إذا بقي أي شخص في الخارج يراقب السماء مدة ساعة أو ساعتين، يمكنه بسهولة رصد عشرات الأقمار الصناعية تشق طريقها عبر السماء.

الأمر يبدو مربكًا، إذ إن الأقمار الصناعية تبدو بعيدةً جدًا في الفضاء لدرجة تجعلنا نعتقد أنها غير مرئية تقريبًا، ونادرًا ما تُرى. لكن هذا الأمر مضلل؛ فمعظم الأقمار الصناعية أقرب بكثير مما يُعتقد، وكثير منها أيضًا كبير ولامع، ما يجعلها ساطعةً.

قد يكون الوقت ليلًا عند رصد قمر صناعي من الأرض، إلا أن القمر الصناعي الموجود في الأعلى ما يزال بإمكانه تلقّي أشعة شمس كاملة ويقوم بعكسها بكل سهولة. كل هذا يجعل مهمة رصد الأقمار الصناعية في غاية السهولة.

يوجد حاليًا أكثر من 7500 قمر صناعي نشط حول الأرض. تتراوح بين الأقمار الصناعية العسكرية ذات القدرات السرية، إلى المراصد الفلكية بعيدة الرؤية، إلى المركبات الفضائية التجارية العادية التي توفر قدرة التنبؤ بالطقس والاتصالات وغيرها من الخدمات الاستهلاكية بالإضافة لآلاف أخرى غير نشطة.

العديد من هذه الأقمار الصناعية المستنفدة عبارة عن معززات صاروخية ما تزال تدور حول كوكبنا لفترة طويلة بعد أن رفعت حمولاتها المدارية.

بعض الأقمار الصناعية صغيرة بحجم محمصة الخبز، في حين أن بعضها الآخر ضخم، مثل تلسكوب هابل الفضائي بحجم حافلة. تكون الأنواع الأكبر حجمًا أكثر سطوعًا، لأنها توفر مساحة أكبر لعكس ضوء الشمس.

عند غروب الشمس في يوم غائم جزئيًا، يُلاحظ أن السحب تبقى مضيئةً حتى بعد غروب الشمس. نظرًا لأن السحب على ارتفاعات عالية نسبيًا، فتظل قادرةً على عكس ضوء الشمس فوق الأفق لفترة قصيرة. تكون الأقمار الصناعية أعلى من ذلك، لذا يمكن أن تكون معرّضةً لضوء الشمس الكامل حتى بعد ساعات من غروب الشمس.

ما مدى ارتفاع الأقمار الصناعية؟

لا يوجد حد أعلى يمكن اعتماده بسهولة للغلاف الجوي للأرض، الذي يصبح أقل كثافةً مع الارتفاع، لكن معظم عشاق الفضاء يعلمون أن الفضاء يبدأ عند ارتفاع 80 إلى 100 كيلومتر فوق سطح الأرض.

هذه الحدود التي تسمى خط كارمان، حيث يصبح الهواء رقيقًا جدًا وتكون تأثيراته على الأجسام الكبيرة التي تدور حوله ضعيفةً للغاية. ولكي تبقى آمنةً ومحميةً من قوى سحب الغلاف الجوي.

تدور معظم الأقمار الصناعية على ارتفاع 160 كيلومترًا على الأقل فوق سطح الأرض. والمسافة التي تبدأ من هذا الارتفاع إلى ارتفاع 2000 كيلومتر فوق سطح الأرض تسمى (مدار الأرض المنخفض) هذا يعني أن الأقمار الصناعية التي تمر فوق رؤوسنا أقرب مما نتوقع.

في الحقيقة، ستكون معظم الأقمار الصناعية أبعد من ذلك، يعتمد ذلك على مدارها ومكان تواجدها في هذا المدار بالنسبة لموقعنا على الأرض. فإذا رأينا واحدًا فوقنا بشكل مباشر في قمة السماء، فهو في أقرب مسافة الينا، أما عندما يكون القمر الصناعي في الأفق، لو كان في مدار الأرض المنخفض، يمكن أن يكون على بعد أكثر من 1000 كيلومتر، وبالتالي سيبدو أكثر خفوتًا.

يمكن للاختلافات في الهندسة الإنشائية أيضًا أن تغير شكل القمر الصناعي للناظر من الأرض. إذ يحتوي بعضها على ألواح عاكسة يمكنها التقاط ضوء الشمس بالزاوية الصحيحة لتكون بمثابة مرآة توجه الضوء مباشرةً نحونا لفترة قصيرة، وهذا ما يسمى بالتوهج. وقد تتسبب في زيادة سطوع القمر الصناعي بسرعة قبل أن يخفت بنفس تلك السرعة.

تنشأ ظاهرة أخرى ملفتة للنظر عندما يتعثر القمر الصناعي، ويتدحرج في أثناء دورانه في مداره، وتعد معززات الصواريخ المستهلكة السبب الرئيسي. لكن عندما تتعثر وتدور، ستبدو وكأنها تنبض ببطء؛ منتقلةً من السطوع إلى الخفوت في دورة منتظمة. وفي الصور المُلتقطة بتقنية التصوير ذو التعريض الطويل للضوء تبدو كأنها خط متقطع مقابل النجوم.

تعتمد سرعة حركة القمر الصناعي عبر السماء على مدى ارتفاع مداره. إذ تتحرك الأقمار الصناعية ذات الارتفاعات المنخفضة بالسرعة النظرية نفسها التي تتحرك بها الطائرة تقريبًا. مع ذلك، لا تنخدع؛ لأن السّرعات النموذجية في المدار الأرضي المنخفض ما تزال حوالي 28 ألف كيلومتر في الساعة، ذلك أسرع بعشرات المرات من طائرة الركاب.

في الواقع، هذا التشابه في السرعة النظرية يجعل من السهل الخلط بين القمر الصناعي والطائرة. لكن إحدى الطرق المميزة للتفريق بينهما هي أن سطوع القمر الصناعي يميل إلى أن يكون ثابتًا (أو يتغير ببطء)، في حين أن أضواء تجنب الاصطدام في الطائرة تومض بسرعة. وعندما تكون الطائرة أيضًا قريبةً بدرجة كافية، يمكن تمييز أضواء الملاحة الحمراء والخضراء على أطراف أجنحتها.

أفضل مثال على قمر صناعي ساطع من الممتع رؤيته هو محطة الفضاء الدولية (ISS). إذ يبلغ طولها أكثر من 100 متر؛ أي إنها أكبر هيكل في مدار الأرض. تظهر ساطعةً عندما تمر بهدوء وسلاسة عبر السماء. وبينما نراقب ذلك، يجب أن نتذكر أن هناك بشرًا يعيشون في نقطة الضوء تلك؛ وهذا مدهش!

توجد بعض الأقمار الصناعية في مدار أعلى بكثير، وتتحرك بشكل أبطأ بكثير، وتميل إلى أن تكون باهتةً أيضًا، ما يجعل اكتشافها أكثر صعوبةً.

أبرز هذه الأقمار وأكثرها عددًا، تلك التي تسمى الأقمار الصناعية المتزامنة مع الأرض. إذ إنها تدور حول الأرض على ارتفاع حوالي 36 ألف كيلومتر، ما يمنحها فترةً مداريةً تساوي تمامًا دوران الأرض.

بالنسبة لنا على الأرض، تبدو مثبتةً في السماء، غير متحركة (أو تتحرك ببطء شديد) مع شروق النجوم وغروبها. عادةً ما تُرصد بشكل أفضل في مقاطع الفيديو ذات الفاصل الزمني، لأنها لا تتحرك بالنسبة للأفق بقدر ما تفعل النجوم.

قد نرى أيضًا العديد من الأقمار الصناعية مجتمعةً معًا في صف واحد وتتحرك على شكل خط في أثناء عبورها للسماء، مثل عربات القطار على المسار. غالبًا ستكون هذه الأقمار الصناعية الخاصة بمشروع ستارلينك التابع لشركة سبيس إكس، التي نُشرت حديثًا وتتبع مسارًا مشتركًا قبل الدخول إلى المناطق المدارية المخصصة لها. إن منظرها مذهل، على الرغم من أنها لعنة علم الفلك الحديث.

في بعض الأحيان، بعد إطلاق مركبة فضائية إلى محطة الفضاء الدولية، يمكن رؤية نجم باهت يتبع المحطة؛ هذه هي سفينة إعادة الإمداد (التي تحمل أحيانًا رواد فضاء أيضًا) للحاق بمحطة الفضاء الدولية استعدادًا للالتحام بها.

كيف يمكن مشاهدة هذه الظواهر؟

توجد الكثير من التطبيقات ومواقع الويب لتتبع الأقمار الصناعية وإظهار الأقمار الصناعية التي يمكن أن تُرى، ومتى وأين تبحث عنها في السماء. ما عليك سوى إدخال موقعك بأكبر قدر ممكن من الدقة في جهاز تعقب الأقمار الصناعية.

اقرأ أيضًا:

اختبار نظريات اينشتاين بواسطة اقمار صناعية عالقة في مدارات لا مركزية

الأثر السلبي لأكبر قمر اصطناعي في تاريخ البشرية يقلق العلماء

ترجمة: يوسف الشيخ

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر