يمتلئ الكون بمليارات ومليارات المجرات على مدى ما يستطيع نظرنا الوصول إليه. ومع هذه الوفرة، تظهر بعض المجرات بطريقة مذهلة وتسمى الكوازار أو النجوم الزائفة. وهي مجرات تتوسطها ثقوب سوداء تجذب المواد بمعدل هائل، متوهجةً بضوءٍ يعد الأكثر سطوعًا في الكون، ومضيئةً مركز المجرة على كامل الطيف الكهرومغناطيسي.

تساءل علماء الفلك لعقود عن سبب حدوث نشاط شديد في بعض المجرات، وعن عدم حدوثه في بعضها الآخر.

يعتقد العلماء الآن أنهم وجدوا حلًا لذلك اللغز بإجراء دراسة دقيقة للنجوم الزائفة والمجرات الأُخرى. إذ توصل فريق بقيادة عالم الفلك جوني بيرس (Jonny Pierce) من جامعة هيرتفوردشير في المملكة المتحدة إلى أن نشاط النجوم الزائفة يُحَفَّز في معظم الحالات عندما تبدأ مجرتان مرحلة الاصطدام والاندماج.

يخبرنا هذا أنه خلال مليارات السنين عندما تبدأ مجرة درب التبّانة بالالتحام مع مجرة أندروميدا، ستبدو مجرتنا مثل نجمٍ زائفٍ مشتعل. وليس من المرجح أن يكون كوكب الأرض، ولا كل ما هو بشريّ موجودًا ليشهد ذلك الحدث.

يقول عالم الفلك كلايف تادهنتر من جامعة شيفيلد في المملكة المتحدة: «النجوم الزائفة واحدة من أكثر الظواهر المتطرفة في الكون، وما نراه من المحتمل أن يمثل مستقبل مجرة درب التبانة عندما تصطدم مع مجرة أندروميدا بعد نحو خمسة مليارات سنة».

وتابع قائلًا: «من المثير رصد هذه الأحداث، وفهم سبب وقوعها. ومن الجيد أيضًا أن الأرض لن تكون موجودةً بالقرب من أي من هذه الأحداث المروعة لبعض الوقت».

الثقوب السوداء هي أشد الأشياء ظلامًا في الكون، لذا يبدو الأمر متناقضًا بعض الشيء، بالنسبة إلى كونها القوة المحركة وراء أكثر ضوءٍ ساطع يمكننا رؤيته. وعلى الرغم من عدم إمكانية رؤية الثقب الأسود نفسه، فإن أفق الحدث -بقدر ما نعرف- لا يمكن تجاوزه من الداخل، إلا أن النشاط حوله يكون شديدًا.

عندما يبدأ الثقب الأسود بالتهام المادة في مداره، فإن مزيج المواد لا يسقط في الثقب الأسود مباشرةً، بل يدور حوله بسرعة عالية مثلما يدور الماء في قناة التصريف. إذ تُسخَّن المادة إلى درجات حرارة عالية جدًا نتيجة قوى الاحتكاك والجاذبية العالية، جاعلةً إياها تتوهج بالضوء على كامل الطيف. ويزداد الضوء الذي تصدره المواد كلما ازدادت كمية المادة، واشتد حقل الجاذبية.

النجوم الزائفة هي ثقوب سوداء فائقة الكتلة، تُراكم المواد إلى أقصى حد من سرعة ابتلاعها. وإذا ازداد سطوع هذه المواد فإن الضغط الإشعاعي الخارجي سوف يتجاوز قوة الجذب الداخلية دافعًا المادة إلى الفضاء مرةً أُخرى. وتستطيع الثقوب السوداء تجاوز هذا الحد لفترات قصيرة، ولكن ليس لحدّ تراكم المواد المستمر الملاحظ في النجوم الزائفة.

ومع ذلك، كان السؤال المطروح: من أين تأتي هذه المواد؟!

كان ذلك تحديًا، لأن دراسة تدفقات المواد نحو مراكز النجوم الزائفة وما حولها أمر صعب للغاية. حيث تكون البنى عادةً صغيرةً جدًا للرؤية في معظم النجوم الزائفة، إضافةً إلى أن توهج مراكز المجرات بشدة يمنع رؤية التفاصيل فيها.

إضافةً إلى ذلك، فإن الأحداث التي تؤدي إلى نشاط النجوم الزائفة تأخذ وقتًا أطول بكثير مما يستمر به نشاطها. وهذا يعني أن لكل نجمٍ زائف تظهر عليه علامات النشاط المحفز، توجد العديد من المجرات الأخرى التي تُظهِر نفس الأمر من دون بدء النشاط النجمي الزائف فيها بعد.

لذلك ركزت بعض الدراسات على تعداد النجوم الزائفة التي كوّنتها الاصطدامات المجرية بوصفه سببًا رئيسيًا. وعلى الرغم من الوعود التي قدمتها هذه الدراسات، فإن الاستنتاجات كانت غامضةً إلى حدٍ ما.

عندها باشر بيرس وزملاؤه ببحثٍ مفصلٍ أكثر على 48 نجمًا زائفًا قريبًا، على بعد 3.5 مليار سنة ضوئية، وقارنوها بـ 100 مجرة مشابهة لا تُظهِر نشاط نجمٍ زائف. وجدوا أن ثلثي النجوم الزائفة في بحثهم تظهر عليها إشارات اضطراب نتيجة جاذبية ناتجة عن اصطدامها بمجرة أُخرى. وهذا ما يُعد ثلاثة أضعاف معدل اضطراب الجاذبية الذي وجدوه في المجرات الطبيعية، ويبدو على حد قول الباحثين أن ذلك هو الحد الأدنى من معدل الاضطراب في النجوم الزائفة.

فعندما تتصادم مجرتان، تُسحب كمية كبيرة من الغاز بواسطة الجاذبية نحو الثقوب السوداء فائقة الكتلة، معطيةً وفرةً من الغازات لكي تبتلعها. وقد وجد فريق الباحثين أن الكثير من النجوم الزائفة المضطربة التي رصدوها كانت في طور ما قبل الاندماج، الأمر الذي يبين أن الغازات المتدفقة نحو مركز المجرة تُفَعِّل النشاط النجمي الزائف قبل اندماج نواتي المجرتين بوقتٍ طويل.

ما تزال هناك بعض الفجوات في فهمنا لذلك الحدث. إذ يمكن أن تكون التفاعلات المجرية هي المحفز الرئيسي للنشاط النجمي الزائف، ولكن توجد طرق أُخرى يمكن أن يُحّفَّز من خلالها هذا النشاط. لذا يجب علينا التحقق من أمرهم أيضًا.

كتب الباحثون: «على الرغم من أن نتائجنا تشير إلى أن الغاز المتدفق من التفاعلات المجرية يستطيع أن يزوّد مركز الثقب الأسود فائق الكتلة بالمعدل الدقيق من الكتلة الكافية لتحفيز النشاط النجمي الزائف قبل اندماج نواتي المجرتين بوقتٍ طويلٍ، فإنه يمكن أن يُحَفَّز في بعض الحالات خلال طور ما بعد الاندماج».

نُشر هذا البحث في الملاحظات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية.

اقرأ أيضًا:

رصد ثقب أسود يصدر ضوءًا يرتد على ذاته

ثقوب سوداء فائقة الكتلة تتراقص معًا داخل نجم زائف

ترجمة: فواز السيد

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر