وجد تلسكوب جيمس ويب الفضائي دليلًا على وجود نجوم سماوية هائلة الحجم يفوق حجمها 10 آلاف حجم الشمس، مختبئة منذ بدء نشأة الكون، ذاك الدليل هو البصمات الكيميائية الرئيسية للنجوم فائقة الكتلة، ويقدر أنها نشأت بعد 440 مليون سنة فقط من الانفجار العظيم.

اكتشاف تلك النجوم يسلط الضوء على أن وجود أجرام ثقيلة في كوننا بدأ بعد 440 مليون سنة فقط من الانفجار العظيم. نشر الباحثون النتائج التي توصلوا إليها في مجلة علم الفلك والفيزياء الفلكية في 5 مايو/آيار 2023، وأطلقوا اسم “الوحوش السماوية” على النجوم العملاقة المُكتَشَفة.

قالت الكاتبة الرئيسية للدراسة كورين شاربونيل، وهي أستاذة علم الفلك في جامعة جنيف في سويسرا: «بفضل البيانات التي جمعها تلسكوب جيمس ويب الفضائي، نعتقد اليوم أننا وجدنا أول دليل على وجود هذه النجوم غير العادية».

عثر الباحثون على آثار كيميائية للنجوم العملاقة داخل العناقيد الكروية، مجموعات من عشرات الآلاف إلى الملايين من النجوم المكدسة بإحكام، العديد منها يُعد من بين الأقدم وجودًا على الإطلاق في كوننا. ينتشر تقريبًا 180 عنقودًا كرويًا في مجرتنا درب التبانة، ولأنها قديمة جدًا يستخدمها علماء الفلك نوافذ عبر الزمن تطل على السنوات الأولى لكوننا.

تتفاوت بعض النجوم في هذه العناقيد تفاوتًا كبيرًا في امتلاكها لنسب العناصر (الأكسجين والنيتروجين والصوديوم والألمنيوم)، رغم تشكلها في نفس الوقت تقريبًا ومن نفس سحب الغاز والغبار قبل 13.4 مليار سنة، ما أضفى غموضًا على الاكتشاف.

يعتقد علماء الفلك أن هذا التنوع في العناصر يُفسَّر عبر وجود النجوم فائقة الكتلة، وهي عمالقة كونية ولدت في ظروف بداية الكون الأكثر كثافةً، وأحرقت وقودها في درجات حرارة أعلى بكثير، ما أدى الى تكوين عناصر أثقل انتقلت لاحقًا إلى نجوم وليدة أصغر، التي تتكون عادةً من عناصر أخف بكثير. لكن ثبت أن العثور على هذه النجوم أمر صعب. احترقت تلك العمالقة الملتهبة، التي يتراوح حجمها بين خمسة آلاف إلى عشرة آلاف ضعف حجم شمسنا، في درجات حرارة تبلغ 75 مليون درجة مئوية. تحتضر أولًا النجوم الأكبر والأكثر إشراقًا وسخونة وبسرعة، واجهت هذه الوحوش الكونية زوالها منذ أمد بعيد في انفجارات شديدة العنف، ويُطلَق على انفجارات تلك النجوم المحتضرة فائقة الكتلة اسم هايبرنوفا.

أوضح الكاتب المشارك في الدراسة مارك جيليس، أستاذ الفيزياء الفلكية في جامعة برشلونة، في بيان قائلًا: «يتراوح عمر العناقيد الكروية بين 10-13 مليار سنة، بينما يبلغ الحد الأقصى لعمر النجوم الكبيرة مليوني سنة. لذلك اختفت مبكرًا جدًا من العناقيد التي يمكن ملاحظتها حاليًا، فقط ما يتبقى هو آثارها غير المباشرة».

وظف الباحثون كاميرا الأشعة تحت الحمراء الخاصة بتلسكوب جيمس ويب الفضائي على المجرة GN-z11 لاكتشاف البقايا الكيميائية المتناثرة لتلك الوحوش القديمة، وتعد هذه المجرة واحدةً من أقدم المجرات التي اكتُشفت على الإطلاق، وتقع على بعد 13.3 مليار سنة ضوئية من الأرض. تمتص المواد الكيميائية المختلفة الضوء وتبثه مرة أخرى بترددات مختلفة، لذا من خلال تحليل الضوء القادم من عناقيد كروية مختلفة موجودة في المجرة GN-z11 اكتشف علماء الفلك أنه إضافةً إلى أن نجومها كانت مكدسة بإحكام، كانت محاطة أيضًا بمستويات عالية من النيتروجين.

أفادت شاربونيل: «لا يمكن تفسير الوجود القوي للنيتروجين إلا من خلال احتراق الهيدروجين في درجات حرارة عالية للغاية، التي لا يمكن الحصول عليها سوى داخل لُب النجوم فائقة الكتلة».

سينقب الباحثون عن المزيد من العناقيد الكروية في مجرات أخرى لمعرفة ما إذا كان اكتشافهم موجودًا في مكان آخر، وذلك بعد العثور على القرائن الأولى لوجود الوحوش السماوية.

اقرأ أيضًا:

رصد أبعد عناقيد نجمية في تاريخ البشرية بتحليل صور تلسكوب جيمس ويب

تحليل صور حديثة لبقايا انفجار نجمي هائل بحاسوب جديد فائق التطور

ترجمة: عمرو أحمد

تدقيق: باسل حميدي

المصدر