يقترح العلماء والفلاسفة قائمة مبنية على نظريات الوعي البشري.

في عام 2021، طُرد مهندس غوغل بليك ليموين بعد تصدره عناوين الأخبار عندما ادعى أن برنامج الدردشة الذي كان يعمل عليه (لامدا) كان واعيًا.

من المؤكد أن أنظمة الذكاء الاصطناعي، وخاصةً ما يسمى بنماذج اللغات الكبيرة مثل لامدا وشات جي بي تي قد تبدو واعية، إذ تُدرب هذه البرامج على كميات هائلة من النصوص لتقليد الاستجابات البشرية، فكيف يمكننا أن نعرف الفرق حقًا؟

الآن، توصلت مجموعة مكوّنة من 19 من علماء الكمبيوتر وعلماء الأعصاب والفلاسفة إلى نهج ليس اختبارًا نهائيًا واحدًا، بل قائمة طويلة من الصفات التي قد تقترح عند تحققها كلها، ولكن لا تثبت أن الذكاء الاصطناعي واعي.

في ورقة مناقشة مكونة من 120 صفحة نُشرت كطبعة أولية، اعتمد الباحثون على نظريات الوعي البشري لاقتراح 14 معيارًا، ثم تطبيقهم على برامج الذكاء الاصطناعي الحالية، بما في ذلك النموذج الذي يشغل شات جي بي تي.

خلصوا إلى أنه من غير المرجح أن يكون أي منهم واعيًا، لكن هذا العمل يقدم إطارًا لتقييم أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تصبح شبيهة بالبشر أكثر فأكثر، كما يقول المؤلف المشارك روبرت لونج من مركز أمن الذكاء الاصطناعي غير الربحي ومقره سان فرانسيسكو: «نحن نقدم منهجية منظّمة كانت مفقودة سابقًا».

يقول أديل راضي، عالم برمجة الأعصاب بجامعة موناش، مع أحد زملائه من المعهد الكندي للأبحاث المتقدمة (CIFAR)، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة: «إن هذه خطوة قيّمة للغاية، نحن نبدأ المناقشة بدلًا من التوصل إلى إجابات».

حتى وقت قريب، كان الوعي الآلي موجود فقط في أفلام الخيال العلمي مثل Ex Machina، يقول لونج: «عندما طُرد بليك ليموين من جوجل بعد أن أقنعه نموذج الذكاء الاصطناعي لامدا بأنه واع، كان ذلك بمثابة تغيير، فإذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على إعطاء انطباع بالوعي، فهذا يجعله أولوية ملحة للعلماء والفلاسفة للنظر فيه».

نظّم لونج والفيلسوف باتريك بوتلين من معهد مستقبل الإنسانية بجامعة أكسفورد ورشتي عمل بشأن كيفية اختبار وعي الذكاء الاصطناعي.

ترى إحدى المتعاونات، وهي عالمة برمجة الأعصاب ميغان بيترز من جامعة كاليفورنيا في إيرفين، أن هذه القضية لها بعد أخلاقي قائلة: «كيف يمكن أن نتعامل مع الذكاء الاصطناعي بناءً على احتمالية وعيه؟ شخصيًا، هذا جزء مما يجبرني على ذلك».

تضيف أن تجنيد باحثين من تخصصات متنوعة يهدف إلى «استكشاف عميق ودقيق» قائلة: «لقد أدى لونج وبوتلين عملًا رائعًا في هذه المهمة الصعبة للغاية».

كانت أولى مهام المجموعة هي الوصول إلى تعريف للوعي، (كلمة مليئة بالفخاخ)، كما يقول عضو آخر، رائد التعلم الآلي يوشوا بنجيو من معهد ميلا كيبيك للذكاء الاصطناعي. قرر الباحثون التركيز على ما أطلق عليه الفيلسوف نيد بلوك من جامعة نيويورك «الوعي الظاهري (الوعي مُدرَك بالحواس)»، أو الجودة الذاتية للتجربة أي ما تعنيه رؤية اللون الأحمر أو الشعور بالألم.

لكن كيف يستطيع المرء اختبار وعي الخوارزمية الهائل؟

على عكس الدماغ البشري، فإنه لا يقدم أي إشارات تدل على أي عمليات داخلية يمكن اكتشافها بإجراء اختبارات كالمخطط الكهربائي للدماغ أو التصوير بالرنين المغناطيسي. فبدلًا من ذلك، اتخذ الباحثون «نهجًا نظريًا بحتًا»، كما توضح لياد مودريك، المختصة بعلم الأعصاب الإدراكي في جامعة تل أبيب: «سيبحثون أولًا في النظريات الحالية للوعي البشري عن المواصفات الأساسية للحالة الواعية، ثم يبحثون عنها في البنية الأساسية للذكاء الاصطناعي».

لكي تُعتمد النظرية، يجب أن تكون مسندة إلى علم الأعصاب ومدعومة بأدلة تجريبية، مثل البيانات من عمليات مسح الدماغ في أثناء الاختبارات التي تتلاعب بالوعي باستخدام الحيل الإدراكية، وكان عليها أيضًا أن تسمح باحتمال نشوء الوعي بغض النظر عمّا إذا كانت الحسابات تنجز بواسطة خلايا عصبية بيولوجية أو شرائح سيليكون.

اعتُمدت ست نظريات، إحداها كانت نظرية المعالجة المتكررة، التي تقترح أن تمرير المعلومات من خلال حلقات الاستجابة هو المفتاح للوصول إلى الوعي، وتؤكد نظرية أخرى، وهي نظرية مساحة العمل العصبية العالمية، أن الوعي ينشأ عندما تمر تيارات مستقلة من المعلومات عبر اختبارات قاسية لتتحد في مساحة عمل مماثلة لذواكر الحاسوب.

تشير أفضل هذه النظريات المُعتمدة إلى أن الوعي يتضمن عملية وصف المعلومات الأساسية الواردة من الحواس ومعالجتها، وتؤكد نظريات أخرى على أهمية آليات التحكم في الانتباه والحاجة إلى جسد يتلقى تنبيهات من العالم الخارجي، ومن أفضل ست نظريات، استخرج الفريق 14 مؤشرًا لحالة الوعي.

يرى الباحثون أنه كلما زاد عدد المؤشرات التي تتحقق في بنية الذكاء الاصطناعي، زادت احتمالية امتلاك الوعي، طبّق إريك إلموزنينو، خبير التعلم الآلي في ميلة القائمة على العديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي ذات بنى مختلفة، بما في ذلك تلك المختصة بتوليد الصور مثل Dall-E2.

يتطلب أداء ذلك اتخاذ قرارات حاسمة والابتعاد عن المناطق الرمادية، العديد من البنى حققت شروط نظرية المعالجة المتكررة، أحد أنواع نماذج اللغة الكبير الذي يعتمد عليه شات جي بي تي اقترب من تحقيق شرط آخر، وهو وجود مساحة عمل عالمية.

قد استوفى نظام بالم أي من شركة جوجل، الذي يتلقى مدخلات من مستشعرات روبوتية مختلفة، معيار «الوكالة والتجسيد» ويضيف إلموزنينو: «إذا دققت النظر قليلًا، ستجد شيئًا مثل مساحة العمل».

كما أن برنامج شركة ديب مايند التكيفي المبني على التحويل (AdA)، والمُدرب للتحكم في الافتار (الصور الرمزية) في بيئة محاكاة ثلاثية الأبعاد، مؤهل أيضًا وفق معيار «الوكالة والتجسيد»، على الرغم من أنه يفتقر إلى أجهزة استشعار مادية مثل بالم أي.

يقول المؤلفون إنه بسبب وعيه المكاني، كان AdA أقوى المؤهلين وفق معاييرنا.

بالنظر إلى نتائج الاختبارات واستنادًا إلى حقيقة عدم تحقيق أي من برامج الذكاء الاصطناعي عدة معايير، فلا يوجد منها مرشح قوي للوعي، على الرغم من أن إلموزنينو يقول: «سيكون من التافه تصميم ذكاء اصطناعي يتمتع بهذه الميزات ويوافق جميع معايير الاختبار».

السبب وراء عدم تصميم مماثل هو عدم وضوح الفائدة المرجوة من هكذا برنامج.

يقول المؤلفون إن قائمتهم هي عمل مستمر، وهذا ليس الجهد الوحيد الجاري في هذا المجال، فبعض أعضاء المجموعة، إضافةً إلى راضي، هم جزء من مشروع ممول من CIFER لابتكار اختبار وعي أوسع يمكن تطبيقه أيضًا على الأعضاء ذاتية التكوين، والحيوانات، وحديثي الولادة.

يأمل المؤلفون في الإعلان عن أول منتجاتهم في الأشهر القليلة المقبلة.

يقول راضي إن المشكلة في كلّ هذه المشاريع هي أن النظريات الحالية تعتمد على فهمنا للوعي البشري فقط، ومع ذلك، قد يتخذ الوعي أشكالًا أخرى مثل وعي الثدييات الأخرى، ويقول: «ليس لدينا أي فكرة عمّا يعنيه أن تكون خفاشًا، فمن الممكن أن نعجز عن التخلص منه في النهاية».

اقرأ أيضًا:

كيوس جي بي تي: برنامج ذكاء اصطناعي يسعى لتدمير البشرية، وهو متصل الآن بالإنترنت!

حسابات تؤكد استحالة السيطرة على برامج الذكاء الاصطناعي فائقة الذكاء، فهل نستمر في تطويره؟

ترجمة: يوسف الشيخ

تدقيق: غفران التميمي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر