عام 219 قبل الميلاد، قاد هنيبعل القرطاجي هجومًا على مدينة ساغونتوم، وهي مدينة مستقلة متحالفة مع روما، ما أشعل شرارة الحرب البونية الثانية. ثم سار بجيشه الهائل عبر جبال البرانس والألب إلى إيطاليا الوسطى، في حملة خلدها التاريخ بوصفها من أشهر الحملات العسكرية. بعد سلسة من الانتصارات أبرزها في كاناي عام 216 قبل الميلاد، حصل هنيبعل على موقع في جنوب إيطاليا، لكنه أحجم عن شن هجوم على روما نفسها.

أما الرومان فقد ردوا الهجوم وأخرجوا القرطاجيين من إسبانيا وبدأوا بغزو شمال إفريقيا. في عام 203 قبل الميلاد تخلى هنيبعل عن نضاله وحربه في إيطاليا ليدافع عن شمال إفريقيا، وتلقى هزيمةً مريرة على يد سكيبيو في زاما في السنة التالية. ومع أن المعاهدة أنهت الحرب البونية ووضعت نهاية لقرطاجة بوصفها قوةً استعمارية، استمر هنيبعل بالسعي وراء حلمه الأبدي -تدمير روما- حتى مماته عام 183 قبل الميلاد.

حياة هنيبعل الباكرة وهجومه على ساغونتوم

وُلِد هنيبعل عام 247 قبل الميلاد في شمال إفريقيا. زعم بوليبيوس وليفي -اللذان تشكِّل كتاباتهما التاريخية المصادر الرئيسية فيما يتعلق بحياة هنيبعل- أن والد هنيبعل، الجنرال القرطاجي العظيم هاميلكار برقا، جلب ابنه إلى إسبانيا (إقليم بدأ غزوه نحو عام 237 قبل الميلاد) وهو صغير السن. مات هاميلكار عام 229 قبل الميلاد وخلفه صهره صدر بعل الذي عيّن هنيبعل الشاب ضابطًا في الجيش القرطاجي. عام 221 قبل الميلاد، اغتيل صدر بعل، واختار الجيش هنيبعل البالغ من العمر 26 عامًا بالإجماع لقيادة إمبراطورية قرطاجة في إسبانيا. عزز هنيبعل سلطته سريعًا في المنطقة انطلاقًا من القاعدة البحرية في قرطاجنة (قرطاجة الجديدة)، وتزوَّج أيضًا أميرة إسبانية.

كل ما تود معرفته عن هنيبعل - هنيبعل القرطاجي - الجنرال القرطاجي العظيم هاميلكار برقا - قيادة إمبراطورية قرطاجة في إسبانيا

عام 219 قبل الميلاد، قاد هنيبعل هجومًا قرطاجيًا على ساغونتوم، وهي مدينة مستقلة تتوسط الساحل الشرقي الإسباني اعتدت على بلدات قرطاجية قريبة منها. وفقًا للمعاهدة التي أنهت الحرب البونية الأولى، كان نهر إيبرو الحد الشمالي للنفوذ القرطاجي في إسبانيا، كانت ساغونتوم جنوب إيبرو، لكنها كانت متحالفة مع روما التي رأت هجوم هنيبعل إعلانًا للحرب. حاصرت القوات القرطاجية ساغونتوم 8 أشهر قبل سقوطها. طالبت روما باستسلام هنيبعل، لكنه رفض وأعد خططًا لغزو إيطاليا، ما يُعد بداية الحرب البونية الثانية.

هنيبعل يغزو إيطاليا

كلف هنيبعل أخاه صدر بعل برعاية مصالح قرطاجة في إسبانيا وشمال إفريقيا، وحشد جيشًا ضخمًا يتضمن -وفقًا لبوليبيوس، وقد تكون الأرقام مبالغة- 90 ألف جندي مشاة و12 ألف فارس و40 فيلًا. غطى الجيش 1600 كم عبر جبال البرانس ونهر الرون وجبال الألب المغطاة بالثلج إلى وسط إيطاليا، وخُلِّد بوصفه من أشهر الحملات العسكرية في التاريخ. قابل هنيبعل الجيش الروماني القوي بقيادة الجنرال سكيبيو، الذي أُنهك جيشه بعد عبور جبال الألب القاسية، في السهول غرب نهر تيسينو. انتصر فرسان هنيبعل وأُصيب سكيبيو بجروح خطيرة في المعركة.

لاحقًا في عام 218 قبل الميلاد، هزم القرطاجيون الرومان مجددًا على الضفة الغربية لنهر تريبيا، ما أكسب هنيبعل دعم حلفاء منهم الغاليون والليغوريون. بحلول ربيع عام 217 قبل الميلاد، تقدم هنيبعل صوب نهر أرنو حيث أحجم عن قيادة قواته المنهكة لمهاجمة روما مع أنه انتصر عند بحيرة تراسيمين. في الصيف التالي واجه القرطاجيون 16 فيلقًا رومانيًا عددهم نحو 80 ألف جندي، وهو جيش قيل إنه بلغ ضعف عدد جيش هنيبعل، قرب كاناي.

وفي حين جمع الجنرال الروماني فارو مشاته في الوسط ووضع الفرسان عند الجناحين في تشكيل عسكري تقليدي، ترك هنيبعل الوسط ضعيفًا نسبيًا، وحشد تشكيلات قوية من الفرسان والمشاة في الجناحين. وعندما تقدم الرومان، تمكن القرطاجيون من التحكم بوسطهم وفازوا بالمعركة على الجانبين، إذ طوَّقوا عدوهم وحرموه أي إمكانية للانسحاب، بإرسال الفرسان للإطباق عليه ومهاجمته في مؤخرة الجيش.

من النصر إلى الهزيمة

صعقت الهزيمة الرومانية في كاناي معظم جنوب إيطاليا، وانضم كثير من حلفاء روما إلى الجانب القرطاجي. بدأ الرومان بعد فترة وجيزة بالاحتشاد معًا تحت قيادة صهر سكيبيو، وزميله الجنرال كوينتوس فابيوس ماكسيموس. في جنوب إيطاليا، استخدم فابيوس تكتيكات وأساليب حذرة لدفع قوات هنيبعل تدريجيًا إلى الخلف واستعاد قسمًا لا بأس به من الأراضي بحلول عام 209 قبل الميلاد. في شمال إيطاليا عام 208 قبل الميلاد هزمت القوات الرومانية جيشًا قاده أخو هنيبعل (صدر بعل)، الذي عبر جبال الألب في محاولة لتقديم العون لأخيه.

في تلك الأثناء، اعتمد سكيبيو على دعم روما الذي لا ينضب من القوى البشرية لإطلاق هجوم على قرطاجنة وإخراج القرطاجيين من إسبانيا، ثم غزا شمال إفريقيا مجبرًا هنيبعل على سحب جيوشه من جنوب إيطاليا عام 203 قبل الميلاد ليدافع عن الوطن الأم. في العام التالي، التقى هنيبعل بقوات سكيبيو في معركة قرب زاما التي تبعد 120 كم عن قرطاجة. كان الرومان -بمساعدة حلفائهم في شمال إفريقيا، النوميديين- من حاصر القرطاجيين ومحقهم هذه المرة، إذ قتلوا منهم نحو 20 ألف جندي مقابل 1500 فقط من رجالهم. ومُنِح سكيبيو لقب الإفريقي تكريمًا لنصره العظيم.

حياة هنيبعل بعد الحرب ووفاته

في اتفاقية السلام التي أنهت الحرب البونية الثانية، سمحت روما لقرطاجة بالاحتفاظ بأراضيها في شمال إفريقيا فقط، لكنها فقدت كل إمبراطوريتها ما وراء البحار تمامًا. أُجبِرت قرطاجة أيضًا على تسليم أسطولها ودفع تعويض كبير من الفضة، وألّا تعيد التسلح أو تعلن الحرب دون موافقة روما. احتفظ هنيبعل -الذي نجا بحياته من هزيمة مدمرة في زاما وظل يضمر الرغبة في إلحاق الهزيمة بروما- بلقبه العسكري، رغم توجيه اتهامات إليه بسوء إدارة الحرب، وعُيِّن قاضيًا في حكومة قرطاجة.

تبعًا لليفي، هرب هنيبعل إلى بلاط مدينة إفسس في سورية بعد أن أبلغ معارضون من الأسر القرطاجية النبيلة الرومان عنه لتشجيعه أنطيوخس الثالث حاكم سورية على القتال ضد روما. لاحقًا عندما هزمت روما أنطيوخس، كان أحد شروط السلام دعوة هنيبعل للاستسلام. لتجنب هذا المصير، هرب هنيبعل إلى جزيرة كريت، أو ربما انضم إلى قوات مسلحة متمردة في أرمينيا. بعدها خدم هنيبعل بروسياس ملك بيثينيا، في حرب فاشلة أخرى ضد حليف روما أومينيس الثاني ملك برغاموم. في أثناء هذا الصراع طالب الرومان مجددًا باستسلام هنيبعل. وبعد اكتشافه أنه عاجز عن الهرب، انتحر بالسم نحو عام 183 قبل الميلاد في بلدة ليبيسا البيثينية.

اقرأ أيضًا:

دراسة للحمض النووي تكشف التاريخ المروع لتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي

مجتمع ما بعد الجائحة: الآثار المجتمعية وعواقب الأوبئة الماضية

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: علي البيش

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر