يعد الكافيين مادةً مُحفزةً تزود مستهلكها بالطاقة وتوجد في الشاي والقهوة، إلى جانب عدة أنواع أخرى من الطعام والشراب. لم تحسم الأبحاث ما إذا كان الكافيين ذا تأثير سلبي أم إيجابي على أعراض الاكتئاب. لكننا في هذا المقال سنلقي نظرةً على كلا الجانبين المحتملين، علاوةً على ذلك سنذكر المأكولات والمشروبات التي يُنصح بها لمصابي الاكتئاب، وتلك التي ربما عليهم تجنبها.

ما فوائد الكافيين المُحتملة؟

بينت الدراسات العلمية التي بحثت في العلاقة بين الكافيين والاكتئاب أن الأول يمتلك قدرةً على التقليل من تفاقم أعراض الاكتئاب. أشارت أيضًا بعض الدراسات إلى قدرته على الحد من السلوك الانتحاري.

درس تحليل عام 2016 إحدى عشرة دراسةً رصدية (قائمة على الملاحظة) أجريت في الصين بين عامي 1980 و2015، وقد أثبتت دور الكافيين الهائل في التقليل من فرص إصابة الفرد بالاكتئاب.

درس تحليل آخر اثنتا عشرة دراسةً تضمنت بيانات 346,913 فردًا، منهم 8,146 مريض اكتئاب، إلى العلاقة بينه وبين الكافيين؛ توصل البحث إلى تمتع الكافيين بتأثير واقٍ من الاكتئاب، خاصةً إن كان مصدره القهوة. وُجد التأثير نفسه في الشاي، بنسبة أقل ولكنه كان ما يزال قادرًا على التقليل من خطورة الإصابة بالاكتئاب إلى حد معين.

أثبت تحليل بيانات 80,173 فردًا أن شرب كوب واحد إلى 4 أكواب من القهوة خلال اليوم الواحد قلل من خطورة الفكر الانتحاري لدى النساء، بينما لم يتأثر لدى الرجال.

لماذا تتفوق القهوة على الشاي في التقليل من خطورة الاكتئاب؟

ربطت دراسة يابانية عام 2014 بين القهوة والاكتئاب؛ عبر إثبات مكافحة بعض المكونات الموجودة في القهوة الآثار السلبية للاكتئاب، إلى جانب احتوائها على أحماض الكلوروجينيك والفريوليك والكافئيك، ذوي القدرة على التخفيف من التهاب الخلايا العصبية الموجودة في أدمغة مصابي الاكتئاب؛ ما قد يخفف بدوره من حدة أعراض الاكتئاب المزعجة الناتج بعضها عن الالتهاب.

مع ذلك، ليست كل أنواع الشاي قليلة التأثير على الاكتئاب مقارنةً بالقهوة؛ فوفقًا للدراسة تقاربت قدرة الشاي الأخضر من القهوة في الوقاية من الاكتئاب نظرًا لمحتواه الهائل من مضادات الأكسدة، إلى جانب احتواءه على حمض الفوليك الذي قد يساعد ضد الاكتئاب.

المخاطر المحتملة

لم تتفق كل الدراسات على أن الكافيين ذو تأثير أحادي على الاكتئاب؛ فكان لاستهلاكه سلبياته، منها:

اضطراب النواقل العصبية:

تشير مراجعة منهجية عام 2019، التي فحصت كيفية تأثر البالغين المكتئبين بالتغذية، إلى احتمالية عرقلة الشاي والقهوة عدة نواقل عصبية مهمة، منها الدوبامين وحمض غاما- أمينوبيوتيريك (GAPA) الذي يؤدي نقصه إلى زيادة انزعاج الفرد وقلقه وانتقاده للذات. تؤكد المراجعة المنهجية بالإضافة إلى ذلك تأثر الفرد وحاجته إلى حوافز خارجية عند نقص أو خلل نسب الدوبامين عند مصابي الاكتئاب.

قد ينتج عن المبالغة في شرب القهوة واستهلاك الكافيين المفرط الأعراض الجانبية الآتية:

  •  القلق.
  •  الصداع.
  •  ارتفاع ضغط الدم.
  •  الخفقان.
  •  الغثيان.
  •  التململ.

يتسبب للكافيين أيضًا في شعور الفرد بهياج وتوتر، والإصابة برعشات وأرق؛ فتكون النتيجة تأثر الحالة المزاجية. تتشابه هذه الأعراض مع تلك لنظام الكر والفر (Fight or flight)؛ وهو استجابة الجسم الطبيعية للمواقف المهددة للحياة التي ترفع نسب مستويات هرمون الأدرينالين، تعد المواد المحفزة مثل الكافيين من مثيرات هذا النظام. قد يتسبب تحفيز تلك الاستجابة مرارًا وتكرارًا، نتيجة استهلاك الكافيين المفرط، في ارتفاع مستويات القلق.

قد يسبب الكافيين تفاقم أعراض الاكتئاب

تبين وجود رابط بين استهلاك القهوة وحدة الاكتئاب في العديد من الدراسات. وفقًا لواحدة منهم في عام 2014، قد يزيد استهلاك الكافيين الاكتئاب سوءًا لدى من يعانون أصلًا اضطرابات مزاجية. سلطت الدراسة الضوء على وجود نزعة لارتفاع مستويات القلق عمومًا، وخاصًة لمن هم عُرضة للإصابة بنوبات هلع أو اكتئاب ما بعد الحمل.

كيف يؤثر انقطاع الكافيين على مرضى الاكتئاب

نظرًا لتأثير الكافيين المحفز قد يختبر الفرد أعراض انسحاب إن لم يحصل منه على جرعته المُعتادة، هذه الأعراض عندئذ قد تتداخل مع أعراض القلق والاكتئاب.

يزودنا الكافيين بدفعة مؤقتة مُحفزة لجهازنا العصبي؛ لذا قد تتدهور الحالة المزاجية لمصابي الاكتئاب بمجرد تلاشي تأثيره؛ لهذا السبب ينبغي على مرضى الاكتئاب استهلاك الكافيين باعتدال.

المأكولات والمشروبات التي يُنصح بتجنبها

يوجد بعض الأطعمة والمشروبات التي ينبغي على مرضى الاكتئاب الابتعاد عنها؛ هذا إذا أرادوا التغلب على الأعراض المزعجة التي يثيرها الكافيين ويعد السكر المكرر من أهمها، سواء كان في صورة قالب حلوى أو مُحلي؛ فهو محفز فوري، ولكن بعد زوال تأثيره قد يترك الفرد في حالة مزاجية أسوأ مما كان عليها قبل دخول السكر جسمه.

أطعمة أخرى ينبغي أن يحد منها أو يتجنبها الأشخاص الأكثر عرضةً للإصابة بالاكتئاب تتضمن ما يلي:

  •  المحليات الصناعية: وجدت علاقة بين استهلاك المُحليات الصناعية وارتفاع خطورة الإصابة بالاكتئاب في مراجعة منذ عام 2019.
  •  الأطعمة المُصنعة: تمتلك الأطعمة المُعلبة والوجبات الجاهزة نفس تأثير السكر على المعرضين للإصابة بالاكتئاب؛ إذ إن شركات التصنيع عادةً ما تعبئها بالملح والمواد الحافظة. توصلت دراسة تعرض (cohort studies) عام 2019 بين الطلاب الأسبان، إلى أن هؤلاء الذين استهلكوا الأطعمة المُصنعة فائقة المُعالجة حققوا أعلى نسبة خطورة للإصابة بالاكتئاب، خاصًة وإن لم يمارسوا الكثير من الأنشطة الجسدية.
  •  الزيوت المُهدرجة: توجد في الأطعمة المقلية والسريعة مثل البطاطس. بدا على الفئران في دراسة عام 2019، حين تناولوا حميةً غذائيةً عالية الدهون، أعراض مماثلة لأعراض الاكتئاب.
  •  المشروبات الكحولية: يتسبب استهلاكها المفرط في الاعتماد عليها بصفتها مثبط للجهاز العصبي المركزي، إلى جانب الإصابة بصداع ما بعد الكحول؛ ما قد يسيئ حالة الفرد المزاجية بدرجة كبيرة.

أطعمة تبطل الاكتئاب

لم توجد حمية غذائية وُثقت منافعها في مقاومة الاكتئاب. مع ذلك، حددت مراجعة منهجية عام 2018، 34 عنصرًا غذائيًا قد يؤدي نقصهم إلى تفاقم الاكتئاب، يتضمنها العناصر الآتية:

  •  حمض دهني أوميغا-3.
  •  فيتامينات بي.
  •  الزنك.
  •  الماغنسيوم.
  •  فيتامين د.

قد يحتاج الفرد أحيانًا إلى تناول هذه العناصر في صورة مكملات غذائية لعلاج أعراض الاكتئاب.

حللت المراجعة لائحةً شملت 213 نوعًا من الطعام، ورتبتهم في لائحة وفقًا لكثرة العناصر الغذائية المضادة للاكتئاب سابقة الذكر فيها.

تضمنت الأطعمة النباتية الآتي:

  •  الجرجير.
  •  السبانخ.
  •  الخردل واللفت، أو البنجر.
  •  الخس.
  •  السلق السويسري.
  •  الأعشاب الطازجة، مثل الريحان أو البقدونس.
  •  الهندباء.
  •  الكرنب الأجعد والكرنب الأخضر.
  •  البوملي (الليمون الكبير).

لم يُذكر أيًا من الشاي أو القهوة في تلك اللائحة؛ لأن الدليل على ما إذا كانوا ذا تأثير على مصابي الاكتئاب ليس قاطعًا. مع ذلك، فغالبًا لن يضر شرب هذه المشروبات باعتدال.

تضمنت الأطعمة الحيوانية الآتي:

  •  المحار.
  •  لحوم الأعضاء، وتشمل الكبد.
  •  كبد الدواجن.
  •  المحار.
  •  بلح البحر.
  •  لحم الأخطبوط.
  •  السلطعون.
  •  لحم الماعز.
  •  سمك التونة.
  •  سمك الهفيات.

هل تساعد مكملات الكافيين على التحكم في أعراض الاكتئاب؟

ربما يقدم الكافيين مساعدةً مؤقتةً لبعض مصابي الاكتئاب؛ لكنه في الوقت نفسه قد يتسبب في تفاقم أعراض الاكتئاب. تعتبر 400 ميليغرام يوميًا من الكافيين جرعةً آمنةً بالنسبة لمعظم الأشخاص، بشرط أن تكون إجمالي ما يتناوله الفرد من طعام وشراب ومكملات غذائية. لا تستدعي حالات الاكتئاب الخفيف اللجوء لمكملات الكافيين؛ فثلاثة أكواب من القهوة أو الشاي أو أي مشروب آخر يحتوي على الكافيين تؤدي الغرض، وأكثر.

النظام الغذائي المتنوع والمتوازن هو أساس سلامة الصحة النفسية والجسدية لأنه يمد الفرد بمجموعة واسعة من العناصر الغذائية. إذا شك أحدهم في إصابته بالاكتئاب، فأفضل خطوة يمكن أخذها ستكون استشارة الطبيب في ما إذا كانت مكملات الكافيين هي الخيار الصحيح، وعدم التسرع بتشخيص نفسه والمبادرة فورًا في العلاج.

اقرأ أيضًا:

ما تأثير إدمان الكافيين؟ وكيف يمكن التخلص منه؟

أطعمة غنية بالكافيين لم تكن تعرفها من قبل

ترجمة: سامية الشرقاوي

تدقيق: رغد أبو الراغب

مراجعة: آية فحماوي

المصدر