أجرى التعاون الدولي لأجهزة فيزياء الليزر المضاد للهيدروجين ALPHA، تجربة حديثة حققت أول قياس مباشر لحركة المادة المضادة في أثناء السقوط الحر؛ إذ إنه فيما يتعلق بمجال الجاذبية فإن كلًا من المادة والمادة المضادة تستحقان اهتمامًا كبيرًا.

لو أن تلك النتائج كانت مختلفة، فقد يكون لدينا أول دليل قوي حيال ما وصل إليه الكون منذ قرابة 13.4 مليار سنة.

تعد المادة المضادة النظير الكمّي للنوع المألوف من المادة التي تكوّن الأشياء في حياتنا اليومية. إذا عكسنا شحنة الإلكترون وبعض الخصائص الدقيقة الأُخرى، فسنحصل على جسيم صغير مساوٍ له لكنه يحمل شحنة موجبة يسمى البوزيترون. أما إذا أنشأنا بروتونًا من الكواركات المضادة، فسنحصل على جسيم مكافئ له سالب الشحنة يسمى البروتون المضاد. وإذا جمعنا هذين الجسيمين معًا، فسنحصل على ذرة هيدروجين مضادة: جسيم موجب الشحنة يدور حول نواة سالبة الشحنة.

على الرغم من أن الكون قادر على خلق جسيمات المادة المضادة أكثر من قدرته على خلق المادة، فإننا إذا جمعنا كلا المادتين معًا، فإن خصائصهما ستُلغى بسرعة تاركة وراءها فقاعة من أشعة جاما تتوسع بسرعة ما يدل على وجودهما في وقت ما.

هذه الحقيقة الواضحة في حسابات الكون تطرح لغزًا:

لماذا لدينا كون مليء بالمادة بما فيها من النجوم والكواكب والمجرات إذا كانت كمية مكافئة من المادة المضادّة قد ظهرت في الانفجار العظيم على الفور لإلغاء كل ذلك؟

في حين أن بعض الفيزيائيين قد شككوا في الفرضيات المتعلقة بخلق المادة المضادة وإلغائها، تحدى آخرون الافتراضات المتعلقة بالسلوكيات الأساسية للمادة المضادة. على سبيل المثال، إذا كانت البوزيترونات تتنافر بسبب الجاذبية بدلًا عن تجاذبها، فقد تكون المادة قد قُسمت إلى نوعين مختلفين منذ البداية. إنها فكرة رائعة، حتى لو لم تكن مدعومةً بنظرية.

وفقًا لـ جوناثان وورتيل، فيزيائي البلازما في جامعة كاليفورنيا في بركلي، وعضو في تعاون ALPHA، قال: «إذا كان الهيدروجين المضاد مختلفًا بطريقة ما عن الهيدروجين، فسيكون ذلك أمراً ثوريًا لأن القوانين الفيزيائية، سواء في الميكانيكا الكمية أم في الجاذبية، تشير إلى أن سلوكهما يجب أن يكون متماثلًا. على الرغم من ذلك، لا يمكننا معرفة ذلك حتى نجري التجربة».

إن إجراء مثل تلك التجربة أمر سهل، لذلك لقد قارنّا تأثير الجاذبية في أنواع مختلفة من المادة بما يُعرف بمبدأ التكافؤ الضعيف قبل وقت طويل من زعم غاليليو أنه ألقى كتلةً من أعلى برج بيزا.

يعد إسقاط كتلة مصنوعة من المادة المضادة أمرًا مختلفًا تمامًا؛ يُعزى ذلك لسبب واحد هو أنه في حين أننا نستطيع تصنيعها باستعمال مصادم الجسيمات، لكن لم يُنتج سوى عدد قليل من النانوجرامات من البروتونات المضادة والبوزيترونات على مدى العصور.

إن إبطاء المادة المضادة وتخزينها ونقل الجسيمات المضادة بهدف إجراء الاختبار هي المشكلة الثانية؛ مردّ ذلك إلى ضعف الجاذبية مقارنة مع قوة الكهرومغناطيسية الهائلة، فقوة الجاذبية المُطبقة على بروتون واحد على سطح الأرض هي نفس قوة المجال الكهربائي التي تبلغ 0.000001 فولت لكل متر مربع.

تعد الحقول المغناطيسية أكثر تعقيداً؛ إذ يتعين على العلماء التفكير بعمق خارج الإطار المعتاد لإيجاد طرق لمعرفة ما إذا كانت جسيمات المادة المضادّة تسقط بنفس الطريقة مثل الجسيمات المادية.

اكتشف الباحثون في عام 2022 دليلاً غير مباشر يشير إلى أن الجاذبية تؤثر في المادة والمادة المضادة بالطريقة نفسها؛ إذ إنه من خلال تسابق النوعين المختلفين من المادة حول الفخ لمدة 18 شهرًا، لم يجدوا أي دليل يشير إلى أن الجاذبية كان لها تأثير مختلف في المادة المضادة.

وفي خطوة أبعد في التجارب، ابتكر فريق ALPHA غرفة مفرغة عمودية بها حقول مغناطيسية قابلة للتعديل، وأسقطوا جزيئات من الهيدروجين المضاد في منتصفها.

يقول وورتيل: «إننا ننتج المادة المضادة وننفذ تجربة تشبه تجربة برج بيزا المائل».

بواسطة تغيير الحقول المغناطيسية والتحكم بها، تمكن الباحثون من إلغاء تأثيراتها، ما يجعل قوة سحب الجاذبية متمثلة في دفع عدد أكبر من الجزيئات للسقوط نحو الأرض بدلًا من تسارعها نحو الأعلى.

تشير التجربة إلى أنه يمكننا تجاهل الاقتراحات التي تفرض أن الجاذبية قد فرزت المادة المضادة من رماد الانفجار العظيم، على الأقل حتى الآن.

على الرغم من ذلك، ما يزال هناك احتمال ضئيل بأن الجاذبية تفضل أحد التوائم الذرية أكثر من الآخر. إذا حدث ذلك، فقد يفسر لماذا ورثنا هذا الكون بطبيعته هذه.

نُشِرَ البحث في مجلة Nature.

اقرأ أيضًا:

لأول مرة: العلماء يخططون لاستخراج المادة المضادة من خارج المختبر

هل تتحرك المادة المضادة بالفعل إلى الوراء عبر الزمن؟

ترجمة: محمد فواز السيد

تدقيق: ريمي سليمان

المصدر