من الصعب وجود توصية عامة بأفضل حمية صيام متقطع، ولهذا أوصي أيضًا بممارسة التمارين الرياضية».

محدودية أبحاث الصيام المتقطع

عند السؤال عن عقبات هذه الدراسات، قالت دانا هانس، دكتورة وأستاذة مساعدة في جامعة كاليفورنيا: «درس البحث نمطًا واحدًا من الصيام المتقطع، وتضمنت العينة عددًا قليلًا من المشاركين مع مؤشر كتلة جسم متوسطة ومستويات سكر دم منخفضة للبدء معها، الأمر الذي يجعلهم مرجحين أكثر للشفاء مقارنةً بشخص مع مؤشر كتلة جسم فوق 35 ومستويات سكر أعلى».

وأضافت: «أتمنى أن أرى عينات أوسع من الناس المصابين بحالات معقدة أكثر من السكري النمط الثاني في دراسات أخرى، سأكون مهتمة لأراهم خلال الخمس سنوات اللاحقة».

لاحظ أيريك رافوسين، دكتور ومدير تنفيذي مساعد في مركز بينينغتون لأبحاث الطب الحيوي، أن ثلاثة مشاركين في الدراسة كان لديهم مؤشر كتلة جسم 24 ولهذا السبب كانت النتائج مختلفة عن المرضى من الولايات المتحدة الذين غالبًا لديهم مؤشر كتلة جسم بين 33-35 عند بداية التدخل.

قال الدكتور بوجا أوبال، المؤسس والمدير الطبي في healthy think: «أعتقد أن السكري من النمط الثاني هو مرض قلبي وعائي يؤثر في عدة أجهزة من الجسم، مثل الكليتين والعيون والقلب، ولكي تكون التدخلات لعلاج السكري فعالة يجب ألا نقوم بها لتحسين سكر الدم فقط، بل أيضًا للتقليل من الأمراض المرتبطة بالسكري، نحتاج لرؤية إن كانت هذه التدخلات قد حسنت معدل الوفيات لدى الناس، وقللت المشكلات القلبية لدى مرضى السكري».

اقرأ أيضًا:

وفقًا لدراسة أجريت على ذباب الفاكهة: قد يطيل الصيام المتقطع العمر

ما مراحل الصيام المتقطع؟

ترجمة: غنى عباس

تدقيق: نايا كركور

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر