تُعد الساعات الذرية أدق أدوات ضبط الوقت التي نمتلكها، إذ اقترحت دراسة جديدة طريقة لاستخدام الأدوات بمستوى دقة مذهل للكشف عن أصغر حالات تقلبات الطاقة، ما قد يمنح العلماء طريقة لمراقبة بعض أنواع المادة المظلمة.

ما زال الحصول على المادة المظلمة بعيد المنال على الرغم من أننا لم نلاحظها مباشرةً، لكن يمكننا رؤية آثارها على محيط الكون وهو شيء محبط، إذ لا يوجد شيء في نماذجنا الفيزيائية الحالية يشرح تمامًا ما نراه.

لذلك، اقترح باحثون من جامعة ساسكس والمختبر الفيزيائي الوطني في المملكة المتحدة، استخدام الساعات الذرية للكشف عن بعض الجسيمات منخفضة الكتلة التي يُفترض أنها تُشكل هذه المادة الغامضة.

تكمن الفكرة في أن هذه الجسيمات تتفاعل مع جزيئات المادة العادية لكن بطريقة ضعيفة للغاية. إذ تعتمد الساعات الذرية على تذبذبات غير محسوسة تقريبًا للذرات في أثناء تحركها بين حالات الطاقة لمعرفة الوقت. فمثلًا، يمكن رصد أي طَرْق طفيف لهذه التذبذبات من جسيم المادة المظلمة الخفيف للغاية.

اقترح الباحثون أولًا بعض النماذج النظرية لكيفية قياس الاختلافات في توقيت الساعة الذرية، بعد ذلك أخذوا قراءات من الساعات الذرية الحالية للمساعدة في إثبات جدوى هذا النهج المقترح.

ستكون الخطوة التالية إعداد تجربة يمكن فيها مقارنة ساعتين ذريتين شرط أن تكون إحداهما أكثر عرضةً قليلًا للتغيرات من ما يعرف بالثوابت الأساسية أو القيم الثابتة التي تستند إليها قوانين الكون.

ركزت هذه الدراسة بالذات على ثابتين أساسيين؛ ثابت البنية الدقيقة الذي يصف مدى قوة انجذاب الإِلكترونات إلى البروتونات في الذرة، ونسبة كتلة الإلكترون إلى البروتون التي تشير إلى ثقل الذرات.

من خلال التفاعلات مع بعض الجسيمات منخفضة الكتلة التي يُفترض أنها مسؤولة عن تأثيرات المادة المظلمة، يمكن تعطيل تأثير كل من الثابتين الأساسيين مثل الأكسيون الافتراضي، وهو جسيم دون ذري افتراضي ذو كتلة وطاقة منخفضة. ويُفترض وجوده بسبب خصائص معينة للقوة الذرية، إذ تضع هذه الدراسة حدودًا لحجم الاختلافات التي ربما تشير إلى وجود هذه الجسيمات.

من الواضح أن هنالك الكثير من النظريات، ونحن نتعامل أيضًا مع الكثير من الافتراضات والتنبؤات، حتى وإن كانت فكرتها في منتهى الذكاء. ففي نهاية المطاف، قد يكون للتغييرات الدقيقة في دقّات الساعة الذرية آثار عميقة في علم الفيزياء.

الساعات الذرية مفيدة جدًا للعلماء، ليس فقط بسبب قدرتها على الحفاظ على الوقت بدقة لا مثيل لها عبر مليارات السنين، بل لأنها تجاوزت ذلك عندما استُخدمت أيضًا لقياس الانزياح الأحمر للجاذبية.

فمثلًا، عندما يغادر شعاع ضوء الأرضَ أو أي مركز للجاذبية مثل الشمس، فإن طول موجته يبدو أكثر طولًا عند رؤيته من مراقب موجود في مجال جاذبية أقل، وهي الطريقة التي قد تتداخل بها الجاذبية مع الوقت.

إضافةً إلى ذلك، فإن الساعة الذرية مهمة في فيزياء الكم أيضًا، فقد فتحت مجالات أكثر للبحث أمام الطرق التي يمكن من خلالها نقل المعلومات الكمومية أو تخزينها. والآن يبدو أنها قد تكون كاشفة للمادة المظلمة أيضًا.

يقول الباحثون إن هذه النتائج لا تعتمد على أية نظريات موجودة مسبقًا، والنماذج المنتجة لديها كثير من المرونة، لذا ربما تكون كافية لتطبيقها خارج نطاق المادة المظلمة وفي ظواهر أخرى غير مفسرة.

نُشر هذا البحث في مجلة New Journal of Physics.

اقرأ أيضًا:

كيف تعمل الساعة الذرية؟

هل من الممكن أن تساعدنا الساعات الذرية الموجودة في الفضاء في كشف سر المادة المظلمة؟

ترجمة: خالد عامر

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر