وصلت انبعاثات الغازات الدفيئة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق؛ إذ وصلت معدلات الانبعاثات السنوية إلى أكثر من 54 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون. وارتفع معدل درجة الحرارة السطحية بمقدار 1.14 درجة مئوية بسبب الممارسات البشرية على الأرض، ما أدى إلى تغير المناخ منذ أواخر القرن التاسع عشر. وتزيد درجة الحرارة بمعدل غير مسبوق عن 0.2 درجة مئوية لكل عقد من الزمن.

إن أعلى درجة حرارة مسجلة على الأرض -أو كما يشير إليها علماء المناخ بدرجات الحرارة القصوى لسطح الأرض- تزداد بمعدل مرتين بسرعة. وترتبط درجات الحرارة هذه بالحرارة القياسية التي يشعر بها الناس أو التي تكون سببًا رئيسيًا لحرائق الغابات.

توضح هذه التغيرات تغير مخزون الكربون المتبقي لكل 1.5 درجة مئوية، ما يعني أن كمية ثاني أكسيد الكربون التي ما زالت تنبعث بفعل ممارسات المجتمعات في العالم، وتحافظ على فرصة بنسبة 50% للبقاء على ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، تبلغ الآن نحو 250 مليار طن فقط.

سينفد هذا المخزون في أقل من ست أعوام عند مستويات الانبعاثات الحالية المؤثرة على تغير المناخ.

نشر بيرس فورستر -أستاذ تغير المناخ الفيزيائي، ومدير مركز بريستلي الدولي للمناخ في جامعة ليدز- نتائج تقرير جديد مع 49 عالمًا آخر من جميع أنحاء العالم، يوضح أحدث التغيرات في الانبعاثات، ودرجات الحرارة، وتدفقات الطاقة في نظام كوكب الأرض.

قد تفيد هذه البيانات العمل المناخي، مثلًا بالتوعية عن مدى أهمية العمل على خفض الانبعاثات سريعًا؛ لتحقيق أهداف الوصول لدرجات الحرارة الآمنة للمجتمع الدولي.

في هذا التقرير الأول الذي سيصبح فيما بعد واحدًا من سلسلة التقارير السنوية القادمة، التقط طرف الخيط الذي يوضح الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض.

صرح بيرس فورستر: «نحن لأول مرة بصدد إطلاق مبادرة تسمى مؤشرات تغير المناخ العالمي التي تجمع جميع المتطلبات الضرورية معًا؛ لتتبع ارتفاع درجات الحرارة التي تسلبها الممارسات البشرية عامًا بعد عام، فنحن نتتبع انبعاثات كل من الغازات الدفيئة، وتلوث الجسيمات، وتأثيرات ارتفاع درجات الحرارة أو البرودة؛ لتحديد دورها في تغير درجة حرارة السطح والتغير المناخي».

أضاف: «نحن نستخدم أساليبًا دقيقة تستند إلى تلك المعايير المحددة والمقررة في التقييمات الشاملة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، إذ تحظى هذه التقييمات بالثقة باعتبارها مصدرًا موثوقًا للمعلومات من الحكومات ومفاوضيها بشأن السياسات المناخية، ومع ذلك، تُنشر هذه التقييمات على مدى ثمانية أعوام تقريبًا».

مع سرعة التغيرات التي تحدث في هذا العالم، قد تتغير السياسات المتعلقة بها بسرعة أيضًا، فيترك هذا الأمر فجوة معلوماتية، وهي أن المؤشرات الموثوقة المرصودة بشأن حالة المناخ مفقودة، ولم تُذكر في مفاوضات المناخ السنوية للأمم المتحدة.

في هذا التقرير الأول، جمع العلماء معلومات عن جميع انبعاثات الغازات الدفيئة وتغيراتها في أثناء الجائحة. وبناءً على هذه المعلومات، بنى العلماء واستنتجوا الأدلة المناسبة لتحديد التغير في درجة الحرارة الناجم عن النشاط البشري.

يخبرنا هذا الأمر بمدى اقتراب العالم من تجاوز الهدف طويل المدى المتمثل في الحفاظ على درجات الحرارة في حدود 1.5 درجة مئوية التي حددتها اتفاقية باريس للتغير المناخي، ومدى سرعة اقترابنا من هذا التجاوز في المعدل.

في هذا التقرير الأول أيضًا، أوضح العلماء مدى تغير الأمور منذ التقييم الشامل الأخير الذي أجرته IPCC، في تقرير التقييم السادس (AR6) الذي قيّم البيانات المرصودة حتى عام 2019.

لتقييم التغيرات الملحوظة في درجات الحرارة الناجمة عن ممارسات النشاط البشري، كان العلماء في حاجة إلى تتبع كيفية تغيير هذه الأنشطة لتدفقات الطاقة داخل نظام كوكب الأرض، إذ تتراكم انبعاثات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، فتؤدي إلى احتباس الحرارة، في حين أن الجسيمات الملوثة مثل الهباء الجوي الكبريتي الناتج عن احتراق الفحم، تؤدي إلى تبريد الأرض عن طريق عكس المزيد من ضوء الشمس.

قال فورستر: «في الأعوام الأخيرة، ارتفعت نسبة الغازات الدفيئة بشدة، ولكن معدل التلوث انخفض في جميع أنحاء العالم. وهذين الاتجاهين المتعاكسين يشتركان لتدفئة المناخ، وفي تقديرنا أن هذا يسبب أعلى معدل للاحتباس الحراري العالمي على الإطلاق، أي أكثر من 0.2 درجة مئوية لكل عقد من الزمن».

أضاف: «نود أن نكوّن مجتمع علمي أوسع في الأعوام المقبلة، وخاصةً مساهمته في عمليات تتبع التغير المناخي، مثل موجات الحر، والفيضانات، وحرائق الغابات مثل تلك التي تجتاح كندا حاليًا».

يحدد العلماء هدفهم بالعزم على أداء ذلك في هذه العام الأول عبر تتبع كيفية ارتفاع درجات الحرارة القصوى اليومية على الأرض، إذ ترتفع مرتين أسرع من متوسط درجة الحرارة العادية، وهي بالفعل 1.74 درجة مئوية فوق ما كانت عليه في أواخر القرن التاسع عشر.

يأمل العلماء أن تستخدم IPCC هذه البيانات حتى يتمكنوا من فهم حجم العمل المطلوب، ويريدون أيضًا أن يتمكن جمهور من الناس من الوصول إلى البيانات المناخية في توقيت دقيق، وتكون هذه البيانات جديرة بالثقة ويمكن الاعتماد عليها؛ إذ توثق الأساليب العلمية لتكون متاحة في السجلات العامة، لذلك نبني لوحة معلومات مفتوحة يمكن الوصول إليها لرؤية البيانات بوضوح.

يريد العلماء بناء الثقة في ممارسة عملهم، لذلك يقدمون هذه البيانات دون الدعوة أو الانخراط في سياسات معينة، إذ يعتمدون شعار IPCC المُتمثل في السياسة ذات الصلة ولكن ليس إلزاميًا على السياسة نفسها.

يريد العلماء أن تتحدث هذه البيانات عن نفسها، ما يمنح التوكيلات اللازمة لمتخذي القرارات السياسية لفهم وتيرة تغير المناخ والإجراءات اللازمة للحد من هذه الأزمة.

بينما يستمر العلماء في عمل هذه السلسلة من التقارير على مدى الأعوام القادمة، اعتمادًا على القرارات التي تُتخذ والخيارات المتاحة في جميع أنحاء المجتمع الدولي، قد يتتبعون استمرار ارتفاع معدل الانبعاثات أو درجات الحرارة، أو انخفاض في معدل الانبعاثات بسرعة مع بدء مستويات درجات الحرارة في الاستقرار. فمهما حدث، فإن مجتمع علوم المناخ العالمي سوف يستمر في مراقبة المناخ وتقديم التقارير المتعلقة بالأحداث.

اقرأ أيضًا:

لفهمه فهمًا أفضل.. ستة جداول بيانية توضح تغير المناخ عبر السنوات الماضية

البحث في تأثير تغير المناخ في أنظمة الطاقة على المستويين الدولي والعالمي

ترجمة: خالد عامر

تدقيق: رغد أبو الراغب

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر