يعود ظهور رمز QR (الاستجابة السريعة) إلى عام 1994، ما يجعله قديمًا مقارنةً بالمنتج الذي يعلن عنه: العملة المشفرة، وظهر الرمز في إعلان تجاري لمنصة تبادل العملات المشفرة كوين بيس يرتد من زاوية إلى أخرى على شاشة سوداء، أدى الإعلان إلى 20 مليون زيارة على صفحتهم على الويب، ما أدى إلى تعطل الموقع مدة ساعة تقريبًا، كان للإعلان صدى كبير، إذ حاز على جائزة سوبر كليو لأفضل إعلان تجاري في سوبر بول.

ابتكر عامل في شركة فرعية لشركة تويوتا تقنية لتتبع قطع غيار السيارات من خلال سلسلة التوريد في اليابان، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت تُستخدم رموز الاستجابة السريعة في الولايات المتحدة بوصفها مكونًا تفاعليًا لكثير من السلع الاستهلاكية قبل أن تتلاشى بسرعة لتصبح قديمة مثل كاميرات الأفلام التي يمكن التخلص منها أو هواتف زاك موريس المحمولة.

لكن هذه التكنولوجيا، وبعد ظهور جائحة كوفيد-19 وعندما حاول الناس العودة لممارسة الحياة الطبيعية كتناول الطعام في الخارج؛ ساعدت على السماح بذلك وأصبح بإمكان العملاء مسح رموز الاستجابة السريعة لقوائم المأكولات والمشروبات الخاصة بالمطاعم.

أفادت جمعية المطاعم الوطنية في واشنطن التي تمثل أكثر من 380 ألف مطعم، بأن نصف المطاعم كاملة الخدمات في الولايات المتحدة قد نفّذت قوائم رمز الاستجابة السريعة، وأنه على مدار 18 شهر ارتفعت تنزيلات رمز الاستجابة السريعة بزيادة قدرها 750%.

وحتى قبل الجائحة، بدأت رموز الاستجابة السريعة في الظهور مرة أخرى في الإعلانات العامة. يقول بريان أندرسون كبير أطباء الصحة الرقمية في شركة ميتري لمجلة بوبيولار ميكانيكس إن الأوبئة لديها وسائل لتسريع الأمور وخاصة التكنولوجيا، إذ استُخدمت هذه الرموز لنقل البيانات دون لمس.

تاريخ موجز لرمز الاستجابة السريعة

أدرك جو وودلاند – المخترع الذي ترك المدرسة – أنه يستطيع إنشاء رمزًا مشابهًا لشفرة مورس لمساعدة التجار على معرفة معلومات المنتجات، فتقدّم وودلاند مع بوب سيلفر – الطالب في جامعة دريكسيل في فيلادلفيا – بطلب للحصول على براءة اختراع أول رمز ماسح ضوئي يستخدم دوائر متحدة المركز.

اختُبر الكود الدائري في سوبرماركت في مدينة سينسيناتي عام 1972، وأصبح ممكنًا مع تطوير ماسح ضوئي ليزري، لكن النمط كان صعبًا ولا يمكن إعادة إنتاجه على نطاق واسع. صمم المهندس جورج لاورير في شركة IBM رمز المنتج العالمي (UPC) على شكل مستطيل بخطوط مختلفة العرض ليحل محل الرمز الدائري، وهو ما نسميه حاليًا باركود.

وفي عام 1974 استخدم سوبرماركت في تروي بولاية أوهايو رمز UPC بنجاح لأول مرة، وأصبح الرمز منتشرًا أكثر في الثمانينيات، ما يعني إمكانية تتبع المنتجات لتحديد المُباع منها والأكثر أهمية، لكن الباركود يمكنها تخزين ما يصل إلى 12 رقم فقط، ما يحد من كمية المعلومات التي قد تحتويها.

قال هارا ماساهيرو الموظف في شركة دينسو الفرعية التي تصنع قطع غيار سيارات تويوتا في اليابان لـموقع نيبون: «كان يوجد ما يزيد عن عشرة رموز على كل صندوق، لقد سئم الموظفون من الاضطرار إلى مسح الصناديق ضوئيًا عدة مرات، وقد أدى ذلك إلى ابتكار رمز يتيح نقل كمية كبيرة من المعلومات في مسح ضوئي واحد».

ابتكر ماساهيرو رمزًا جديدًا عام 1994، باستخدام النقاط البيضاء والسوداء المستوحاة من لعبة Go القديمة لترميز معلومات أكثر بمئتي مرة من كمية المعلومات التي يرمّزها الباركود. على عكس الباركود الذي يُقرأ أفقيًا، يمكن قراءة رموز الاستجابة السريعة أفقيًا أو رأسيًا، ما يسمح بتخزين المزيد من البيانات. وبينما يستخدم الباركود لغة ثنائية باستخدام الآحاد والأصفار فقط، يستخدم رمز الاستجابة السريعة الجديد الأحرف أو الأرقام باللغة اليابانية، لغة ماساهيرو الأم.

بعدها حصل ماساهيرو على براءة اختراع رمز الاستجابة السريعة الجديد في اليابان والولايات المتحدة وأوروبا، واستُخدم في آسيا في المدفوعات غير النقدية بالإضافة لغرضه الأصلي وهو تخزين معلومات المنتجات.

قال مار هيكس الأستاذ المساعد في قسم تاريخ التكنولوجيا في معهد إلينوي للتكنولوجيا لمجلة بوبيولار ميكانيكس: «شاهد الناس في الولايات المتحدة استخدام رمز الاستجابة السريعة بنجاح في البلدان الأخرى، وأنه يمكن استخدامه هنا أيضًا، لكن لم يُؤخذ في الحسبان اختلاف سياق الأشياء في الولايات المتحدة عن غيرها من البلدان».

فشل إطلاق رموز الاستجابة السريعة في الولايات المتحدة

عندما نشرت الولايات المتحدة رموز الاستجابة السريعة أول مرة، ظهرت على منتجات مختلفة سواء كانت ضرورية أم لا، فانتشرت على أغلفة المجلات والإعلانات في محطات الحافلات، وكذلك في أماكن غير محتملة، مثل جوانب الشاحنات وأكياس الشاي وعلى ظهر قمصان الموظفين.

بالإضافة إلى ذلك، لم يكن الأمريكيون يمتلكون تقنية لمسح رموز الاستجابة السريعة بسهولة. في الصين تضمنت التطبيقات قارئات رموز الاستجابة السريعة مثل تطبيق علي بابا الشهير للتجارة الإلكترونية، وكذلك تطبيق المراسلة وي تشات، لكن لم يكن لدى الهواتف الذكية الأمريكية التقنيات المدمجة لقراءة رموز الاستجابة السريعة.

يوضح هيكس فيما يخص ذلك أن أهم شيء في أي تقنية جماعية هو وجود حاجز استخدام منخفض للدخول، وهذا ما لم يكن في الولايات المتحدة، فلم يتوافر حاجز منخفض بما يكفي لدخول معظم الأشخاص.

أشارت أبحاث السوق إلى قيام 6.2% فقط من مستخدمي الأجهزة المحمولة في الولايات المتحدة بمسح رمز الاستجابة السريعة في يونيو 2011، وكان نصف المستخدمين من صحيفة أو مجلة.

حياة رمز الاستجابة السريعة الجديدة

ظلت الرموز شائعة في آسيا، وفي عام 2017 قدمت أبل نظام التشغيل iOS 11 الذي دمج ماسحًا ضوئيًا لرمز الاستجابة السريعة مباشرة في برنامج الكاميرا الخاص بها، تبعتها أندرويد بعد عام إذ حطمت حواجز الاستخدام.

بدأت المسوقون والعلامات التجارية بتجربة التقنية، واستخدموا رموز الاستجابة السريعة بوصفها طريقة للوصول إلى الدعم الفني للمنتجات أو لإضافة جهات اتصال بسرعة على سناب شات. ومع ذلك، لم تنطلق التقنية فعليًا حتى ظهور جائحة كوفيد-19 عام 2020.

قال جاي ستانلي كبير محللي السياسات في اتحاد الحريات المدنية الأمريكية (ACLU) في واشنطن لمجلة بوبيولار ميكانيكس: «لقد تجاهلت نوعًا ما رموز الاستجابة السريعة قبل الوباء، وأصبح الهروب منها في أثناء ذلك مستحيلًا».

بدأت المطاعم في عرض الخدمات دون لمس، بما فيها خدمات التوصيل، واستخدام رموز الاستجابة السريعة على قوائم الطعام.

وأخبر هدسون ريل نائب رئيس جمعية المطاعم الوطنية مجلة بوبيولار ميكانيكس عن ملاحظته لنسبة الوجبات الخارجية، إذ كانت تمثل 61% من طلبات المطاعم. وفي عام 2020 مثلت 90% من الطلبات، وفي العام الماضي انخفضت إلى 80%.

يقول ريل: «إن المطاعم تحتاج إلى عمالة كثيفة بطبيعتها، وقد بدأت التكنولوجيا مثل أكشاك الشاشات التي تعمل باللمس والطلبات من التطبيقات في سد الثغرات الناجمة عن نقص الموظفين الذي استمر حتى قبل ظهور الوباء، ويتوقع العملاء الأصغر سنًا – الذين اعتادوا على استخدام هواتفهم الذكية – استخدام التكنولوجيا بوصفها جزءًا من تجربتهم في المطعم، سواء أكان تناول الطعام في الداخل أم في الخارج، بالإضافة إلى دفع الفواتير، إن الشيء الوحيد الذي فعله الوباء هو جعل العملاء وعاملي المطاعم يستخدمون التكنولوجيا في حياتهم اليومية براحة أكبر، وإن رموز الاستجابة السريعة مفيدة للمطاعم من ناحية تغيير القوائم بسهولة لتعديل الأسعار أو لإخفاء العناصر غير المتاحة».

خطر رمز الاستجابة السريعة الأمني

يقول ستانلي الذي شارك في تأليف قطعة توضح بالتفصيل مخاطر الخصوصية المتعلقة بمسح رمز الاستجابة السريعة باستخدام هاتفك: «إن رمز الاستجابة السريعة يأخذك إلى موقع الويب الخاص بالمطعم، ولكن قد يأخذك إلى موقع طرف ثالث يجمع فيه سماسرة البيانات – مثل أكوييم وإبسيلون وإكويفاكس – بياناتك باستخدام هاتفك أساسًا، وذلك لأغراض التسويق بناءً على التطبيقات التي تستخدمها أو الصور التي تلتقطها. ولا يتعلق الأمر بالضرورة بسرقة الهوية، ولكنه انتهاك للخصوصية. قد ترغب في الذهاب إلى مطعم، لكنك قد لا ترغب في الدخول في علاقة مع مطعم، وقد تريد التحكم بنوع المعلومات التي تقدمها، لكنك باستخدام رموز الاستجابة السريعة فأنت تنشئ تلك العلاقات الدائمة حتى لو لم تكن ترغب في ذلك. لذلك إن أبسط حل للحفاظ على أمان بياناتك في المطعم هو طلب قائمة ورقية».

كيف تعمل بطاقات التطعيم باستخدام رمز الاستجابة السريعة

ساعد أندرسون الطبيب والمتخصص في المعلومات الصحية في تطوير رموز الاستجابة السريعة لبطاقات التطعيم مع مبادرة اعتماد اللقاح (VCI) لكي تُستخدم في إثبات التطعيم، ومن الصعب تزوير رموز الاستجابة السريعة في بطاقات التطعيم المزيفة.

يقول أندرسون إن التقنية تملك كل ما يلزم للتحقق وإمكانية النقل، فالرموز رقمية ومشفرة ولا تحتاج إلى اللمس ولا تستهلك الكثير لنقل المعلومات. بالإمكان تحميل النسخة الإلكترونية من بطاقات الصحة الذكية التي قدمتها VCI في عام 2021 ومنها يستطيع المستخدمين الوصول إلى المعلومات الصحية وسجلات التطعيم باستخدام رمز الاستجابة السريعة.

تستخدم الآن خمس ولايات (نيويورك وكاليفورنيا وفيرجينيا ولويزيانا وهاواي وبورتوريكو) بطاقات الصحة الذكية، وهي متوفرة من بعض شبكات الرعاية الصحية والتطبيقات مثل كلير والصيدليات مثل والمارت وCVS ورايت إيد.

تقول كريستي جراي مديرة قسم التحصين (التمنيع) في وزارة الصحة في فيرجينيا إن رمز الاستجابة السريعة الخاص ببطاقة اللقاح ليس جواز سفر، لكنه سيكون ضروريًا للسفر في جميع أنحاء البلاد، وتوجد بعض الشركات والخدمات التي تتطلب إثبات التطعيم.

اقرأ أيضًا:

كيف تعمل الرموز الشريطية (الباركود) وأجهزة المسح الخاصة بها؟

أحد عشر اختراعًا مثيرًا للاهتمام منذ خمسينيات القرن الماضي ما زالت تؤثر في حياتنا حتى يومنا هذا

ترجمة: تسنيم فندقلي

تدقيق: عبد الرحمن داده

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر