يعلم من يسافر بانتظام كيف أصبح سفر الطائرة غير مريح خلال السنوات القليلة الماضية. فالمقاعد أصبحت أضيق والمساحة المخصصة للساقين باتت أصغر مما كانت عليه في السنوات الماضية. ومع ارتفاع الأسعار نتيجة التضخم المالي وجشع الشركات، غدَت رحلات الطيران من الدرجة الاقتصادية شكلًا من أشكال التعذيب الحديث بدلًا من كونها تجربةً فاخرةً.

أضف إلى ذلك البنية المروعة للمقاعد ذات الطابقين ومقاعد الوقوف التي يحاول المصممون وشركات الطيران بيعها للعامة، لتصبح بذلك صورة مستقبل السفر الجوي مدعاةً للاكتئاب.

لنأخذ مثلًا آخر صيحة والتي سُميت بمشروع (Chaise Longue) للمصمم (Alejandro Núñez Vincente) الذي ذُكر في معرض Aircraft Interiors Expo في هامبورغ في ألمانيا أكثر من مرة في أسابيع قليلة، وربما وصلنا إلى ذروة تصميم مقاعد الطيران غير المريحة، إذ تنشر وسائل الإعلام قصصًا حول ما يحدث عندما يطلق شخص ما الريح على هذه المقاعد.

لكن قبل إعلان نهاية رحلات الطيران المخصصة للبشر ذات الدرجة الاقتصادية أو إبداء الاستياء من عدد الأشخاص المكدسين في تلك الرحلات، يجب إجراء بعض الأبحاث ومعرفة سبب عدم ترجيح انتشار هذه التصاميم.

مجموعة متنوعة من البنى

مقعد الوقوف موجود منذ أكثر من 20 عامًا، فقد كانت شركة Airbus أول من ابتكر فكرة المقاعد الدائمة، وقدمت براءة اختراع لها عام 2015. وفي عام 2019، عرضت هيئة تصميم إيطالية عُرفت بـِ Aviointeriors مقعدًا عموديًا بشكل دراجة سُمّي Skyrider كان به أعمدة تربط كل صف داخل الطائرة. ومع إن تلك الفكرة تسببت في الكثير من القلق في مجتمع السفر، وجعلت بعض الرؤساء التنفيذيين في شركات الطيران ذات الميزانية المحدودة (we’re looking at you و Ryanair و Spring Airlines) يطرحون فكرة تركيبها، فإن هذه المقاعد لم تُقلع إطلاقًا، وببساطة لن تطير.

كانت فكرة المقاعد المكدسة موجودة منذ سنوات عديدة، إذ تعود براءات الاختراع إلى عام 1948. وقد شمل بعضها كل شيء؛ من المقاعد المواجهة للخارج إلى الأسرّة ذات الطابقين، والمقاعد على شكل قرص العسل، والمقاعد التي يجلس فيها المسافر بوضعية اليوغا، أكثر من كونها مقاعد الطائرة. أحدث مشروع في هذا السياق Chaise Longue ذو الطابقين.

لوائح إدارة الطيران الفيدرالية

في الولايات المتحدة، تتولى إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) مسؤولية تنظيم جميع أعمال الطيران المدني. إذ تتعلّق كثير من القواعد مباشرةً مع المقاعد وطرق الوصول إلى مخرج الطوارئ، إضافةً إلى عدد المضيفات لكل راكب، والمتطلبات المادية التي يجب أن تلتزم بها المقاعد في «الظروف الديناميكية للهبوط في حالات الطوارئ». لكن لا تتناول أيٌ من هذه اللوائح على وجه التحديد مشكلة الراحة أو المساحة الشخصية في مقاعد الطائرة.

أمّا إذا قررت شركات الطيران تجربة المقاعد ذات الطابقين أو مقاعد الوقوف، فيجب عليها أن تستوفي معايير FAA الصارمة، ومنها الظروف الديناميكية للهبوط في حالات الطوارئ المذكورة أعلاه.

في المقاعد المكدسة، تكون رؤوس الركاب في الطبقات السفلية قريبةً بصورة خطرة من تلك المقاعد الموجودة في المستويات العليا، ما قد يتسبب في إصابة خطيرة في حال حدوث مناورة طارئة. وينطبق الأمر نفسه على مقاعد الوقوف نظرًا لأنها متقاربة جدًا من الأمام إلى الخلف حيث تكون رؤوس الركاب أقرب بكثير إلى جسم الطائرة في حال اعتماد هذا النوع من المقاعد.

ولدينا أيضًا الجدل السياسي بشأن مقاعد الطائرة، ففي أواخر 2022 افتتحت إدارة الطيران الفيدرالية جلسة للتعليق على أحجام المقاعد في الرحلات الجوية، فامتلأت طاولتها بأكثر من 26 ألف تعليق قبل إغلاق الجلسة، وصبّت شركات الطيران الكبرى جام غضبها على قضية الحد الأدنى لأ حجام المقاعد. وفي يونيو 2023 أعادت السيناتور الديمقراطية تامي داكويرث فتح القضية وقدمت قانون S.1765 بوصفه تشريعًا يحدّ من تقلص حجم مقعد الطائرة. وداكويرث هي ضابط متقاعد برتبة عقيد من الحرس الوطني في الجيش، وهي أول امرأة من ذوات الإعاقة تُنتخب لعضوية الكونجرس الأمريكي.

تصميم الطائرة والوزن الإضافي

وفقًا لصحيفة Washington Post، يحظى مشروع القانون بدعم نقابات الطيارين والمضيفات والركاب ومجموعات المساندة الطبية. وسوف تتطلب إعادة تقييم قواعد الإخلاء لعام 2018 التي تدعو الركاب إلى أن يكونوا قادرين على الإخلاء في غضون 90 ثانيةً. يُجرى اختبار إدارة الطيران الفيدرالية FAA الحالي مع ركاب غير معاقين ومن دون حقائب يد.

اعترف مسؤول إدارة FAA أن هذه الاختبارات: «كانت مفيدةً ولكنها ليست نهائيةً بالضرورة». إذ سيتطلب مشروع القانون الجديد من الإدارة دراسة مدى سهولة أداء الأشخاص بمختلف الارتفاعات والأحجام والأعمار لهذه المهام، واختبار القدرة على التنقل لإخلاء الطائرة بسرعة وأمان، مع الأخذ بالحسبان ظروف الظلام والدخان والأحمال في اليد. ومشروع القانون حاليًا في يد اللجنة.

لن تستوعب معظم تصميمات الطائرات الحالية العديد من هذه التصاميم الواقفة أو المكدسة لأسباب عديدة، فمثلًا الطائرات A380 أو A320 أو A321 أو 737 لديها حظر للمقاعد المثبتة على أرضية تقل عن 28 إنشًا. وجميعها مجال تنافس مع أكبر المصنعين.

أحدث مقعد وقوف (Skyrider) تبلغ مساحته 23 إنشًا ذلك وفقًا لشبكة CNN. أمّا الأرضية فهي المسافة من ظهر المقعد إلى الجزء الخلفي من المقعد الموجود أمامه، ولا تُقاس مساحة الأرجل.

تاريخيًا، كان قياس مساحة المقعد يتراوح بين 33 و 34 إنشًا، أمّا اليوم فيبلغ حجمها 28 بوصةً في بعض شركات الطيران مثل Spirit و 31 أو 32 إنشًا، في شركات أخرى مثل American و Delta.

في حين أن المقاعد مثل Chaise Longue و Skyrider قد تزيد كثيرًا من عدد الركاب الذين تستطيع الطائرة نقلهم في الدرجة الاقتصادية، إلّا أنه ستكون هناك حاجة متزايدة إلى كل شيء، بدءًا من المضيفات الإضافيات للتأكد من سلامة أولئك الركاب (وفقًا لقواعد إدارة الطيران الفيدرالية FAA)، إضافة إلى مرافق الحمام ومستلزمات الطعام والشراب، والأخذ بالحسبان الحجم المادي المتزايد للركاب، وتفضيل السفر بحقائب كبيرة، لأن هناك قدرًا هائلًا من الوزن عند نقل الناس جوًّا.

بحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، يبلغ متوسط وزن الرجل الأمريكي 90.6 كيلوغرامًا، ومتوسط وزن المرأة الأمريكية 77.4 كيلوغرامًا ذلك اعتبارًا من عام 2018، بينما في عام 1960 كان متوسط وزن الرجل الأمريكي 75.4 كيلوغرامًا ومتوسط وزن المرأة الأمريكية 63.6 كيلوغرامًا، وقد أصبح الذكور والإناث أطول بحوالي نصف إنشًا عما كانوا عليه قبل 60 عامًا. ومنذ مارس 2020، أكثر من 40% من البالغين الأمريكيين فوق سن العشرين يعانون من السمنة المفرطة، ويعني هذا الوزن الإضافي أن الطائرة ستستهلك مزيدًا من الوقود، وتصبح أقل كفاءةً، أي أن تكلفة الطيران سترتفع أكثر.

تمرد الركاب

أخيرًا والأكثر وضوحًا، هناك مسألة الراحة. إذ يزداد الركاب غير المنضبطين في المطارات والرحلات، وقد أجرى الاتحاد الدولي للنقل الجوي تحليلًا حديثًا، نتيجة زيادة الحوادث بنسبة 47% من عام 2021 إلى 2022. وأفاد أن جعل الركاب في حالة انزعاج كبير بسبب وضعهم في هذه الأنواع من المقاعد، لن يؤدي إلّا إلى تفاقم هذه المشكلة.

يوجد أيضًا عدد من مجموعات الدفاع عن الركاب ومجموعات المساندة الطبية التي تعارض بشدة حشر الأشخاص في الطائرة لعدد من أسباب الصحة والسلامة والراحة. ويشكل مشروع القانون في الكونجرس دليلًا على أن تلك المخاوف تُغيّر الحوار بالكامل.

مع بدء موسم السفر الصيفي، من المنطقي توقّع ازدياد عدد الركاب غير المنضبطين، إضافةً إلى ازدياد التأخيرات سوءًا. وسوف تواصل شركات الطيران محاولة اكتشاف طرق لتجميع المزيد من الأشخاص في الرحلات الجوية. لحسن الحظ، من غير المحتمل أن يتضمن ذلك بنىً ذات طابقين أو مقعد وقوف.

اقرأ أيضًا:

طائرة المستقبل: تصميم جديد مختلف كليًا للجناح ومزايا أخرى

طائرة ركاب كهربائية هجينة تنجح في أول اختبار لها

ترجمة: حنا مسيكه

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر