ماهو الكويزر؟

يا له من شيء محبّب للنّفس عندما يكتشف العلماء شيئًا غير عاديٍّ في الطّبيعة، ولا يكون لديهم أيّ فكرة عن ماهيّته، ثمّ بعد عقودٍ من البحث، تُبنى الأدلة ويَفهم العلماء ما الّذي كان يحدث.

المثال المفضّل لدي؟ الكويزر.

في السّتّينيّات، عرف علماء الفضاء أنّ بين أيديهم لغزًا عندما أداروا أوّل المقاريب (التلسكوبات) الرّاديويّة نحو السّماء.

اكتشفوا موجات الرّاديو المُتدفّقة من الشّمس، مجرّة درب التّبّانة وعدّة نجوم، ولكن ظهرت أيضًا أجسام غريبة لم يستطيعوا شرحها. هذه الأجسام كانت صغيرة وساطعة جدًا.

أطلقوا عليها اسم الأجسام شبه النّجميّة (Quasars)؛ أيْ الكويزرات. ومن ثَمَّ بدأوا النّقاش حول السّبب وراء وجودهم.

أوّلًا؛ وجدوا أنّه يتحرّك مُبتعدًا بسرعة تُعادل أكثر من ثُلث سرعة الضّوء.

لكن هل هذا صحيح؟

رُبّما كُنّا نرى تشويهًا للجاذبيّة بسببِ ثقبٍ أسودَ، أو رُبّما كانَ طرف ثقبٍ أبيضَ لثقبٍ دوديّ.

وإذا كان بهذه السّرعة، فإنّه بعيدٌ جدًّا؛ حوالي 4 ملياراتٍ من السّنين الضّوئيّة. كما أنَّهُ يُولّد طاقةً تُعادل من تُنتجه مجرّة كاملة بمئةِ مليار نجمٍ.

ما الذّي يُمكنه أن يضطلع بكلّ هذا؟
هنا أبدع علماء الفلك. ربّما لم يَكُن الكويزر بهذا السّطوع، وكان فهمنا خاطئًا لحجم وتمدّد الكون.

أو ربّما كُنَّا نرى نتاج حضارةٍ سخّرت كلَّ النّجوم في مجرّتها بشكلٍ ما إلى نوعٍ ما من الطّاقة.

ومن ثَمَّ في الثّمانينيّات، بدأ العلماء بالاتّفاق على أنّ مصدر هذه الكويزرات هو نظريّة المجرّة النّشطة (أيْ نَشِطة النّواة).

حيث في الحقيقة؛ إنّ العديد من الأجسام، مثل الكويزرات، الأجسام شديدة التّوهّج (البلازار) والمجرّات الرّاديويّة هي شيءٌ واحِدٌ، الفارق الوحيد هو أنّنا نراها من زاويةٍ مُختلفة.

وأنّ هناك آليّة مُعيّنة، تُحدِثُ في المجرّات انفجاراتٍ عديدة من التّدفّقات الإشعاعيّة الكونيّة المُنبعثة من نواها (نوى المجرّات).

ما هي تلك الآلية؟

نحن نعرف الآن أنّ كلَّ المجرات تملك ثقوبًا سوداءَ هائلةً في مراكزها، وتُعادل كتلتها مليارات الكُتَل الشّمسيّة.

عندما تقترب الموادّ كثيرًا من بعضها البعض، وبفعل الجاذبيّة، يتشكّل «قرص مزوِّد-accretion disc» حول الثّقب الأسود، فترتفع درجة حرارته لملايين الدّرجات، فتندفع منه كمّيّة هائلة من الإشعاع.

إنّ البيئة المغناطيسيّة حول الثّقب الأسودَ، تشكّل أزواجًا متطابقة من التّدفّقات والموادّ الّتي تطفو خارجةً إلى الفضاء لملايين من السّنين الضّوئيّة. وهذا ما يُعرف بـ«AGN» أو نواة المجرّة النّشِطة.

نحن نرى مجرةً راديويّة عندما يكون التّدفّق عموديًّا بالنّسبة لنظرنا.

أمّا إذا كان مائلًا بزاويةٍ ما، فإنّنا نرى كويزرًا.

وعندما ننظر إلى أسفل التّدفّق تمامًا، نرى بلازارًا (أجسام شديدة التّوهّج).

كلّ ما سَبَق، هو نفس الشّيء، لكنّ الرّؤيةَ تتمُّ من وجهات مُختلفة.

إنّ الثقوب السّوداء الهائلة، ليست دائمةَ التّغذية.

فإذا نَفِدَ الغذاء من الثّقب الأسود، فإنّ التّدفّقات تفقد طاقتها وتغلق. وتنتظر إلى أن يقترب شيءٌ آخر فيبدأ النّظام بِرُمّته بالعمل من جديد.

تملك مجرّة درب التّبّانة ثقبًا أسودَ ضخمًا في مركزها، لكنّه لا يمتلك الغذاء، كما أنّه لا يمتلك نواة مجرّة نشطة؛ إذن، فنحن لا نظهر كَكْويزرٍ بالنّسبة لمجرّة ما بعيدة عنّا.

لكن ربّما كُنّا كذلك في الماضي، وربّما سنصبح كذلك في المستقبل.

بعد حوالي 10 مليارات سنة، وذلك عندما تصطدم مجرّة درب التّبّانة مَعَ مجرّة أندروميدا، وعندها ربما يعود ثقبنا الأسود للحياة كَكْويزرٍ، مستهلكًا كلّ هذه الموادّ الجديدة.

إذا كنت ترغب بمعلوماتٍ أكثر عن الكويزرات، فإليكَ بهذه الرّوابط:

NASA’s Discussion on Quasars
NASA’s Ask an Astrophysicist Page about Quasars


  • ترجمة: آلاء صعيدي
  • تدقيق: عمار ياسر
  • تحرير : رغدة عاصي
  • المصدر