ليس سرًا بأن يكون طعام الطائرات مريعًا عديم المذاق، لكنّ ذلك ليس خطأ طاهي شركة الطيران حتمًا. في الواقع، تميّز براعم التذوق الطعام والشراب بشكل مختلف كثيرًا عند التحليق على ارتفاع 36000 قدم مقارنة مع مستوى سطح البحر.

قال رامزي المعروف بمطاعمه الحائزة على نجمة ميشلان وشخصيته التلفزيونية إنه لا يتناول طعام الطائرات مطلقًا، وأضاف: «لا توجد طريقة جيدة لتناول الطعام على متن الطائرات. لقد عملت عشر سنوات، لذا أعلم أين كان هذا الطعام وأين يذهب والمدة التي استغرقها قبل أن يصبح على متن الطائرة».

وقال الشيف دانيال بولود الحائز على نجمة ميشلان أيضًا إنه لا يتناول طعام الطائرات إلا إذا كان مسافرًا على درجة الأعمال.

قال بولود الذي صمم وجبات لدرجة رجال الأعمال في الخطوط الجوية الفرنسية والدرجة الممتازة مدة عامين، في مقابلة: «أحاول تجنب أي نوع من الطعام. توجد أحيانًا مجموعات طعام غريبة».

لدى رامزي وبولود وجهة نظر، إذ يصعب تذوّق وجبات الطعام المُقدمة في الطائرات، خاصةً بالنسبة للأشخاص الذين يسافرون على الدرجة الاقتصادية في الرحلات الدولية أو الرحلات الطويلة.

يتمتع طعام الطائرات بسمعة سيئة لعدة أسباب: الطريقة التي يُحضَّر ويُخزَّن بها الطعام، والبيئة التي يُقدَّم بها على متن الطائرة، وظروف الطيران، تجتمع كلها لتؤثر في طريقة تذوّق الوجبات.

في حين أنه يوجد تنوع أكبر قليلًا في الدرجة الأولى أو درجة رجال الأعمال، إذ تشمل قائمة بولود على الخطوط الجوية الفرنسية جراد البحر وقطع لحم الخروف والدجاج المطهو ببطء، تتكون وجبة الطيران النموذجية التي تُقدَّم في الدرجة الاقتصادية من طعام مغطى بالصلصة لمنعه من الجفاف.

كتب جون براج، الذي سافر من المملكة المتحدة إلى الإمارات العربية المتحدة منشورًا عن الوجبات على الخطوط الجوية، وحصلت وجبته على تصنيف واحد من عشرة على الموقع الإلكتروني الذي يتتبع وجبات شركات الطيران كل يوم. وردّت الخطوط الجوية البريطانية بإنها تراجع ملاحظات العملاء وأفراد الطاقم بانتظام.

تُجمّد شركات الطيران الوجبات الجاهزة على الأرض قبل الإقلاع وتُذيبها بعد الطيران، وفقًا لتشارلز سبينس، أستاذ علم النفس التجريبي في جامعة أوكسفورد.

على الرغم من أن الطائرات تحلّق عمومًا على ارتفاعات تبلغ 40 ألف قدم، فإن ضغط الهواء في الحجرات يتراوح بين 6000 و8000 قدم فوق مستوى سطح البحر، ما يجعل من الصعب إعداد وجبات طازجة على متن الطائرة.

قال سبينس: «تُحضَّر الوجبات مسبقًا، لذا تُثبَّت في الرفوف لعدة ساعات، ثم يعاد تسخينها في ظروف أقل من مثالية، ما يُساهم في انعدام مذاقها الرائع».

قال غيوم دي سيون، الأستاذ في كلية أولبرايت، إنه بينما يُحضَّر طعام الطائرات بطريقة مشابهة لطريقة إعداد الوجبات السريعة وتقديمها، يتعين على المضيفات خدمة عدد أكبر من الأشخاص في فترة زمنية أقل من تلك الموجودة في مؤسسات الوجبات السريعة.

نظرًا لأن شركات الطيران تخدم مئات الأشخاص في نفس الوقت بانتظام، فإنها تبذل قصارى جهدها لمنع الطعام من الجفاف. وهذا يعني أنّ وجبة الدرجة الاقتصادية النموذجية تتكون من الدجاج العائم في صلصة الكريمة والمرق الإضافي للحوم البقر أو البطاطا المهروسة حتى تصبح سائلة.

قال دي سيون، الذي يركّز عمله على تاريخ الطيران: «لقد أدركت شركات الطيران أنه بحلول الوقت الذي تُقدم فيه الخدمات لما يزيد عن 250 مسافرًا، سيصبح الطعام إما باردًا أو جافًا. الحل؟ اغمر كل ما تقدمه في سائل».

لكن حتى عندما يُحضَّر طعام الطائرات بطريقة تجعله جيّد المذاق قبل إقلاع رحلة الطيران، فإن الجمع بين الضغط المنخفض وضجة المحرك الصاخبة في حجرات الطيران تؤثر بشدة في قدرة الركاب على الشم والتذوق، ما يجعل الطعام الأفضل تحضيرًا يبدو مُعَدًا بلا مبالاة.

يصبح الهواء جافًا جدًا داخل حجرة الطائرة المغلقة، ويُقدّر أن نسبة الرطوبة في الهواء في الطائرة التجارية تبلغ ما يقارب 12% وهي أكثر جفافًا من معظم الصحارى، وتصبح الممرات الأنفية جافة بسبب نقص رطوبة الهواء، ما يؤدي إلى انخفاض قدرة نظام حاسة الشم على تمييز الروائح.

نظرًا لأن للرائحة دورًا حيويًا في حاسة التذوق، فمن الممكن تقليل إدراكنا لنكهة الطعام، ما يجعل طعمه أخفّ. يميل الهواء الجاف في حجرة الطيران إلى كبت حاسة الشم التي تعد عاملًا مهمًا في التذوق.

يؤثر ضغط الهواء المنخفض والضجة الخلفية في طريقة التذوق، بالقدرة على كبت تذوق الطعام الحلو والمالح، وفقًا لسبينس. نظرًا إلى أنه قد تصل الضجة داخل حجرات الطائرة إلى حوالي 80 ديسيبل -تقريبًا مثل المكنسة الكهربائية- فمن الممكن أن يُضعف ذلك الاستمتاع بالطعام.

يجب على متعهد تقديم الطعام أن يضيف ما يصل إلى 30% إضافية من السكر أو الملح إلى الوجبة ليكون مذاق الطعام نفس مذاقه قبل أن يكون في الهواء.

أوضح الأستاذ المساعد في علوم الغذاء في جامعة نيويورك، روبن داندو، في تصريح: «أكّدت دراستنا أن حاسة التذوق تتأثر في بيئة من الضوضاء الصاخبة. من المثير للاهتمام أنّ هذا كان بالمذاق الحلو والأومامي خاصة، إذ تثبّط المذاق الحلو وتحسّن مذاق الأومامي بشدة. قد تغير الخصائص المتعددة الحواس للبيئة التي نستهلك فيها طعامنا إدراكنا الحسي للأطعمة التي نتناولها».

وجدت دراسة أُجريَت عام 2010 من قبل معهد فراونهوفر للفيزياء، بتكليف من لوفتهانزا، في الوقت الذي تكبت فيه الضجة المرتفعة على الطائرات مذاق الأطعمة الحلوة، فإنها تعزز نكهة الأومامي، وهو المذاق اللذيذ الموجود في أطعمة مثل جبنة البارميجان وصلصلة الصويا. تفسر القدرة المتزايدة على تذوّق نكهة الأومامي سبب كون عصير الطماطم خيارًا شائعًا للمشروبات في رحلات الطيران.

صرّحت الدكتورة أندريا بورداك فريتاغ، وهي كيميائية عملت في المشروع، أنّ طعام الطائرات يبدو كما هو الحال عند الإصابة بنزلة البرد.

بعد الدراسة، بدأت لوفتهانزا تجربة الطريقة التي تحسّن بها الطعام، وفقًا إلى إرنست ديرنيثال، مدير المنطقة وتصميمات الإنتاج للخطوط الجوية. ساعدت إضافة المزيد من التوابل إلى الطعام مثل الملح والفلفل والسكر إلى حد ما. وجدت شركة الطيران أنّ المكونات مثل القرفة والزنجبيل والثوم والتشيلي والكاري لا تحتاج إلى الكثير من التعديل وتحافظ على مذاق الطعام.

دفعت هذه الاكتشافات لوفتهانزا إلى الاعتماد على نكهات مكثفة طبيعيًا مثل زيوت البرتقال والطماطم ومركزات الطماطم لتعزيز الطعام الذي تقدمه شركة الطيران، بدل زيادة الملح والسكر فقط.

ضاعفت شركة الطيران كمية الأعشاب الطازجة المُستخدمة في الصلصات وخفضت كمية الحموضة الموجودة في صلصة السلطة.

قال ديرنثال: «نحاول حقًا تلبية مجموعة واسعة من الركاب. يجب أن يُلبّي الطعام الذي نصنعه أذواق الجميع».

تُحارب شركة الطيران الأخرى سمعة طعام الطائرات. قالت ليزا باور، نائب رئيس خدمات دلتا على متن الطائرة، أنّ شركة دلتا للخطوط الجوية، مثلها مثل لوفتهانزا، بدأت في دمج زيوت وأعشاب مختلفة وتوابل قوية لتعزيز نكهات طعامها.

بدأت الخطوط الجوية البريطانية في إدخال المزيد من العناصر الغنية بالأومامي إلى قائمتها في عام 2013، واستبدلت العناصر التي لا طعم لها مثل الجبن غير الحريف بأطعمة أقوى مثل جبن الماعز والطماطم المجففة. وفي وقت سابق، من هذا العام أعلنت شركة طيران هونغ كونغ كاثي باسيفيك عن بيرة جديدة تُخمّر بالعسل وتوت اللونجان المصنوع خصيصًا لإضفاء مذاق جيد في الرحلات.

قال سبينس أنّه لاحظ الجهد في رحلاته. تناول مؤخّرًا وجبة غنية بالأومامي على متن رحلة إلى بوغوتا بكولومبيا، عبر شركة الطيران الكولومبية أفيانكا، عند تقديم لحم الخروف مع الطماطم والفطر. وقال: «كانت جيدة بشكل مفاجئ».

اقرأ أيضًا:

كيف يتناول رواد الفضاء طعامهم خلال رحلاتهم الفضائية؟

كيف تؤثر الأطعمة المالحة على شعورنا بالجوع وفقداننا الوزن

ترجمة: ليليان عازار

تدقيق: لين الشيخ عبيد

المصادر: 1 2