في الساعة 5:29 من صباح 16 يوليو 1945، في ولاية نيو مكسيكو، صُنِع حدث مروع في التاريخ الحديث.

تمزق هدوء الفجر بتفجير جهاز مفجر البلوتونيوم المعروف باسم «جادجيت»، من قِبَل الجيش الأمريكي، وهو أول اختبار لقنبلة نووية في العالم، المعروف باسم اختبار ترينيتي، في لحظة غيّرت التاريخ إلى الأبد.

أدى إطلاق الطاقة الذي يعادل 21 كيلوطن من تي إن تي، إلى تبخير برج الاختبار البالغ ارتفاعه 30 مترًا، وكيلومترات من الأسلاك النحاسية التي تربطه بأجهزة التسجيل. أدت كرت اللهب الناتجة إلى ذوبان البرج والنحاس مع الأسفلت ورمال الصحراء أسفله إلى زجاج أخضر، وهو معدن جديد عُرف باسم الترينيتايت.

بعد عقود، اكتشف العلماء سرًا مخبأ في قطعة من الترينيتايت، وهو شكل نادر من المادة يُعرف باسم «كوازي كريستال» أو شبه البلورة، وهو ما كان يُعتقد سابقًا أنه مستحيل.

أوضح العالم تيري والاس من مختبر لوس ألاموس: «يتشكل الكوازي كريستال في بيئات متطرفة نادرًا ما تحدث على الأرض. إنه يتطلب حدثًا خارقًا يجمع بين الصدمة والحرارة والضغط الشديدين، نحن لا نرى ذلك عادةً إلا في حدث مثل انفجار نووي».

معظم البلورات، من الملح العادي إلى أعقد الماسات، تتبع القاعدة ذاتها، إذ تُرتب ذراتها في هيكل شبكي يتكرر في الفضاء ثلاثي الأبعاد. أما الكوازي كريستال فيكسر هذه القاعدة، إذ لا يتكرر نمط ترتيب الذرات.

عندما ظهرت هذه الفكرة للمرة الأولى سنة 1984، كان يُعد ذلك مستحيلًا، فإما أن تكون البلورات مرتبة أو فوضوية، لا شيء في الوسط. ثم عُثِر عليها فعليًا، سواء أنشئت في المختبرات أو في البرية ضمن النيازك، إذ تتشكل نتيجة صدمة ديناميكية حرارية من أحداث مثل اصطدام فائق السرعة.

إثر معرفة الظروف المتطرفة التي تتطلب إنتاج الكوازي كريستال، قرر فريق من العلماء بقيادة الجيولوجي لوكا بيندي من جامعة فلورنسا أن يلقوا نظرة أقرب على الترينيتايت.

لكن ليس البلورات الخضراء. رغم ندرتها، لقد رأينا ما يكفي من الكوازي كريستال لنعرف أنه يميل لإدماج المعادن، لذا ذهب الفريق في البحث عن شكل أندر من المعدن: الترينيتايت الأحمر، الذي يحصل على لونه نتيجة تبخر النحاس المدمج فيه.

بواسطة تقنيات مثل المجهر الإلكتروني الماسح وتفريق الأشعة السينية، حللوا ستة عينات صغيرة من الترينيتايت الأحمر. وأخيرًا، حصلوا على نتيجة في إحدى العينات -حبيبة صغيرة- مكونة من السيليكون والنحاس والكالسيوم والحديد، ذات تناظر دوراني يبلغ خمسة أضعاف، وهو مستحيل الحدوث في البلورات التقليدية.

أوضح والاس: «هذا الكوازي كريستال رائع في تعقيده، لكن لا أحد حتى الآن بوسعه أن يخبرنا كيف تشكل بهذه الطريقة. يومًا ما، سيكتشف العلماء السبب، ونحصل على تفسير ديناميكي حراري لوجوده. آمل أن نتمكن من استخدام تلك المعرفة من أجل فهم أفضل للانفجارات النووية، والتوصل إلى صورة أشمل لما تمثله التجارب النووية».

هذا الاكتشاف يمثل أقدم كوازي كريستال مصنوع بواسطة الإنسان، ويشير إلى وجود مسارات طبيعية أخرى قد تكون مصدرًا لتكوين الكوازي كريستال. مثلًا، قد تكون الفولغوريتات الناتجة من الرمل المنصهر بفعل صواعق البرق، والمواد من مواقع اصطدام الشهب، مصدرًا للكوازي كريستال في البرية.

أيضًا قد تساعد هذه الأبحاث على فهم أفضل للاختبارات النووية غير القانونية، بهدف الحد من انتشار التسليح النووي. قد تكشف دراسة المعادن المشكلة في مواقع اختبارات نووية أخرى عن المزيد من الكوازي كريستالات، التي قد تكون خواصها الديناميكية الحرارية أداةً لفهم التجارب النووية.

قال والاس: «يتطلب فهم الأسلحة النووية للدول الأخرى إلمامًا ببرامج اختباراتها النووية. عادةً نحلل الحطام الإشعاعي والغازات لفهم كيفية بناء الأسلحة، أو ما هي المواد التي تحتوي عليها، ولكن تلك العلامات تتحلل. قد يقدم الكوازي كريستال الذي يتكون في مكان الانفجار النووي معلومات جديدة محتملة، سيكون لها وجود دائم».

اقرأ أيضًا:

اكتشاف نوع غريب من الكريستال يذوب ويتغير لونه عند تعرضه للضوء

رصد شبه بلورة من مخلفات أول اختبار لقنبلة نووية في التاريخ

ترجمة: حمداش رانية

تدقيق: غفران التميمي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر