يعاني كثير من الناس مع الاستيقاظ صباحًا، فهم يترنحون عند الاستيقاظ ويعانون النعاس طوال اليوم في أثناء العمل، ولا يستعيدون تركيزهم إلا بعد تناول القهوة. ولكن توجد دراسة جديدة توضح أن الأشخاص النشيطين عند الاستيقاظ ليسوا محظوظين فحسب.

اكتشف العلماء في جامعة كاليفورنيا أن الاستيقاظ كل صباح دون الشعور بالخمول قد يتحقق بالاهتمام بثلاثة أمور أساسية: النوم والتمارين الرياضية ووجبة الإفطار.

جاءت النتائج من خلال تحليل مفصل لسلوك 883 شخص طوال أسبوعين، إذ تناولوا مجموعة متنوعة من وجبات الإفطار، وكانوا يرتدون ساعات المعصم لتتبع نشاطهم البدني ونومهم ونوعيته وتوقيته وانتظامه. وقد احتفظوا بمذكرات يومية للطعام الذي تناولوه خلال تلك المدة وسجلوا مستويات اليقظة من لحظة استيقاظهم حتى نهاية اليوم. تضمنت الدراسة توائم متطابقة ومتشابهة لفصل تأثير الجينات عن البيئة والسلوك.

وجد الباحثون فيما نشروه بمجلة Nature أن سر اليقظة هو وصفة طبية تتضمن ثلاثة أجزاء: تمارين رياضية، النوم لفترة كافية وتناول وجبة فطور غنية بالكربوهيدرات المعقدة مع القليل من السكر. اكتشف الباحثون أيضًا أن الاستجابة الصحية للجلوكوز في الدم بعد تناول وجبة الإفطار هي مفتاح الاستيقاظ بفعالية أكبر.

قال الدكتور رافائيل فالات من جامعة كاليفورنيا في بيركلي والمؤلف الأول للدراسة إن جميع لكل مما سبق تأثيرات فريدة ومستقلة. فإذا كان الشخص ينام فترات طويلة أو يمارس الرياضة سيلاحظ تحسنًا في معدلات اليقظة لديه، وسيلاحظ التحسن مع كل عامل من تلك العوامل.

لا يعد الترنح الصباحي أمرًا مزعجًا فحسب، بل ينتج عنه عواقب مجتمعية منها: العديد من حوادث السير، وإصابات العمل والكوارث التي يسببها الأشخاص الذين لا يستطيعون مقاومة النعاس. من الأمثلة الشهيرة على ذلك، حادثة تسرب النفط إكسون فالديز في ألاسكا، وانصهار المفاعل النووي في جزيرة الثلاثة أميال في ولاية بنسلفانيا، والحادث النووي الأسوأ في تشيرنوبل الواقعة في أوكرانيا.

يرى كثير من الناس أن النعاس في الصباح هو مصدر إزعاج لطيف. لكنه يكلف الدول المتقدمة مليارات الدولارات كل عام نتيجة فقدان الإنتاجية، وزيادة الاستفادة من الرعاية الصحية والتغيب عن العمل.

وقد أشرف على البحث ماثيو والكر، أستاذ علم الأعصاب وعلم النفس في جامعة كاليفورنيا في بيركلي وعضو معهد Helen Wills لعلوم الأعصاب، وهو مؤلف الكتاب الأكثر مبيعًا (لماذا ننام؟)، ومدير مركز علوم النوم البشري أحد أهم مختبرات أبحاث النوم في العالم.

يقول والكر إن الأمر الأكثر تأثيرًا هو أن النعاس يكلف أحيانًا خسارة الأرواح، فهو قاتل بالنتيجة، إذ ينتج عن النعاس أفعالًا مميتةً بدءًا من حوادث السير إلى حوادث العمل. ويجب على العلماء البحث عن سبل تساعد المجتمع على الاستيقاظ بطريقة أفضل وتقلل النتائج الوخيمة الناجمة عن معاناة المجتمع مع الاستيقاظ بفعالية كل يوم.

النهج الفردي لتناول الطعام

تعاون والكر وفالات مع باحثين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة والسويد كي يحللوا البيانات التي حصلت عليها شركة Zoe البريطانية، وهي التي تابعت مئات الأشخاص طوال أسبوعين تقريبًا من أجل التنبؤ بالاستجابات الفردية لعملية الاستقلاب عند تناول أطعمة تعتمد على الخصائص البيولوجية للشخص، وعوامل أسلوب الحياة والتركيب الغذائي للأطعمة.

وصفة بسيطة من أجل استيقاظ أفضل كل يوم:

  •  ممارسة الكثير من التمارين الرياضية في اليوم السابق.
  •  النوم لفترة أطول من المعتاد.
  •  تناول فطور منخفض السكر لكن غني بالكربوهيدرات المعقدة إضافة إلى كمية معتدلة من البروتين.
  •  الانتباه إلى استجابة الجسم للغلوكوز بعد تناول الطعام.

تناول المشاركون وجبات معدة مسبقًا، تحتوي على نسب مختلفة من العناصر الغذائية المدمجة مع الكعك طوال أسبوعين كاملين لمراقبة الاستجابة الناتجة عن اختلاف الأنظمة الغذائية عند الاستيقاظ.

قورنت وجبة الإفطار التقليدية الحاوية على كميات معتدلة من الدهون والكربوهيدرات مع وجبة الإفطار الحاوية على نسبة عالية من البروتين (كعك إضافة إلى مخفوق الحليب) أو نسبة عالية من الكربوهيدرات أو نسبة عالية من السكر (مشروب الغلوكوز). ارتدى المشاركون أيضًا أجهزة تراقب مستويات الغلوكوز كي تقيس مستوياته في الدم على مدار اليوم.

كانت أسوأ أنواع وجبات الإفطار وسطيًا تلك الحاوية على كميات كبيرة من السكريات البسيطة، إذ ارتبط ذكرها بمعاناة النعاس وعدم القدرة على الاستيقاظ الفعال.

في المقابل على عكس السكريات البسيطة، ارتبط ذكر وجبات الإفطار الحاوية على نسبة عالية من الكربوهيدرات وكمية متواضعة من البروتين بتحفيز الأفراد في الصباح على اليقظة بسرعة أكبر والحفاظ عليها أيضًا.

أوضح فالات أن وجبة الإفطار الغنية بالكربوهيدرات تزيد من اليقظة إذا كان الجسم يتمتع بصحة جيدة ويقدر على التخلص من الغلوكوز بكفاءة، أي أنه يحد من ارتفاع نسبة السكر في الدم التي تضعف يقظة الدماغ.

أضاف والكر إننا نعرف أن اتباع نظام غذائي غني بالسكر يضر عملية النوم ناهيك بتاثيره السمي في خلايا الدماغ والجسم، ولكن بالإضافة إلى هذه التأثيرات المؤذية، فإن الدراسة اكتشفت أن تناول كميات كبيرة من السكر في وجبة الإفطار لدرجة أنها تسبب ارتفاع نسبة السكر في الدم ستؤدي بالنهاية إلى إضعاف قدرة الدماغ على العودة إلى الوعي بعد النوم إضعافًا ملحوظًا.

يعد النوم أمرًا مهمًا

لا يتعلق الأمر بالطعام فقط، فالنوم مهم جدًا أيضًا. اكتشف فالات ووالكر أن النوم لفترة أطول من المعتاد، يؤدي إلى زيادة تيقظ الأفراد بسرعة كبيرة بعد الاستيقاظ من النوم. تبعًا لوالكر، إن النوم من 7 إلى 9 ساعات هو أمر مثالي يزيل الشعور بالخمول المتمثل بعدم القدرة على الانتقال بفعالية إلى حالة اليقظة المعرفية الوظيفية عند الاستيقاظ. يحتاج معظم الناس إلى هذا القدر من النوم لإزالة مادة الأدينوزين الكيميائية التي تتراكم في الجسم طوال اليوم وتسبب النعاس في المساء، ما يعرف بضغط النوم.

في دراسة جديدة، نظر والكر وفالات وزملاؤهما في تأثير الجينات والعوامل غير الجينية كالبيئة على اليقظة عند الاستيقاظ. من خلال قياس مدى اختلاف اليقظة بين الأفراد على عدة أيام، حددوا الدور الذي يؤديه كل من التمرين، والنوم، ونوع الإفطار واستجابة الشخص للغلوكوز بعد الوجبة.

أضاف والكر، أنه باعتبار أن أغلبية الأفراد في المجتمع لا يحصلون على القدر الكافي من النوم، فإن النوم لفترة أطول من المعتاد في يوم معين قد يساعد على التخلص من تراكم النوم الناتج عن الأدينوزين.

وأشار أيضًا إلى أن النوم لاحقًا قد يساعد على اليقظة لسبب ثانٍ، موضحًا أنه عندما يستيقظ الشخص لاحقا، فأنه يستيقظ في نقطة أعلى مع ازدياد نظم الساعة البيولوجية على مدار 24 ساعة، الذي يتصاعد طوال الصباح ويعزز اليقظة.

علمًا أنه من غير الواضح كيف يعزز النشاط البدني من حالة اليقظة في اليوم التالي له.

أشار فالات أيضًا إلى أن النشاط البدني يحسن من اليقظة ويرفع مستوى المزاج، إذ وجدت هذه الدراسة ارتباطًا وثيقًا بين الحالة المزاجية ومستويات اليقظة. فقد كان المشاركون الأكثر سعادةً يشعرون إجمالًا بمزيد من اليقظة. ترتبط التمارين الرياضية عادة بنوم ومزاج أفضل.

وأضاف أن النوم الجيد الذي ينتج عن ممارسة الرياضة هو أيضًا جزء من سبب ممارسة الرياضة في اليوم السابق، إذ أنه يساعد على النوم في تلك الليلة ما يؤدي إلى يقظة فائقة طوال اليوم التالي.

لاحظ والكر أن استعادة الوعي من اللاوعي أي الانتقال من النوم إلى الاستيقاظ، هو عملية بيولوجية معقدة، قائلًا أنه ليس من السهل الانتقال من كون الشخص غير واعٍ ومستلقٍ من غير حراك إلى إنسان مفكر، واعٍ، يقظ ومنتج. لذا فإنه من غير المحتمل أن مثل هذا التغيير سيفسر جسميًا ببساطة بتعديل أمر واحد. ولكن عمومًا، يستطيع الناس التركيز على بعض المكونات الأساسية التي تعدل اليقظة، وتوجد وصفة بسيطة نسبيًا تساعد على استيقاظ أفضل كل يوم.

لا علاقة للجينات

أظهرت المفارقات في المعلومات بين التوائم المتطابقة وغير المتطابقة أن الجينات تؤدي دورًا صغيرًا وبسيطًا في اليقظة في اليوم التالي، ما يفسر حوالي 25% فقط من الاختلافات بين الأفراد.

أشار والكر إلى أن الكثير من الناس يستيقظون بكل نشاط وحيوية. يعتقد الأشخاص الذين يعانون من الخمول عند الاستيقاظ أن قدرهم الجيني يحتم عليهم الاستيقاظ ببطئ، وأنهم لا يستطيعون فعل شيء حيال هذا الأمر سوى استخدام مادة الكافيين المنشطة التي قد تضر عملية النوم.

أشار أيضًا إلى أن النتائج الجديدة التي توصلوا إليها تقدم رسالة مختلفة وأكثر تفاؤلًا. إن كيفية الاستيقاظ كل يوم هو أمر يخضع غالبًا لسيطرة الشخص، اعتمادًا على كيفية تنظيمه لحياته ونومه. لا مبرر للاستسلام ولا يجب التذرع بالجينات والنظر إلى الأمر وكأنه محتوم لا يمكن تعديله. توجد بعض الأشياء البسيطة جدًا التي نستطيع تحقيقها اليوم وهذه الليلة وقد تغير طريقة الاستيقاظ كل صباح والشعور بالنشاط والابتعاد عن الشعور بالخمول.

يواصل والكر وفالات وزملاؤهما التعاون مع فريق Zoe، للتحقق من الأسئلة العلمية الجديدة حول تأثير النوم، والنظام الغذائي والتمارين الرياضية على صحة الدماغ والجسم والتوجه بعيدًا عن الأمراض والعلل.

اقرأ أيضًا:

الاستيقاظ من النوم بعد منتصف الليل والتفكير مليًا في المخاوف

أربعة أمور أساسية تحسن شعورك عند الاستيقاظ وتنبهك خلال اليوم

ترجمة: سنا أحمد

تدقيق: فاطمة جابر

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر