قبل 4.5 مليار سنة، حين كان النظام الشمسي في مرحلة التكوين، من المحتمل أن جسيمات من الرياح الشمسية قد علقت في لب الأرض في أثناء تكونه من الركام الفضائي.

ذلك هو الاستنتاج الذي توصل إليه العلماء بعد تحليل نيزك حديدي، والعثور على فائض من الغازات النبيلة ذات النسب النظيرية المتوافقة مع الرياح الشمسية، إذ يُعتقد أن النيازك الحديدية تشبه تكوين لب الكواكب، ويشير ذلك إلى وجود فائض مماثل في لب الأرض.

النيزك المسمى مقاطعة واشنطن نسبةً إلى المكان الذي عُثر عليه فيه عام 1927، هو نيزك نادر، فمن بين جميع الصخور الفضائية التي سقطت على الأرض فإن نحو 5% فقط من تلك الصخور التي نسترجع عينات منها مكونة من الحديد.

بناءً على فهمنا لتكوين الكواكب، يُفسَر منشأ النيازك الحديدية بأنها نوى لكواكب لم تتشكل.

يُظَن أن الكواكب تتشكل عندما تكون نجومها في أول دورة حياتها، ربما في الوقت ذاته الذي لا يزال فيه النجم يتشكل، وتدور حولها سحابة كثيفة من الغبار والغاز، يبدأ الغبار والحصى في هذه السحابة بالتصادم والالتصاق، أولاً كهروستاتيكيًا، ثم جاذبيًا مع زيادة كتلة الجسم، من ثم يستطيع جذب المزيد من المادة، هذه الأجسام هي أساسًا نوى كواكب أو كواكب صغيرة.

تصبح الكواكب الصغيرة مع تزايد حجمها ساخنةً وقليلة الانحلال، ما يسمح للمواد بالتحرك، التمايز اللبي هو العملية التي تنزل فيها المادة الأكثف نحو الداخل باتجاه مركز الجسم بينما تصعد المادة الأقل كثافةً نحو الخارج بعيدًا عن المركز.

لا تغدو جميع الأجسام كواكب، يُظَن أن الكويكبات هي بقايا كواكب صغيرة اضطربت وتفتت قبل أن تصل إلى حجم كوكب كامل، ويُظَن أن النيازك الحديدية فتات من النوى الكوكبية المتمايزة.

لهذا السبب يدرس علماء الكواكب النيازك الحديدية لفهم تكوين كوكبنا فهمًا أفضل، فكوكب الأرض يحتوي على لب حديدي كثيف، وكان النيزك الحديدي في مقاطعة واشنطن معروفًا لبعض الوقت بكونه مميزًا، فالعلماء اكتشفوا لأول مرة في الستينيات أنه يحتوي على نظائر غير عادية للغازات النبيلة الهيليوم والنيون، ما أثار اهتمام الباحثين منذ ذلك الحين.

كان يُظَن بدايةً أن الغازات النبيلة كونية المنشأ، أي أنها تنتج من التفاعلات مع الأشعة الكونية المجرية التي تعرض لها النيزك الحديدي على مدار مليارات السنين في الفضاء.

ثم وجد علماء الفلك في الثمانينيات أن النسب أكثر اتساقًا مع النسب النظيرية للرياح الشمسية، وفي وقتنا الحاضر، أكد ذلك فريق بقيادة عالم الكيمياء الكونية مانفريد فوغت من جامعة هايدلبرغ في ألمانيا.

استطاع العلماء باستخدام مقياس الطيف الكتلي للغازات النبيلة تحديد بعض النسب النظيرية للنيون والهيليوم الموجودة في نيزك مقاطعة واشنطن ووجدوا أنها أكثر توافقًا مع الرياح الشمسية، من ثم ليس منشأها كونيًا.

كان على القياسات أن تكون دقيقةً ومحددةً جدًا لتمييز الآثار الشمسية من الغازات النبيلة كونية المنشأ السائدة والتلوث الجوي.

وبعد أن استنتجوا أن النيزك أصله نواة كوكب، خلص الفريق إلى أن جسيمات الرياح الشمسية المماثلة ربما التقطها اللب المكون للأرض، وأذيبت في المعدن السائل، ومن المثير للاهتمام أن الأدلة القائمة على الملاحظة تدعم هذا الاستنتاج.

يمكن أيضًا العثور على النظائر الشمسية للهيليوم والنيون في الصخور البركانية لجزر المحيطات، وتوجد بعض صخور البازلت المحيطية من أعمدة طبقة الوشاح العميقة التي يُعتقَد أنها تمتد إلى أسفل حتى الحدود بين طبقة الوشاح واللب، إلى عمق نحو 2900 كيلومتر.

لما كانت النظائر الشمسية غير موجودة في الصخور البركانية المستخرجة من مواد ضحلة، فإن هذا يشير إلى أن النظائر تُستخرج من أعماق الأرض.

أوضح عالم الكيمياء الكونية ماريو تريلوف من جامعة هايدلبرغ: تساءلنا دائمًا عن سبب وجود مثل هذه الآثار المختلفة الدالة على وجود الغازات في طبقة الوشاح، التي تحصل فيها ظاهرة الحمل الحراري، بطريقة بطيئة لكن مستمرة.

وفقًا لحسابات الفريق، لن تتطلب وفرة الوشاح المرصودة من نظائر النيون والهيليوم الشمسية كميات هائلة من المواد المشابهة لتلك في حجر نيزك مقاطعة واشنطن، إذا كان 1 إلى 2% فقط من اللب يحتوي على تركيبة مماثلة، فقد يفسر ذلك ما رصده تريلوف وفريقه.

نظرًا إلى مدى الاضطراب الذي كانت عليه الظروف المحيطة في أثناء تكوين النظام الشمسي ومدى اهتياج الشمس، فليس اختلاط الجسيمات الشمسية غريبًا.

قال الباحثون إن حقيقة تسرب هذه الجسيمات من اللب إلى الوشاح أمر مفاجئ، وتشير إلى أننا قد نحتاج إلى إجراء تحليل للنواة ضمن الأبحاث والنمذجات المستقبلية.

بالنسبة إلى كوكبنا، قد يقدم هذا حلًا جديدًا للمشكلات المتعلقة بالحفاظ على أنظمة طبقات الوشاح المختلفة ذات الآثار المميزة الدالة على الغازات النبيلة بواسطة تدفق المخزونات الفردية من اللب، في الوقت ذاته قد يعني ذلك وجود دور مهم أهمل سابقًا للب الأرض في جيوكيمياء طبقة الوشاح والجيوديناميكية المتذبذبة التي يجب تضمينها في الدراسات المستقبلية.

اقرأ أيضًا:

هل يبلغ عمر لب الأرض مليار عام فقط؟

إلى متى سيدوم لب الأرض ؟

ترجمة: رولان جعفر

تدقيق: أحلام مرشد

المصدر